fbpx
المقبول والمرفوض في علاقة مصر بقطر
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب

فتحت عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وقطر أسئلة كثيرة حول ما يمكن أن تقبله أو ترفضه القاهرة من الدوحة، حيث خضعت لحسابات إقليمية معقدة، وجاءت من رحم جهود أميركية امتدت على مدار أشهر، وصمودها أو تهاويها سوف يخضع لتقديرات سياسية وأمنية متباينة.

 

سجلت مصر جملة من الشروط اللازمة للمصالحة، ولم تؤكد قطر القبول بها بشكل واضح. وعلى العكس، أوحت تصوراتها أنها خرجت منتصرة في قمة العُلا الخليجية على دول الرباعي العربي، مصر والسعودية والإمارات والبحرين، التي وقعت على بيان تضمن صيغة فضفاضة لاستئناف العلاقات مع الدوحة وتطويرها تدريجيا.

 

وضع النظام المصري الكثير من مؤيديه السياسيين والإعلاميين بالداخل في مربع مربك، فقبل وقت قصير كان هؤلاء لا يكلون أو يملون من مهاجمة قطر، ردا على ما تقوم به قناة الجزيرة وضيوفها من حملات تشهير واسعة وتدخلات سافرة في الشؤون المصرية، والآن عليهم الصمت دون أن يعرفوا تفاصيل الأسباب التي قادت إلى المصالحة، وعليهم فقط تخمين دوافعها الحقيقية.

 

بعد الإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية رسميا لم تعد التخمينات محل اعتبار كبير، فمن المهم التعرف على الطرق التي تسلكها في ظل عودة بدت اضطرارية، حيث لا تتوافر العوامل الكاملة لتبديد الهواجس التي انعكست في تكرار الخطاب المصري الحديث عن ضرورة توافر النوايا الحسنة للمصالحة، بما يعني أن هناك عدم اطمئنان لقطر بصورة كافية.

 

يجد المتابعون للعلاقات بين البلدين أن مصر لم تتدخل في شؤون قطر، على الرغم من توافر الكثير من المعلومات والخبايا لديها والتي لو استخدمت لأوجعتها وأحرجتها.

 

في إحدى المرات النادرة التي التقى فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قبل مقاطعة الرباعي العربي، وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، استنكر السيسي الهجوم الشخصي الذي شنته وسائل إعلام مصرية على والدة الشيخ تميم، في إشارة توحي بالسلوك الرسمي المنضبط.

 

في المقابل، لم تتأثر العمالة المصرية الكبيرة العاملة في قطر بالأزمة وتوابعها السياسية، وانحصرت وقائع الخصام في جماعة الإخوان التي تحتضنها قطر ماديا وسياسيا، والتنظيمات المصرية المتطرفة التي تتلقى دعما منها، والأنياب الإعلامية التي يتم توظيفها لخدمة هؤلاء.

 

تنحصر المطالب المصرية تقريبا في رفع قطر يدها عن الإخوان والمتطرفين والإرهابيين الذين يمثلون تهديدا للأمن القومي، وهي إشكالية مركزية تدور حولها وتتفرع منها غالبية الشروط الرئيسية، ولا تهاون أو تفريط في إيجاد وسيلة مناسبة للحد من توظيفها، واستمرارها كأداة في يد الدوحة مرفوض تكتيكيا وإستراتيجيا.

 

بدت القاهرة غير معنية كثيرا بتطور علاقات الدوحة مع كل من إيران وتركيا، وما تحصلان عليه من تسهيلات إلا بالقدر الذي يزعجها، وهو ضئيل، أو يزعج حلفاءها، وهو كبير، ويمكن لمصر التعامل مع هذه الحالة دبلوماسيا، طالما أن تأثيراتها لا تصل إلى مستوى الخطر المباشر.

 

يُعد الموقف من القوى الإسلامية عموما هو مربط الفرس، لأن قطر ليست متهمة باحتواء ودعم وتمويل عناصر مصرية فقط، بل ليبية وسودانية وفلسطينية وسورية وتونسية وتركية، وجميع التصرفات التي يقدمون عليها مرفوضة، لأن روافدهم تصل إلى مصر في النهاية بحكم التداخل والتشابك والجغرافيا وتقارب الأهداف.

 

المطالب المصرية تنحصر تقريبا في رفع قطر يدها عن الإخوان والمتطرفين والإرهابيين الذين يمثلون تهديدا للأمن القومي

بالتالي، فالصفقة، إذا كانت هناك صفقة حقيقية ومكتملة بين البلدين، لن تكون قاصرة على إسلاميي مصر بألوانهم وأطيافهم، وانتماءاتهم الإخوانية والداعشية والقاعدية، وتمتد إلى علاقتها بكل الإسلاميين في منطقة الشرق الأوسط.

 

وربما أبعد من ذلك، فهناك نشاط كبير لهؤلاء في اليمن وأفغانستان وباكستان، وبينهم عناصر مصرية هاربة وصدرت بحقهم أحكام قضائية بالإدانة، وارتدادات الكثير من عملياتهم تصل إلى القاهرة أو تستهدف مصالحها في دول أخرى مباشرة.

 

تدرك القاهرة أن الأزمة مع الدوحة معقدة وتسري عليها قواعد المعادلة الصفرية، التي يمثل مكسب طرف فيها خسارة للطرف الثاني، والعكس، فمصر تقف بصرامة ضد القوى الإسلامية، واستمد نظامها جزءا مهما من شرعيته السياسية المبكرة من حسمه في المواجهة معهم، بينما تستمد قطر جزءا حيويا من دورها وحضورها في المنطقة من العلاقة معهم.

 

تحجّم هذه المعادلة منسوب التفاؤل لدى من تصوروا أن مجرد الإعلان عن عودة العلاقات بين البلدين يعني طي الصفحة القاتمة، والبدء في تحسين الأطر التي تؤدي إلى الدفء والتعاون، ولو في الحد الأدنى من القواسم المشتركة.

 

تسبب قبول مصر بصيغة التحالف القطري مع الإخوان في تحملها تكاليف باهظة في أمنها واستقرارها. فما حدث بعد ثورة 25 يناير 2011، كان نتيجة مباشرة لصمت نظام الرئيس حسني مبارك على هذه العلاقة الوطيدة قبلها، ووفرت الدوحة للجماعة ملاذات آمنة ودعما متعدد الأوجه ساعدها في الوصول إلى الحكم.

 

استوعبت القاهرة دروس هذه العلاقة جيدا، فقد كادت تكبد النظام الحاكم والدولة تكاليف أشد مما حدث في عهد مبارك وبعد سقوطه، حيث وصلت الجماعة إلى سدة السلطة مستفيدة من الفراغ السياسي العام، لذلك لا تهاون في ملف القوى الإسلامية.

 

في أكثر من مرة وضع الرئيس المصري شروطا قاسية للمصالحة مع الإخوان والتعامل معهم كمواطنين، وفرّغت في محتواها النهائي خطابهم من ثوابته الرئيسية، وكان الجواب يأتي منهم بالرفض دوما، فمشروعهم عقائدي وطويل الأمد.

 

تتشابه قطر كدولة مع الإخوان كجماعة سياسية لها أذرع أمنية عديدة في مضمون المشروع وليس الأيديولوجيا، ويؤدي التخلي عنه إلى خسارة فادحة لفكرة الدور الذي ظلت تبحث عنه حتى وجدته، ووجدت معه قوى دولية تدعمه وتطرب له، وبات يمثل ركيزة لبعضها للتحكم في كثير من مفاتيح المنطقة.

 

إذا كانت القاهرة تعلم كل هذه الألغاز ونتائجها، لماذا قبلت الدخول في مصالحة أشبه بالمغامرة، وكيف تدير علاقاتها الدبلوماسية وسط حقول مليئة بالألغام السياسية؟

 

يمكن اختصار الإجابة في شقين، أحدهما أن مصر تريد تخفيف حدة الأزمات الإقليمية لتتفرغ لمعرفة بوصلة الإدارة الأميركية الجديدة، والمرغوب والممنوع لدى الرئيس جو بايدن، من ثم فالمصالحة، أو بمعنى أدق التهدئة مع قطر لها دواع عاجلة، فالتحديات الخارجية التي تواجه الدولة المصرية متشعبة، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وتستوجب تخفيف الضغوط أينما وجدت فرصة مناسبة.

 

أما الشق الثاني فيتعلق بروافد ملف التطبيع الذي تعتزم إدارة بايدن عدم التخلي عنه، وهناك حتمية لهدوء بين مصر وقطر في بعض جوانبه، وتريد القاهرة أن تكون قريبة منه لتتجنب تهميشها إقليميا، ما يجعل التهدئة أمرا ضروريا، لكن معرفة المدى الذي يمكن أن تبلغه سوف يتحدد على مستوى ما تقبله أو ترفضه مصر من قطر في علاقتها بالقوى الإسلامية، وما يتمخض عنها من تدخلات وتهديدات لأمنها القومي.

أخبار ذات صله