fbpx
بن دغر والمفلحي مقاربة أدبية:

د. عبدالمجيد العمري

لن اناقش التكليف العجيب لبن دغر في رئاسة مجلس الشورى بعد قرار إقالته وإحالته للتحقيق في سابقة هي الأولى في العالم ؛ لكن ساتناول جانبا مختلفا من الجوانب الأدبية لشرح لوحة أدبية مثيرة ومدهشة.
لا زلت أتعجب من أي قاموس عربي استخرج د.عبدالعزيز المفلحي الوصف العجيب لرئيس الوزراء بن دغر حين قال ( إن كبريائي يمنعني أن أخوض في جدال مع رئيس حكومة يخطف الماء من أفواه الناس والضوء من عيونهم ) .
استخدم المفلحي فعل يخطف؛ والخطف فيه سرعة أخذ مع منازعة؛ والمخطوف الماء والضوء؛ والخطف يستخدم في جانبين إيجابي ومنه خطف الأضواء وسلبي وهو خطف البشر؛ والمخطوف هنا مختلف فقد جمع بين جانب حسي الماء وجانب اقرب للمعنوي الضوء؛ ( ومن ) مكانية تحديد مكان الخطف؛ وهو الأفواه والعيون؛ وهنا تكمن الدهشة ولان المشبه رئيس وزراء والذي وقع عليهم الخطف الشعب؛ فالوصف جمع بين بلاغة ومكنة تعبيرية عالية وتشبيه بليغ..
استفتح الدكتور هذا الوصف بقوله ( إن كبريائي يمنعني ان أخوض في جدال..) الحديث عن الكبرياء في النأي بالنفس عن النزول لمستوى الخصم في الخصومة والجدل ينبع عن عزة نفس وعلو شأن وترفع عن السفاسف وإن كان المخاصم يتمتع بمنصب رئيس الوزراء؛ لا سيما مع ما تبعه من توصيف دقيق لعملية الخطف..
خطف الضوء من داخل العيون يذكرنا بأغنية أبو بكر سالم (سرقت النوم من داخل عيوني هههه ) فالعيون ناعمة وهي بصيرة الإنسان في الحياة؛ وخطف ضوءها يعني أفقادها خاصية الإبصار ؛ وهذا التوصيف يصيب القارئ بالدهشة؛ كيف استعاض عن كثير من المرادفات ( العبث بالكهرباء) ( تعذيب الناس) إلى هذا الوصف العميق المثير..
سرقة وخطف الماء من داخل الأفواه لا يعني توقيف خدمات كانت ستنجز؛ ولكنه تعطيل واقع والعبث فيه؛ والماء عنصر الحياة ومادة البقاء؛ ومن يخطفه من داخل الفم ؛ فقد بلغ في التوحش غايته؛ والطغيان أعلاه
نحن لا نتحدث هذا عن شخص بن دغر فالعامي البسيط يعرف من هو هذا الشخص ؛ لكننا نقف أمام لوحة أدبية مختلفة؛ بحق لا زلت أتعجب كيف نسج المفلحي هذه العبارات التاريخية الملهمة..
الدكتور المفلحي غادر السلطة مبكرا؛ لكن كلمته هذه لم تغادرنا؛ سيطول بقاؤها فينا كلما رأينا ظلاما دامس؛ وأطفال يموتون من تلوث المياة ؛ واجهزة تصفية الكلى واقفة بسبب انقطاع الكهرباء؛ والنائحة الثكلى ليس كالنائحة المستأجرة..