fbpx
الشاعر بن شيهون..و إيحاءات هاجسه المزلزلة
شارك الخبر
الشاعر بن شيهون..و إيحاءات هاجسه المزلزلة

كتب – د.علي صالح الخلاقي.
لا شك أن القدرة على التَّوَقُع أو التكهن بالأحداث المستقبلية وإجادة استقراءها بنظرة ثاقبة لا يتقنها إلا القِلَّة من الشعراء ممن وهبهم الله مَلَكَة الادراك والإحساس بالمستقبل بناء على فهمهم العميق لمعطيات الماضي ووقائع الحاضر واستشرافهم لآفاق وملامح المستقبل. ومن بين هؤلاء القلة شاعرٌ مِلْء السّمع والبصر، ذائع الصِّيت، هو الشاعر المُلْهم، مرهف الإحساس محمد عبدالله بن شيهون، إذ يتميّز حِسّه الشعريّ بإيحائيّة فائقة وتزخر قصائده بالعديد من التوقعات أو التكهنات لكثير من الأحداث بعضها حدث وبعضها ما زال يحدث الآن أمام أعيننا، وهذا ما لفت انتباهنا وحفزنا على العودة مجدداً لقراءة قصائده التي ضَمَّنها باكورة أعماله (المرفأ المهجور) الذي صدر عام2010م، وكان لي شرف جمع وتقديم وتحقيق هذا الديوان.
تنبأ الشاعر بن شيهون بأحداث عدّة في كثير من قصائده وكان فيها صادق الحَدْس، عجيب الفراسة، وهو يستشف أو يتوقّع نتائج أو أحداث مستقبلية قبل وقوعها. ولنقف على بعض تنبؤاته وتوقعاته التي نَفَذَ فيها سَهْمُ القدر، ونبدأ بموقفه من الغَدْرِ بالوحدة واحتلال ونهب الجنوب من أزلام المخلوع.
ففي قصيدة أرسلها بن شيهون إلى صديقه الشاعر الشيخ محمد سالم علي الكهالي، في مارس 1992م، في ظل سوء الأحوال خلال ما عُرف بالمرحلة الانتقالية أو كما كان يطلق عليها “الانتقامية”، قال معبراً عن خيبة أمله في الوحدة الضِّيزى وضيقه مما آلت إليه أوضاع البلاد والعباد:
سنين عشنا   كما الحيوان بالأدغال
وسَيِّد   الغاب متسيطر على اثْعَاله
سبعه وعشرون   عاماً بالجنوب اجْمَال
وعشر   وأمثالهن ضعفين بشماله
إنْ جيت   مَطْلَع لقيت أم الصّرُم جثال
وِنْ جِيْت   مَنْزَل لقيت الساحره باله
وبعد قالوا   لنا الوحده أمل لَجْيَال
وسُعد ابن   اليمن فيها وآماله
لكن ظن   المواطن خاب والآمال
مَالَتْ مع   الريح سُرعه حيثما ماله
واحْلامنا   اتْسَّربت كالماء في الغربال
أو مثل ظامي   بصحراء خابت آماله
فوضى رهيبه   وكم نَضرُب من الأمثال
من مثل هذا   الذي يجري وأمثاله
حتى اصبح   الحُرّ رأسه تحت والأنذال
رؤوسهم من   حرام المال قد طاله
وفي ظل هذه الفوضى والعبث والأوضاع الكارثية المنافية للحق يستغيث الشاعر بعروة الله الوثقى طالبا الغوث والمدد، مفضلا الموت على ما آلت إليه الأمور من سوء .. لكنه بحسّه الباطني وشعوره الحدسي القوي  يخبرنا بأنّ شيئًا ما سيحدُث، وكأنه يتنبأ بعاصفة الحزم. وما يبعث على الدهشة أنه يذكر تلك التنبؤات بالاسم, كذكره لبارق يلوح له يبرق على “آزال” ويزيل طغاتها، وراعد يرعد في سماء “تعز” فيدك قصر “صالة” وبراكين تتفجر في “دمث” و”النادرة” تزلزل الطغاة، وكأن شاعرنا يخبرنا بما يجري اليوم:
يا عروة   الله غيثينا مدد بالحال
أو أفضل   الموت واحْسَنْ من ذه الحاله
لكن بيلتاح   لي بارق على آزال
وصوت راعد   بيرعد من على صاله
وسحاب سوداء   على الأطلس وفي شوال
صِفَات   محتامها لا اتْلاحَقَهْ ساله
وبدمت   والنادره يتفجر الزلزال
والوقت قد   حان لأبين يظهر ارْجَاله
وفي الشطر الأخير أتى شاعرنا الأريب بالأمر العجيب فكأنما أخبرنا عن دور قادم لابن أبين الرئيس عبدربه منصور هادي عند نظمه تلك الأبيات قبل ما ينيف عن عقدين، وهو ما قصده بقوله (والوقت قد حان لأبين يظهر ارجاله)..ألا يؤكد هذا قوة الحدس وملكة بُعد النظر لدى شاعرنا القدير!!.
لقد كثر الظلم وكثرت الشكاوى بعد حرب اجتياح واحتلال الجنوب صيف 94م ولكن لا حياة لمن تنادي، والمنتصر حينها لا يسمع صياح المظلومين ولا يلقي بالاً لهم، ولهذا نصح الشاعر الرئيس عفاش حينها بقوله أن الكرة في مرماه، قبل أن يشرب الكأس الذي شربه (هيثم) والمقصود هيثم قاسم طاهر وزير الدفاع في دولة الوحدة المغدور بها وبصناعها الحقيقيين من الجنوبيين ممن طُردوا وشُرّدوا وما هيثم سوى رمز لهم، وقد وصل الشاعر بن شيهون وهو يتأمل خارطة الظلم التي تزداد مساحتها بصورة خاصة في أرجاء الجنوب وصل إلى يقين دفعه أن يقسم اليمين بأنه لا بد من المواجهة (المرجم)، وسيبلي الله الظالمين بالظالمين (وبا يقع هام في آزال يبلع هام)، كما جاء في قصيدة جواب لبن شيهون على صديقه الشاعر محمد علي السليماني “أبو لحمدي”1995م:
واليوم إن الكُرَهْ   في ملعب الفندم
بي خوف والله   لا يأتي عليه الزام
وا يشرب الكأس   ذي قبله شرب (هيثم)
شُرْب الهَنَا   في جبوتي أو بأرض الشام[1]
يا موت لو زرتنا   أفضل لنا وأرحم
من ما رمتنا   الليالي فيه والأيام
لكن يمين القسم   بَنَّهْ وقع مَرْجَمْ
وبا يقع هام   في “آزال” يبلع هام
وبرق من جاهم   أسود مُوسم المَرْزَمْ
يسيل لمَّا يصل   أطراف دُهمة يام
ما دام عاد العداله   غارقه باليَم
ويل اليمن ثم   ويلش يا مدينة سام
وقد صح وتحقق إيحاء هاجس الشاعر الحكيم، سليل بيت الحكمة، بأن يأتي الانتقام من الظالمين بهذه الصورة العجيبة، وأن نرى فيهم يوماً أسْوَدَ.. وقد جاء ذلك اليوم الذي تنبأ به أو قل تمناه الشاعر واقتتل الطغاة فيما بينهم واسوّد فيه وجه كبيرهم “عفاش” وصار لونُه كلون الفحم فأظلمت الدُّنيا في عَيْنيه وركبته الهموم ليذوق كأس العلقم الذي طالما أذاقه الآخرين بعنجهيته واستبداده ..
وفي العام اللاحق 1996م تنبأ الشاعر بعاصفة ريح صرصر وزلزال لا يبقي ولا يذر من أهل الظلم ولا حتى نافخ نار، يقول في قصيدة له:
إلى متى   الصَّبر يا شعباً مُقيِّد بالاغلال
بين كل   الشعوب أصبحت دون إعتباري
رب سالك   تبدل سيئ الحال إلى حال
خير منه   وأفضل وأنتَ أعلم وداري
ذ
والاَّ   سَالك بعاصف ريح صرصر وزلزال
لا يبقِّى   من أهل الظلم نافخ لناري
أليس هذه العاصفة هي (عاصفة الحزم) بشحمها ولحمها وصفاتها الذي ذكرها الشاعر وقد عصفت بالظالمين من عصابات صنعاء وانهت تسلطهم وجبروتهم.
وفي قصيدة جوابية أرسلها للشاعر فضل قاسم ثابت السعدي في يوليو 2007م تجاوب بن شيهون مع انتفاضة الشعب الجنوبي ضد عصابة نظام صنعاء وزعيمهم عفاش وصدع بكلمة الحق معبرا عن رفض الجنوبيين لنتائج الحرب وحتمية انتصارهم ومؤكداً بأنهم لن يحنوا رؤوسهم لغير الله ولن يلبسوا ثياب الذل ولو كانت من حرير، ومما قاله:
واليوم من بعد استلاب الأرض يبغونا خدم
نخفض لهم أجنحتنا مثال ربَّات الخيام
حاشا وكلا بالجنوبيين سادات الكرم
أن تنحني رؤوسهم لغيرهم مثل النعام
لو تعُود عورات الرِّجال فروج تنضح خَسّ دَمْ
أو تنطفي شمس الضُّحى وَيَدْهَمْ الكون الظلام
ما نلبس أثواب المذله وأن تكُن ديباج صم
أو من حرير أخلاس من مِدْرَاسْ أصليه تمام
ولعل نهاية المخلوع -الذي يطلق عليه كناية (المشرقي) -حتمية بعد عاصفة الحزم التي عصفت وتعصف بما تبقى من قواته التي أراد الاستقواء بها لفرض هيمنته على الجنوب والشمال معا. فهل جاءت هذه التوقعات على سبيل الصدفة أم أنها استشراف وقراءة ممعنة ببعد نظر لمستقبل كان يتوقعه الشاعر؟!:
وانت يا (مشرقي) وقت المخاطر ترَوَّه
لا تغرك فيالق جيش زاهق وتعبان
سوف با يتركونك لا بَدَا حَوْم  حَمْوَه
فاقد الشيء لا يعطيه يا أبّ حمدان
إن الطغاة كما هو عهدهم لا يقرأون إلا ما يروق لهم من مدح وثناء ولا يستمعون للنصح، وهكذا فبعد أن خاب ظن الشاعر بالمخلوع شبهه بـ “مَقَدَمْ السَّيل الزبد” الذي لا قيمة له ولا هيبة ويتحكم فيه ذلك الطفل المشوَّه والمشابه للقرود، ولعل المقصود به الحوثي الذي ولدته “الشقية” حرب صعده، فكان ما كان من تفجر الأحقاد المناطقية والمذهبية. لنستمع إلى ما توقعه وحذر منه شاعرنا الحكيم بن شيهون في جواب له على الشاعر عبدالقوي عبدالله الحربي في 4/4/2008م:
يا مشرقي لو ما مع سُرّاق   مالية البلد
الضوء لخضر من قُدَاك ما اتجاوزوا كل الحدود
ما عاد لك قيمه ولا لك عندهم هيبه تجَد
مهما تحاول رَدّ قيمة هيبتك ما باتعود
قد كنت من قبل أحْسُبَكْ صخره عليها الموج مد
تسخر من الأمواج مهما كَرَّرت ذاك المدود
لكن توضح لي بأنَّك مَقَدَمْ السَّيل الزبد
من بعد سمعي إنْ إمضاءك يُقابل بالصدود
واليوم وين حِقُوق مَنْ مَدَّوك بالقوّه مَدَدْ
وأعْطَوْك ما لم كنت تحلم فيه وأعيانك رقود
أهل الجنوب الحر ذي ثرواتهم أمست بدد
مع الذي عينه ترى الوحده مطيّه للنقود
أشباح في صورة بشر جاؤا على غفله وقد
ظنوا الجنوبي يرتضي بأيَّامهم صَفْع الخدود
يا كم نصحتك مثلما نصحت قبلك ذي شرد
وقلت له يا آخر العنقود ليش انته حقود
واليوم با زِيْد آنصحك قبل الشقيه ما تلد
في ذلك الطفل المُشَوَّهْ والمشابه للقرود
حيناً تكون أنت السبب وبطانتك يوم الحرد
لا اتفجَّرَت لَحْقَاد ما بين الشوافع والزيود
وفي أبيات جوابية لبن شيهون على الشاعر محمد عبدالحافظ بن أسعد العيسائي عام 2008م وصل إلى قناعة تامة من عدم صلاح الأوضاع في اليمن، منطلقاً من فهمه العميق لطبيعة القوى المتنفذة في الشمال التي لا رؤية وطنية لديها ولا هم لها سوى الطمع والاستقواء بالقبيلة والمذهب لبسط نفوذها وهيمنتها القبلية والمناطقية على حساب الوطن، مع تقلب الولاءات يقول:
من قال انه باليمن   يتربَّح
يروح ماله قبل   جني أرباحه
وأي واحد باليمن   يتبرطح
للمشرقي وأعوانه   الذباحه
با يذبحونه من   مَتَمّ المَذْبَحْ
وعند قبره تسمع   النواحه
أهل الحمايه   حاميين المطرح
يا ويل وادي   تسرقه شُرَّاحه
فرسان هَجْدَهْ   كمَّن أشطح أنطح
ذي يرفدون الجعفري   بِسَلاحه
وقت الضحى مملوكيين   الملمح
والليل أيوبين   في نصاحه
وللطمع مذهب   معاهم أفسح
من مذهب القطاع   والسفاحه
لهم سوابق من   زمن ما شَوَّحْ
نجم الثريا واشتعل   مصباحه
إن ما أورده بن شيهون عن الولاء المزدوج لاتباع عصابة صنعاء المتنفذة التي تنحرف مع اتجاه بوصلة مصالحها يعيد إلى أذهاننا حكاية شيخ حاشد مبخوت ناصر الأحمر، الذي كان عضد الإمام يحيى ولعبد الدور الأكبر في توطيد حكمه، ولما ظهر الإدريسي كمنافس للإمام في حجة وما جاورها وكان ينفق الأموال التي كانت تمده إيطاليا والانجليز بسخاء سال لعاب ناصر مبخوت وطمع في ذهب الإدريسي فكان ينزل عنده للحصول على النقود (الزلط) مع احتفاظه بالولاء للإمام يحيى وكان يخاطب الأخير بقوله:”أنت إمام المذهب والإدريسي إمام الذهب” ولا يغضب منه، ومثل هذا الولاء المزدوج أمر معروف في حروب الملكيين والجمهوريين، وربما فيما يحصل اليوم من معارك وهمية في محيط صنعاء.
ولعل كلمة “الجعفري” التي أوردها بن شيهون إشارة إلى الحوثي ومذهبه الجعفري المرتبط بولاية الفقيه، وما مسرحية الحروب الستة بين المخلوع عفاش والحوثيين سوى تمثيلية مصطنعة وكاذبة بغية مدهم بالسلاح، وهو ما كشف عنه بجلاء التحالف المريب لاحقاً بين المخلوع والحوثيين.
على أية حال فأن الشاعر بن شيهون بعد وصفه لذلك الزمن الرديء الذي ارتفعت فيه مكانة الأنذال على حساب أهل الشرف والشجعان يختتم بتنبؤاته على شكل تساؤلات وأمنيات تمناها وتحققت وتتحقق الآن:
متى متى سيول   وادي مَذبح
تدهم بليلٍ دامسات   اجناحه؟!
ومتى شماريخ   النّقيل يَسْلَح
تَسْلَحْ حُمَمْ   تَهْدُمْ قصور الساحه؟!
وكأنما توقع شاعرنا بن شيهون بعاصفة الحزم مبكراً وفي أكثر من مرة، فقد سلِحَت شماريخ النقيل يسلح وذرقت فوق المخلوع (السَّالح) فغادر قصور السبعين مكرها إلى مخابئ وأنفاق مظلمة، وما زالت الطيور تَذلُق وتزرُق ذرقها جمراً وناراً وحُمماً على قصوره ودكّت منصة الكذب في ساحة الشؤم التي كان ينعق منها غراب البين وسَوَّتها بالأرض.
وبالمثل وكما توقع الشاعر تجاوبت سيول(مذبح) ودهمت في ذات ليل دامس فذبحت فرقة الموت والنهب والسلب السيئة الصّيت “الفرقة المدرعة” وأغرقت في زخم اندفاعها أوكارها وطردت قائدها شر طرده وغادر عرينه مكرهاً في ذلٍّ وانكسار، فلقي الهوان على أيدي صبيان “مرَان”.
وما يلفت النظر في هذا الضرب من التوقع المستقبلي أن الشاعر في بعض قصائده يؤكد توقعاته باليَمين أو القَسَم وهو ما ينِّم عن الفطنة وحسن التقدير.. ألم يغلِّظ الشاعر بن شيهون الَيمين حينما أقسَمَ بالله رب الشمس والقمر بأن مطار صنعاء (المجراد) سيتحول إلى مزارع للبقر أو بأحسن أحوال أن يعود كما كان أرض بور مهما طال الزمن، كما جاء في قصيدة أرسلها في 6/7/2008م إلى صديقه الشاعر أحمد عبدربه المعمري “أبو يافع” وهو من ابناء شرارة – قاع جهران محافظة ذمار، يقول:
لكن قسم بالله رب الشمس وأخُّوْهَا القمر
مع الثريا ذي حوى مجموعها سبعه بدور
لا بُدّ ما مجرادكم يرجع مراعي للبقر
وإلاّ بأسوأ حال يرجع مثلما كان أرض بُور
هذا من إيْحَاء هاجسي طال الزمن وإلاّ قصر
دار الفلك أو لم يِدُرْ, لا بُدّ لكن ما يدور
وإلاّ فلا نَا من بني شيهون أخْيَار التَّجَرْ
ذي لقبهم (حاكم رضا يافع) وحُكْمَهْ ما يِحُور
إن هذه اليَمين الجازمة لا تقبل الجدل والاعتراض وكأن الشاعر بحدسه قد وضع في مخيّلته مخططاً مشابها لعاصفة الحزم التي عصفت بقوات المخلوع وبمليشيات الحوثيين وبدأت أولى غاراتها في مارس 2015م بدك “مِجرَاد” صنعاء أي مطارها وحولته إلى ركام. ولا شك أن هذه الثقة التي أكدها الشاعر بالقَسَم منبعها ومبعثها إيمان الشاعر بزوال الظلم والظالمين والانتقام لما حصل لعدن وثرواتها ومطارها، وهو ما ذكر به الشاعر في قوله:
واذكر بأنَّك في عدن، لولا تصاريف القدر
ما كنت فيها الآمر الناهي لتصريف الأمور
عشيقة البحر الذي أَقْسَمْت تتركها أثر
من بعد عيناً مثل قريه في قمم وادي حَضور
وخور مكسر ذي بها المِجْرَاْد خَلَّيْتَهْ هَجَرْ
ما عاد للعُقْبَان مَهْبَط والبَوازل والنسور
ختاما هذه نماذج فقط من استقراء شاعرنا بن شيهون للواقع وإيحاءاته المزلزلة فقط، وفي تقديري يمكن أن نسمي ما أورده عن احتلال الجنوب والنهاية الحتمية لذلك الاحتلال بالتوقع وليس بالتنبؤ، لأن رفض ومقاومة شعبنا الجنوبي منذ البدء كانت ستقود وتؤدي إلى هذه النتيجة الحتمية التي نراها طبيعية طال الوقت أم قصر. أما ما أورده عن (يسلح) و(مذبح) و(صنعاء) و(مجرادها) أي مطارها وما يلحق بها من ويل ورياح (عاصفة الحزم)..فهي تنبؤات وإيحاءات تنم عن مقاربات رآها الشاعر وهو يمحص الواقع المؤلم وعنجهية الظلم المنفلت العقال، فتيقن أن دولة الظلم زائلة لا محالة، ولعل مخزونه من الحكمة والحصافة قد ساعده في استشفاف واستقراء الأحداث السِّياسيّة ومن ثم توقُّع النتائج والأحداث التي نعيشها الآن، وكان قد ألمح إليها قبل وقوعها بسنوات كثيرة عن طريق التخمين، أو دراسة الماضي، أو التحليل للواقع الذي يعيشه الشاعر.
ونكتفي بهذه النماذج من الايحاءات الشعرية التي يتجلى فيها بوضوح شعر الاستبصار المستقبلي لبن شيهون، وله الكثير من التوقعات في موضوعات شتى، لا يتسع المجال لسردها هنا، ومن أراد المزيد عليه بالرجوع الى ديوانه المنشور (المرفأ المهجور) وسيبحر من خلاله في محيطٍ زاخر بما لذ وطاب من درر الكلام وجميل الأشعار..
#علي_صالح_الخلاقي.
عدن
[1] هيثم قاسم طاهر: وزير الدفاع في أول حكومة لدولة الوحدة, ويرمز به الشاعر إلى قادة الجنوب وما حل بهم بعد إقصائهم عقب حرب 1994م.
أخبار ذات صله