fbpx
ضمن 44 صحفيًا يمنيًا قتلوا خلال 10 سنوات كيف يمكن سؤال الكاميرا: ماذا يعني لكِ “نبيل القعيطي”؟
شارك الخبر

يافع نيوز – عدن – عادل حمران.
مع نهاية مايو/أيار 2020، الشهر الأكثر ترويعًا بالنسبة لسكان مدينة عدن حيث استفحل وباء كورونا إلى جانب حميات أخرى في حصد عشرات الحالات بشكل يومي, أشارت الإحصاءات الرسمية خارج وزارة الصحة العامة والسكان إلى وفاة ما يزيد عن الألفين شخص, أكثرهم بأعراض ضيق التنفس.
في الأثناء, قررت أسرة الصحفي نبيل القعيطي (34 عامًا) مغادرة منزلها الشعبي في مديرية دار سعد, شمالي عدن, بعد وفاة ثلاثة من جيرانهم بالوباء، قبيل وقت وجيز من الحادثة المأساوية, حيث اغتال مسلحون مجهولون المصور الشهير على مقربة من منزله, 2 يونيو/حزيران 2020, وقضى فور إسعافه إلى مستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود في المدينة الجنوبية.
يوم اغتياله كان مشغولًا بخدمة الناس
وصل الخبر الفاجع إلى “سعاد” أم نبيل بمعلومات بديلة لتخفيف وقعه عليها, وما لبثت أن اكتشفت أن ابنها البكر لم يكن مصابًا بل فارق الحياة “ليتهم قتلوني وتركوا نبيل”, كما كانت تردد.
“تركنا نبيل لوحدنا دون ظهر”, وفقًا للأم المكلومة كتوصيف للحالة الأسرية التي انقلبت رأسًا على عقب إثر الرحيل الصادم “لم يذنبوا بحقه فقط، بل قتلوا أسرة بأكملها”, مشيرة إلى أن المكافح الشاب كان  العائل الوحيد لهم بعد رحيل والده في وقت مبكر. وهي حاليًا أمٌّ لأربعة أبناء وجدة لأربعة أحفاد أكبرهم لا يتعدى عمره العشرة أعوام, فيما أصغرهم طفلة أسميت “بسمة” وُلدت بعيد اغتيال أبيها, كانت أمها حاملة بها في شهرها التاسع حين روّعها الخبر الذي أجبرها على الانطواء والامتناع عن مقابلة أي وسيلة إعلامية.
تحتضن الأم “سعاد” حفيدها الثالث زايد نبيل ذو الثلاثة أعوام, تنظر إليّ وتسألني كما لو كانت تسأل كل إنسان “لماذا قتلوا ابني؟!”, ويبقى السؤال دون رد. تضيف لـ”صوت إنسان”: “نبيل كان دائمًا يحب الخير ويساعد المحتاجين والمرضى وجرحى الحرب. كل همه ونواياه للخير, سواء داخل البيت أو خارجه, حتى يوم استشهاده خرج يتابع على حفر بئر مياه لأجل الناس”.
فائق النبل
ولد نبيل القعيطي في مديرية دار سعد, شمالي عدن بمحاذاة محافظة لحج المجاورة, عام 1986، وهو متزوج وأب لثلاث بنات وابن واحد (سارة 10 أعوام، ريتاج  8 أعوام، زايد 3 أعوام، بسمة 4 أشهر). تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في عدن, فيما لم يتسن له إكمال دراسته الجامعية لظروف اقتصادية, وهو ما اضطره إلى العمل مبكرًا رفقة أخيه في بيع أسطوانات الغاز المنزلي قبل انتقاله للعمل في مجال قطع الغيار الخاصة بالسيارات.
خارج المهنة, يكشف صديقه المقرب صالح العبيدي تميزًا لم يدركه كثيرون ربما “الجميع يعرف المصور نبيل القعيطي لكن كثيرين يجهلون نبله الفائق وتوجهه الإنساني في مساعدة المحتاجين والمرضى وزملاء المهنة وغيرهم. كان صاحب علاقات واسعة ولطالما عمل كحلقة وصل في تقديم المساعدات”.
يضيف العبيدي لـ”صوت إنسان”, وهو زميل مهنة للمصور الراحل “كان آخر عمل إنساني رافقته فيه قبل استشهاده بأيام قليلة، ترتيب مخيم النازحين وتنظيفه بعد كارثة السيول في مديرية خور مكسر حيث عمل على جمع التبرعات وتوزيعها لهم بعد إعادة ترتيب المخيم”.
“كانت نوعية عمله مقدرة على نطاق واسع”
لحظة انطلاق حركة الاحتجاجات الواسعة التي أسميت لاحقًا بـ”الحراك الجنوبي” ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح في المحافظات الجنوبية, يوليو/تموز 2007, كانت الدافع الأكبر لفتى في الحادية والعشرين من عمره انخرط في غمار نضال سياسي من البوابة الإعلامية وخاصة عبر عدسة الكاميرا, مع أنها المهنة التي لم يختارها بملء إرادته.
بدأ النشر في صحف محلية, بينها الصحيفة الأعرق في مدينة عدن “الأيام”, إلى جانب قناة “عدن لايف” التي كانت تبث من لبنان وتتبع فصيلًا في الحراك الجنوبي يتزعمه نائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض.
تمتع القعيطي بشجاعة نادرة ونشاط إعلامي قل نظيره. فبعد تغطيته الفعاليات الجماهيرية السلمية لحركات الاحتجاج الجنوبية حينها لما يقارب الثمان سنوات, عمل لصالح قنوات ووكالات إقليمية ودولية وكان واحدًا مِن أبرز مَن وثّق مجريات النزاع الدامي الذي دخلته اليمن في النصف الأول من العام 2015 والذي ما زال مستمرًا للعام السادس على التوالي.
ضمن هذا المنعطف, تعاون القعيطي مع وكالة فرانس برس منذ بدء التدخل العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية, وكان مرشحًا نهائيًا عام 2016 لجائزة “روري بيك” التي تمنح لأفضل صحافيي الفيديو المستقلين.
مدير الأخبار في وكالة فرانس برس فيل تشتويند كان عبّر عن صدمته “لجريمة قتل صحافي شجاع يقوم بعمله على الرغم من كل التهديدات والترهيب”.
وأضاف “ساعد نبيل، من خلال عمله مع وكالة فرانس برس خلال السنوات الماضية، بإظهار حقيقة النزاع اليمني المروع. وكانت نوعية عمله مقدرة على نطاق واسع”.
برقية العزاء للوكالة الفرنسية AFP تضمنت التذكير أن القعيطي نجا من الموت أوائل يناير/كانون الثاني 2019 بعد هجوم شنه الحوثيون بطائرة دون طيار على قاعدة العند الجوية في محافظة لحج, كبرى القواعد العسكرية جنوبي البلاد, أثناء استعراض عسكري كان يقوم بتغطيته.
مصدر أمني: المتهمون فارون
عديد قادة أمنيين اعتذروا عن الإدلاء بتصريحات, لكن مصدرًا أمنيًا فضل عدم إيراد اسمه, قال إن “الأجهزة الأمنية في عدن تتبعت ملابسات الجريمة منذ وقوعها, واعتقلت مشتبهين صادف وجودهم بالقرب من مسرح الحادثة بعضهم أبرياء تم إطلاق سراحهم, فيما لوحق متهمون آخرون قطنوا أحد الفنادق القريبة من المكان, وتم إيداعهم السجن والتحقيق معهم قبيل إطلاق سراحهم بتوجيهات من النيابة الجزائية المتخصصة بضمانة تجارية”, موضحًا “يمكن إعادتهم بأي وقت”.
وأضاف لـ”صوت إنسان”: أن “الأجهزة الأمنية تتبعت فلاشات مصورة بالقرب من مسرح الجريمة وتابعت خيوط القضية ولديها أسماء عدد من المتهمين الفارين من وجه العدالة”, متوعدًا بملاحقتهم, وقد تحفظ عن باقي التفاصيل.
مقتل 44 صحفيًا يمنيًا خلال عشر سنوات
الاتحاد الدولي للصحفيين كشف في تقرير له عن مقتل 44 صحفيًا يمنيًا منذ العام 2010 وحتى نهاية سبتمبر/أيلول 2020.
تقرير الاتحاد المنشور في موقعه الالكتروني, أكتوبر/تشرين الأول 2020, أشار إلى أن عديد صحفيين قتلوا نتيجة النزاع الدائر بين الحوثيين والقوات الحكومية المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية, فيما قتل بعضهم من قبل تنظيمات متطرفة كالقاعدة, وبحسب نقابة الصحفيين اليمنيين لم يتم تقديم أي من الجناة إلى العدالة.
وأوضح التقرير عديد عوامل “تعطل اتخاذ إجراءات قضائية ضد قتلة الصحفيين منها الحرب الدائرة في اليمن، وحالة عدم الاستقرار، وتعدد السلطات في ظل غياب مؤسسات موحدة للدولة، وانتشار مشاعر العداء تجاه الصحافة والصحفيين”, إلى جانب “أن غالبية المعتدين هم جزء من الأطراف المتقاتلة منذ عام 2015، ناهيك عن غياب السلطة القضائية المستقلة”.
و”رصدت نقابة الصحفيين اليمنيين 88 حالة انتهاك للحريات الصحفية والإعلامية في اليمن في الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني إلى نهاية سبتمر/أيلول 2020، تنوعت بين الاعتقال والتهديد والاعتداء والقتل ومنع من التغطية إضافة إلى اعتداءات على مقرات مؤسسات إعلامية أدت لتوقفها عن العمل”, فيما “سجل الاتحاد الدولي للصحفيين منذ بدابة 2020 مقتل مصورين صحفيين هما بديل البرهومي في 18 يناير/كانون الثاني بقصف لجماعة الحوثي ونبيل القطيعي مصور وكالة فرنس برس على يد مجهولين أمام منزله على خلفية نشاطه الصحفي”.
* نقلا عن منصة صوت إنسان
أخبار ذات صله