fbpx
في الذكرى 22لرحيلة.. الشاعر شائف الخالدي ونماذج من زوامله
شارك الخبر

يافع نيوز – كتب – علي صالح الخلاقي.
يعتبر الزامل من أبرز وأقدم فنون الشعر الشعبي في اليمن, وهو من أهم الفنون الأدبية البديعة المنتشرة حتى اليوم في منطقة يافع, حيث ما تزال صفوف الزامل تنتظم في أفراح الزواج وفي الأعياد وغيرها من المناسبات.
والزامل عبارة عن بيتين أو أكثر من الشعر تُرتجل بصورة مباشرة أو غير مباشرة, حسب مقتضيات الحال, وبأسلوب شعري مكثف يجمع بين البلاغة وقوة المعنى ولا يخلو من الصور الشعرية والتشبيهات والاستعارات ومختلف جماليات الشعر. وقد كان للزوامل دورها في الحروب والفتن القبلية وكذا في المقاومة الوطنية ضد الاستعمار وفي نقد الأوضاع السياسية وفي الحث على الوحدة وفي الأعراس وفي الترحيب والاستقبال وفي الأعياد واللقاءات الفلكلورية, كتلك التي ما زالت تقام كل عام في بعض مناطق يافع تزامناً مع احتفالات عيد الأضحى المبارك.
تُردد الزوامل بأصوات جماعية, ويصاحبها رقصات البرع التي تؤدى بشكل جماعي قد يزيد أو ينقص عن ثمانية أشخاص, على وقع دقات الطبول أو إيقاعات المرفع أو الطاسة وأنغام الشبابة أو المزمار ويرفع الراقصون الخناجر أو السيوف وينزلونها بحركات موحدة تتميز بالخفة والبراعة وتثير الإعجاب . وقد يتناوب راقصو البرع وتتغير كلمات الزامل وإيقاعاته كلما كانت المسافة أكبر إلى الوجهة التي يتجه إليها موكب الزامل.
يُطلق على الشاعر الذي ينظم أبيات الزامل “المتزمِّل” أو “المترجِّز”. وقد يستهل الشاعر زامله بقوله ( يقول متزمل, أو يقول مترجِّز), وتُعرف الزوامل أيضاً بالمراجز ومفردها “مَرْجَزْ”. أما المتزمِّلين فهم الجموع المنتظمة التي تنقسم إلى قسمين الأول ويردد كلمات البيت الأول والثاني ويردد كلمات البيت الثاني من الزامل وبأصوات مجلجلة صاخبة, وكانت تزداد حدة هذه الأصوات في الحروب والفتن القبلية بهدف إرعاب الخصم وشل معنوياته. فقد كانت الزوامل  في العهود القبلية بمثابة إعلان حرب, أو شرارة لإشعال فتيل فتنة جديدة وقد تسهم في إطفاء سعير أخرى كادت تلتهم اليابس والأخضر أو إصلاح ذات البين..الخ.
وشاعرنا شائف محمد الخالدي الذي غادرنا في 31ديسمبر1998م  أبدع في مختلف الأغراض وطَرَقَ مُختلف المواضيع ونظم وأجاد في مختلف فنون الشعر الشعبي. وكان الزوامل من الفنون الشعرية التي أجاد نظمها وأبدع فيها, وبالنظر في موضوعات هذه المجموعة من الزوامل, نجد أنها لا تخرج عن الخط العام الذي اختطه الشاعر في قصائده ومساجلاته الشعرية التي حظيت بقبول واسع قبل الوحدة وبعدها, فهي تعبر ,في مجملها, عن قضايا عامة, لا تخص الشاعر لوحده, بل قضايا الناس من حوله, وهذا ما نلمسه من مضامين زوامله, بدءاً بتلك التي وصلت إلينا من العهد القبلي, حينما اشتهر بلقب شاعر قبيلة “الموسطة” وكانت زوامله وقصائده تفعل فعلها التحريضي المؤثر, ولاسيما في مواجهة تداعيات اغتيال شيخ الموسطة أحمد أبوبكر النقيب.
وفي زوامل مرحلة الاستقلال وحتى تحقيق الوحدة وما تلاها من أحداث نجده مسكوناً بالهم الوطني العام الذي لم يغب عن باله, حتى أن زوامله العديدة في أفراح الزواج المختلفة التي يشارك فيها يغلب عليها تناول الهموم والشجون العامة وإبداء الآراء حولها بصدق وجرأة ووضوح, وفيما يلي نماذج من بعض زوامله:
· زامل قاله الخالدي عام 1971م عند زيارة وفد حكومي, ينتقد فيه كثرة الوعود العرقوبية  التي يغدق بها كل من يزور المنطقة:
عشال قد جانا وجانا بن عرب
والعكبري جانا وكم جتنا وفود
إن كان جيتونا لتلبية الطلـب
ولا فـلا حاجة لكثَّار الوعود
* ومن زوامله التي ينتقد فيها المواقف الإهمال التي تعرضت له يافع من قبل السلطة المركزية وحرمانها من المشاريع الحيوية:
يا ميم يافع بالحروب اتقدَّمي
يشهد لَشْ التاريخ عِدِّةْ ما غَزَيْش[1]
حِلّْ البلاء سَمَّوش قلعه صامده
وانْ هي عوافي ما حدا يسأل عليش
* ومن زوامله التي قالها في أفراح زواج في 19/  5/  1985م وتعرض فيها لما يدور في كواليس السلطة حينها من خلافات ويحذر من عواقبها الوخيمة، قبل وقوع الفأس بالرأس:
الحَيْد لَصْيَمْ قُلْ لرعيان الغنم
لا تفرحوا لا اترادعة رُؤس الكباش
بِتْرَادِعُوا بَيْن الغنم وانتوا سَلَمْ
ما حَدْ بيحضُر عند كِسَّار المِشَاشْ
كونوا على مَعْلُوم لو ما تعلموا
ان العمى بالعين من بعد العُمَاش
اليوم جبتوا لي مصايب بالثمن
ويوم بُكْرَهْ با تلاقوها بلاش
لي منعكم كلا يقدر صاحبه
لا حد يشُوف الناس قُدَّامه قُرَاشْ[2]
كلا يحاذر رُبَّما سَيْل اقبله
لا تحسبوا قد ما يشل الاَّ القُشَاشْ
يا رب سَيْل اقبل بساعه مُدْبره
فجَّر جِرَبْ عَوْجَا وخَلاها جِرَاشْ[3]
وتظلمُون الشعب ذي وقح لكم
نهار تخفيض الرواتب والمعاش
الاَّ بَدَلْ ما قول ما قد ربما
تمطر مَعَابر مُحرقه مثل الرَّشَاش
* وفي أهمية الصديق يقول:
قال المصنف حاجتي من صاحبي
كِسْبْ المخوِّه خير من دحْرَاجها
ذي ما حَسَبْ لصحاب وقت العافيه
دوَّر حذاها وقت ما يحتاجها
· وعند زيارة الخالدي إلى الإمارات  بدأ صديقه الشاعر أحمد محمد الصنبحي يستفزه قائلاً:
بُو صقر لا خائف ولا نا فازعي
ما اليوم قد جرَّيت خصمي بالإذُون
الخالدي جاني مُسلِّم طائعي
من بعد كسَّار السواعد والقرون
فرد الخالدي في الحال بقوله:
ما جيت مُستسلم ولا نَا فازعي
من قوم قطَّاعه وحُمران العيون
بل جيت متحدِّي وجنبيتي معي
لا قلت للجن احضروا با يحضرون
ومن الزوامل التي قالها ضد الأوضاع التي أفرزتها حرب 1994م ويسخر فيها من مظاهر تسليح عدن التي عُرفت بمدنيتها ، ويذكر جنود الاحتلال بأنهم كانوا يضعون سلاحهم الأبيض “الجنبية  في (كرش) عند زيارتهم لعدن، يقول:
طالت سُبُلْكُمْ يا الفروخ المُنْتَهِشْ
واصبح لكم داخل عدن قاله وقِيْل
كُنتوا تحطُّون الجَنَابي في كِرِشْ
واليوم رشاشات بالسّوق الطويل
دار الفلك يا سُوسة الحَبْ النَّخش
حَبِّي ذهب ذي كُنت أكِيْله واسْتَكِيْل
والبُرْ أصْبَحْ ذي بمخزاني (فِنِشْ)[4]
جابوا بديله بُرّ ما هو شي بديل
اللُّبْ ما يَلْتَاكْ والقُشْفي بَحِشْ[5]
والطَّعْم من بالغ بطعمه مستحيل
طَعْمَهْ سُقطري مُرّ مَاهَلْ مَنْ حَوَشْ
با يقْبَلَهْ مَغْصُوب والفاقه قليل[6]
إيَّاك يا شعب الجنوب أن تَرْتَبِشْ
شُفها مراحل مثلما عابر سبيل
ما حَدْ بها دائم على حِيْلِهْ وغَشْ
لوَّل رحل وآخر مُراعي للرحيل
· ونختتم هذه المختارات بزامل ساخر قاله بعد حرب 1994م حينما كان الخالدي واقفا أمام بوابة إدارة محافظ عدن ورأى أنهم يسمحون بالدخول لمن يحملون الجنابي(الخناجر) من أبناء الشمال، فيما لا يُسمح للآخرين، فقال ساخرا:
اللي معه جَنبيه يدخُل
واللّي بلا جَنبيه يرجع
وابن الجنوب الأنفصالي
من ساحة الميدان بَرَّع
رحم الله الشاعر الكبير شائف الخالدي واسكنه فسيح جناته
*********
هوامش:
[1] لش: لك. غَزَيْش: غزيتِ, تحل الشين محل الكاف في مخاطبة المؤنث.
[2] قُراش: بهائم.
[3] جرب:جمع جربة,قطعة أرض زراعية. خلاَّها جِرَاشْ: حولها إلى أرض غير زراعية.
[4] فنش: منتهي(من الانجليزية).
[5] القشفي: الجزء الجاف من قرص الخبز. بَحِشْ: غير رطب.
[6] سقطري: يقصد الصَّبر السقطري. الفاقة: الرغبة.
أخبار ذات صله