fbpx
حسابات بايدن تضع العلاقة المصرية الأميركية على المحك
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب

خلط نجاح الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن الكثير من الأوراق في منطقة الشرق الأوسط، لأنه يحمل أجندة مختلفة نسبيا عما جرى اعتياده خلال السنوات الأربع الماضية، وأسس فيها الرئيس دونالد ترامب إلى نمط جديد من العلاقات الإقليمية بدت فيه منظومة القيم الأميركية المعروفة متآكلة، وهو ما استفادت منه جهات وامتعضت منه أخرى.

ويتحسّس المستفيدون من عهد ترامب مواقعهم مع بايدن خوفا من حدوث تحول كبير، والممتعضون من الأول يجدون في الثاني نافذة أمل لضبط الدفة لصالحهم، ومحاولة زيادة حصيلة مكاسبهم السياسية، فيما تناسى الفريقان أن للرئيس بايدن حسابات قد لا ترضي هؤلاء وهؤلاء.

ويحظى ملف حقوق الإنسان والعلاقات مع إدارة بايدن باهتمام الكثير من النخب المصرية، وبعضهم يتوجس من مواجهة إدارة شرسة، والبعض مطمئن لأن الأمور تغيرت، ولدى القاهرة الكثير من أدوات القوة والصمود، وتوجهات واشنطن في عهد بايدن لن تكون هي نفسها في عهد بارك أوباما.ويعد الحديث حول مصر من أكثر الأحاديث صخبا منذ انتخاب بايدن، فالعلاقات بين واشنطن والقاهرة معقدة، وتتداخل فيها المصالح الاستراتيجية مع القيم الأخلاقية التي كرست جزءا من النفوذ المعنوي للولايات المتحدة في العالم.

وطالبت الكاتبة والبرلمانية السابقة منى مكرم عبيد، في مقال لها بصحيفة محلية بضرورة الحذر واليقظة في إعداد الملفات والتعامل معها بندية لاستقرار المنطقة، وحسن اختيار الشخصيات في التواصل مع الإدارة الأميركية الجديدة حفاظا على المصالح المشتركة، وعدم الخشية من طرح أي ملفات خاصة. وتوقعت عبيد وجود بوادر انفراجة في التعامل مع هذا الملف.

ويرجح مراقبون أن تتعرض التفاهمات بين الولايات المتحدة ومصر إلى هزة كبيرة، مع أنها من العلاقات الثنائية الأساسية التي تساهم في استقرار الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فمع دخول بايدن البيت الأبيض سيقوم بالمزيد من التدقيق في التحركات المصرية التي تعطي الأولوية للاستقرار الإقليمي.

بدأت ماكينة الضغوط

نورهان الشيخ: ثمة أدوات ستلجأ إليها إدارة بايدن لخلق حالة من الجدل

ألمح الكونغرس وإدارة بايدن بالفعل إلى النظام المصري بإمكانية فرض عقوبات وشروط على المساعدات الاقتصادية المرتبطة بمخاوف حول حقوق الإنسان.

وقالت أستاذه العلاقات الدولية بجامعة القاهرة نورهان الشيخ، إن “الولايات المتحدة بدأت بالفعل في إشهار أدواتها في ملف حقوق الإنسان من خلال الأحاديث المتواترة حول إمكانية تعليق المساعدات العسكرية، وتحريك عدد من المنظمات والهيئات الدولية ذات الصلة لإصدار إدانات ضد القاهرة”.

وأضافت لـ”العرب”، أن “هناك أدوات ربما تلجأ إليها إدارة بايدن وتتعلق بتوظيف الآلة الإعلامية لخلق حالة من الجدل بشأن مجمل الأوضاع في مصر بالتوازي مع التلويح باستخدام أدوات اقتصادية تستهدف إحداث المزيد من الضغوط”.

وأشارت إلى أن التحركات الأميركية لن يكون لها أثر فاعل في الداخل المصري، لأن أوضاع حقوق الإنسان في الغرب لم تعد كما كانت من قبل، وطريقة التعامل مع الاحتجاجات التي قادها مواطنون من أصول أفريقية، وتجاهل دول الاتحاد الأوروبي لبعض مواثيق حقوق الإنسان في تعاملاتها مع الاحتجاجات، والعمليات الإرهابية، خلال السنوات الأخيرة، عوامل تقلل من مصداقيتها.

وتعيد القاهرة النظر في ما إذا كانت بحاجة إلى الحفاظ على اعتمادها التاريخي الاقتصادي والأمني والدبلوماسي على واشنطن، وهل سوف تصل الأوضاع إلى مستوى قيام الولايات المتحدة بوقف مبيعاتها من الأسلحة ومساعدتها الاقتصادية لمصر. الأمر الذي يستبعده مراقبون لخصوصية العلاقة بين البلدين.

وتعد مصر من أكبر الدول التي تتلقى مساعدات أميركية في العالم، وبلغت تحويلات التمويل العسكري الأجنبية وصناديق الدعم الاقتصادي أكثر من مليار دولار سنويا، وتحالفت القاهرة مع واشنطن منذ فترة طويلة في عدد من الصراعات الإقليمية، وهي أقوى شريك غربي لها دبلوماسيا واقتصاديا، فضلا عن عقود من التعاون في مكافحة الإرهاب والتوسط في النزاعات الإقليمية.

وتأرجحت مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952 بين اعتمادها على الولايات المتحدة، كضامن شبه وحيد للأمن وداعم اقتصادي ومصدر للاستثمار، وعلاقاتها مع موسكو، ووصلت إلى مرحلة الآن تقيم فيها علاقات شبه متوازنة.

وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الإقليمية مع إسرائيل تحولا تاريخيا في ظل تطورات سياسية نوعية مع دول عربية عديدة، يعتبر اتفاق مصر مع إسرائيل نموذجا للحفاظ على التطبيع على المدى الطويل.

ويتعارض تركيز مصر على الاستقرار السياسي والاقتصادي على حساب الحريات الشخصية مع تركيز إدارة بايدن المتجدد على حقوق الإنسان. وهي الثغرة التي ربما تمثل منغّصا للعلاقة الأميركية مع القاهرة.

ويزيد من مخاطر فرض عقوبات ووضع شروط على المساعدات، أن هذه الخطوات يمكن تقوّض الاستقرار الاقتصادي المصري الراهن.

قلق شركاء مصر

 

يتعارض تركيز مصر على الاستقرار السياسي على حساب الحريات مع تركيز إدارة بايدن المتجدد على حقوق الإنسان وهي الثغرة التي ربما تمثل منغّصا للعلاقة الأميركية مع القاهرة

يعتقد مسؤولون كبار في الحزب الديمقراطي أنه خلال إدارة الرئيس عبدالفتاح السيسي وصلت حالات اختفاء العاملين في المنظمات غير الحكومية والصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان واعتقالهم إلى ذروتها في تاريخ البلاد الحديث.

ودرجت القاهرة على نفي هذه الاتهامات، والتشكيك في الأرقام المعلنة من قبل منظمات دولية، نافية وجود حالات اعتقال سياسي، وكل المعتقلين من المتهمين والمحكوم عليهم في قضايا عنف وإرهاب.

وتبرر الحكومة هذا الاتجاه بأنه جزء من جهودها للحفاظ على الاستقرار السياسي عبر إدارة المعارضة بإحكام، حيث أدى عدم الاستقرار الذي أعقب الربيع العربي وعودة العنف الجهادي في سيناء، والذي امتد أحيانا إلى الصحراء الغربية، إلى تركيز إدارة السيسي للقضاء على جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتطرفة، ما دفع القاهرة إلى ىربط قوى معارضة بالإخوان.

وتثير مثل هذه الإجراءات قلق شركاء مصر في الغرب، وقد وعدت إدارة بايدن بمراجعة العلاقات مع القاهرة مع التركيز على ملف الحريات وحقوق الإنسان.

وغرّد بايدن خلال الحملة الانتخابية في يوليو الماضي، “أنه لن يكون هناك المزيد من الصكوك البيضاء لدكتاتور ترامب المفضل”، في إشارة إلى الرئيس السيسي وتزايد حالات الاختفاء القسري واعتقالات نشطاء حقوق الإنسان.

ملف حقوق الإنسان والعلاقات مع إدارة بايدن يحظيان باهتمام النخب المصرية، وبعضهم يتوجس من مواجهة إدارة شرسة

وأوضح الديمقراطيون في الكونغرس في رسالة إلى السيسي، في أكتوبر الماضي، أن سلوك واشنطن سيخضع للمزيد من التدقيق ومبيعات الأسلحة والمساعدات الاقتصادية سيتم تقييمها مع وضع تصرفات مصر في الاعتبار.

واحتضنت إدارة ترامب، التي لم تتسامح مع الحركات الإسلامية السياسية، حملة القاهرة ضد الإخوان المسلمين بطريقة قد لا تفعلها إدارة بايدن، التي لا تمانع في التعامل مع الجماعة بزعم أنها “وجه معتدل”.

وتصطدم رؤى الديمقراطيين بتطورات إقصائية ضد تنظيمات إسلامية في أوروبا، بينها جماعة الإخوان، ما يقلل من فرص تكرار سيناريو تعاملهم خلال فترة رئاسة باراك أوباما السابقة، حيث احتضنت إدارته الجماعة وساعدتها في الوصول إلى السلطة في القاهرة.

ومع خروج مصر من فترة عدم الاستقرار الشديد بعد الربيع العربي، حولت جهود الوساطة نحو قضايا خارجية تؤثر على استقرارها مباشرة، مثل الطاقة في شرق المتوسط، وضمان الاستقرار في منطقة حوض النيل، والحفاظ على أمن الحدود الممتدة مع ليبيا والسودان، وتطويق أنصار الإخوان المسلمين مثل تركيا وقطر، ومحاولة مراقبة ووقف وصول التمويلات للجماعة.

وقد انخرطت مصر في سلسلة من التدريبات العسكرية خلال الأشهر الأخيرة مع شركاء إقليميين، ما يشير إلى رغبتها في إظهار استقلالها والإيحاء بأن لديها شبكة أمان دولية تساعدها على مقاومة أي ضغوط.

وتبقى مصر شريكا رئيسيا للولايات المتحدة ومتلقية لمساعداتها، لكنها تسعى أيضا إلى توثيق العلاقات مع شركاء مثل روسيا التي لا تضغط على مصر بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، وفرنسا التي وعدت بعدم تقييد مبيعات الأسلحة بحقوق الإنسان، وهي أكثر نشاطا في المسارح التي تهتم بها مصر.

ومع تبلور سياسات بايدن في الشرق الأوسط بمجرد توليه منصبه في العشرين من يناير المقبل سوف يصبح مستقبل مصر كشريك رئيسي في عمليات مكافحة الإرهاب والاستخبارات الإقليمية أكثر وضوحا، ولن ترغب إدارة بايدن في خسارة تعاون مصر المهم في مكافحة الإرهاب، لكن للحريات شأن آخر.

أخبار ذات صله