fbpx
وتبقى معضلة “الجيش الوطني” هي الأبرز

 

د. عيدروس نصر

تحول “الجيش الوطني” كتسمية، وكمفهوم إلى أحجية أو “فزورة” عصية على التعريف والفهم، ومن ثم التوصل إلى اتفاق يقنع الجميع أو لنقل القوى السياسية الحية في الجنوب والشمال، بمن هو هذا الجيش ومن هي قياداته، وما هو تاريخه وما هي مؤهلاته ليكون “جيشاً” حقيقيا، و”وطنياً” فعلياً، ومؤهلاً للدفاع عن الوطن ومصالح أبنائه والتصدي للتحديات المنتصبة أمامهم.

هناك ثلاثة وربما أربعة تفسيرات لـ”الجيش الوطني” الذي يتغنى به الجميع: فالإخوان في التجمع اليمني للإصلاح الذين طوقوا الشرعية من جميع الجهات بمجرد وصولها إلى الرياض ولحاقهم بها واحتوائها، يرون في مئات الآلاف من الأسماء (الحقيقية والوهمية) التي زجوا بها في سجلات القوات المسلحة، منذ 2011م، يرون فيها “الجيش الوطني”، الوحيد والحقيقي، ويعرف الجميع أن هؤلاء جاءوا بهم من ميادين الاعتصامات بدون تدريب، وعند “كتبتهم”، كانت “الضُمية” تتم على أساس المعيار الحزبي فقط.

 وبجانب هؤلاء بعض من تبقى من الفرقة الأولى مدرعة، وبعض العائدين من أفغانستان والمنتميين إلى داعش والقاعدة، الذين جرى استيعابهم في المؤسسة العسكرية بإشراف علي محسن والمقدشي ويتم ادخارهم للمهمات الخاصة جداً كما جرى في مواجهات أبين وشبوة الأخيرة، أي أن مليشيا الإصلاح ومن على نهجها هي فقط في نظرهم “الجيش الوطني” ولا جيش غيرها.

الجنوبيون بعامة يرون أن الجيش الوطني الحقيقي هو القوات الجنوبية التي هزمت المشروع الإيراني في أقل من مائة يوم بعيد إعلان عاصفة الحزم في العام 2015م، وتتمثل في تلك القوات التي ظلت بمنأى عن أي فعل أو حضور على مدى ربع قرن (منذ 7/7/ 1994م)، لكنها (أي القوات الجنوبية) وعندما حانت لحظة الحقيقة قدمت وبالتعاون مع الشباب الجدد من المقاومين وبدعم وإسناد قوات التحالف العربي ، قدمت ما أبهر العالم، ونجحت في امتحان صد العدو في أقصر فترة زمنية، وما تبقى تفاصيل لا تستدعي الجدال.

وما ينطبق على الفريقين ينطبق على الإخوة في حزب المؤتمر الشعبي العام (الملتحقيين بالشرعية بعد 4 ديسمبر 2018م) فـ”الجيش الوطني” بالنسبة لهم هم أولائك الأفراد والقادة الذين قبل بهم الإخوان الإصلاحيين في إطار (جيشهم الوطني) إلى جانب قوات حراس الجمهورية في الساحة الغربي وربما بعض الألوية المقيمة في حضرموت منذ 1994م التي تنقسم بين الولاء لعلي محسن والمقدشي ومن ورائهم حزب الإصلاح، وبين انتظار الإجهار بجيش وطني آخر يتبع المؤتمر الشعبي العام وأحمد علي وطارق وغيرهم ليكونوا جرءً منه.

ولا يمكن أن ننكر أنه حتى الحوثيين ومؤتمرهم الشعبي العام في صنعاء بقيادة الراعي وأبو رأس، لديهم (جيشهم الوطني) المكون من مقاتليهم القادمين من صعدة، ومن التحق بهم من قوات الطيران والحرس الجمهوري والأمن المركزي، وألوية المشاة والميكا والهندسة ممن لم يقبل بهم الإخوان في مأرب، أو ممن تنقلوا بين مأرب وصنعاء والعكس.

جذر المعضلة  أن قادة الجيوش الثلاثة (الجيشين الشرعيين والجيش الحوثي) ومن وراءهم القوى السياسية التي يعبرون عنها لا يعترفون بجريمة 1994م بحق الجنوب، ولا يقرون أن الجنوب بقي قرابة ربع قرن خارج أي معادلة عسكرية وأن له الحق في التعبير عن نفسه من خلال مؤسسته العسكرية، كما لا يعترفون أساسا بوجدود قضية جنوبية وراءها الشعب الجنوبي بملايينه الستة، ولها تعبيراتها السياسية والأمنية والعسكرية وآفاقها المستقبلية، وتلك هي نقطة الخلاف الجوهرية بيننا وبينهم.

وعندما يقولون لا بد من دخول “الجيش الوطني” إلى عدن هم يقصدون لا بد من إعادة احتلال عدن مرة ثالثة من قبل جيوشهم الثلاثة، وقد لاحظنا كيف ابتهجوا أيما ابتهاج لحادثة قصف مطار عدن الدولي يوم 30 ديسمبر 2020م، وراحوا يكررون بغبطة لا تناظرها غبطة: ألم نقل لكم أن أبناء الجنوب غير قادرين على حماية المطار والعاصمة؟؟

أكثر من عشر محافظات شمالية سقطت بيد الحوثيين في العام 2014م  في أقل من أسبوع دون إطلاق رصاصة واحدة، سقطت بمجرد وصول الشاصات الحوثية، وكل هذا السقوط و”الجيش الوطني” موجود والحكومة والرئيس قيد الاحتجاز، دون أن تثور لهم ثائرة ولم يغاروا من كل هذا.

ما ذكرني بهذا هو حديث صديقي وزميلي النائب المحترم والوزير السابق الدكتور نجيب سعيد غانم وهو يتحدث إلى قناة الجزيرة ويؤكد أن سبب حادثة مطار عدن هو عدم السماح لـ”الجيش الوطني” بالدخول إلى عدن، و”الجيش الوطني” الذي يقصده صديقي المهذب والودود جداً، هو الجيش الذي سلم كل محافظة الجوف وثلاثة أرباع محافظة مأرب ونصف محافظة البيضاء ومديرية نهم الاستراتيجية وما  جاورها للحوثيين في معركة لم تدم أيام ولم تطلق فيها سوى عشرات القذائف معظمها في الهواء.

نعترف أن قوات الجيش الوطني الجنوبي هي أقل عددا من “جيوشكم الوطنية” وربما أقل خبرة ومهارة، ومعظم أفرادها وقادتها يمضون أشهرَ دون مرتبات لكنهم لم ولن يسلموا نقطة عسكرية واحدة لعدوهم، ولن يقبلوا أن ينسحبوا إيثاراً للسلامة ويتركوا أسلحتهم ومطابخهم ومخازنهم ومعسكراتهم للحوثييين.

أما موضوع الطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى، فهي مثلما أطلقت على عدن أطلقت على مكة والرياض وحفر الباطن ومأرب، فالمجرم المحترف ليس لديه مهمة أسهل من تنفيذ الجريمة، فلا تعايروا عدن وأهلها ولا تتشفوا بالمقاومة الوطنية الجنوبية لنجاح الحوثي في تنفيذ جريمته فقد نفذ أضعافها برغم حضور “جيشكم الوطني” الذي لا ترونه أسداً إلا في عدن والجنوب فقط، بينما يتحول إلى نعامة في مأرب والجوف والبيضاء ونهم.