fbpx
معركة السعودية ضد الفساد تدخل منعطفا يكرس مبدأ القانون
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

في دليل على جدية مساعي تطويق ظاهرة الفساد وتفعيلا لما أكده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل ثلاث سنوات بأن “من يثبت عليه تورطه في قضيا فساد فسيحاسب، أيا كان”، أطلقت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) حملة جديدة من المرجح أن تشمل شخصيات عليا في الدولة لطالما كانت محصّنة ضد أي محاسبة أو مساءلة.

ويذهب معظم المراقبين إلى التأكيد على أن استكمال هذا المسار، بغض النظر عن كونه سيسهم في دعم الاقتصاد، ستكون له تداعيات إيجابية كثيرة بينها تكريس دولة القانون وحماية المال العام وتسريع وتيرة الإصلاح وتعزيز مبدأ الشفافية والدفع قُدما بتحقيق “رؤية المملكة 2030″، ورد الحقوق إلى أصحابها.

الحملة مستمرة

تظهر مواصلة تعامل السلطات السعودية مع هذه القضية المهمة في سياق برنامج الإصلاح الشامل تغيّرا في أسلوب عمل مؤسسات الدولة، لاسيما المكلّفة بمكافحة الفساد ومحاسبة المسؤولين عنه وتخلّصها من مظاهر البيروقراطية التي كانت سببا في بطئها وقلّة نجاعتها.

وتطمح السعودية إلى إنجاز أكبر عملية إصلاح في تاريخها المعاصر تطال مختلف الجوانب الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية، حيث تسعى إلى تنويع مصادر دخلها وتنمية ثروتها وإحكام طرق إدارتها واستثمارها في تنمية البلاد.

 

ديفيد رونديل: الفساد تراجع ولم يزل ولكنه أصبح أقل قبولا اجتماعيا

وبعد مصادرة مبالغ مالية نقدية كبيرة، كان بعضها مخبئا في أسقف زائفة وخزانات مياه، تثير الحملة الجديدة لمكافحة الفساد قلق شخصيات بارزة ومسؤولين في الدولة من أن تطالها، وسط ترجيحات من أنها سوف تحقق الهدف المطلوب، وهو تعطيل شبكاته الناشئة التي طالت أغلب القطاعات.

وشهدت الحملة التي أطلقت في العام 2017 توقيف مسؤولين عسكريين كبار بالإضافة إلى موظفين بيروقراطيين صغار، والعشرات من الأمراء ورجال الأعمال والسياسيين في فندق ريتز كارلتون بالعاصمة الرياض.

وعلى إثر جمع الأدلة ضد متورطين في قضايا فساد شملت أمراء ووزراء ومسؤولين رفيعي المستوى، جاءت الحملة ضد الفساد في أقوى قراراتها باعتقال 11 أميرا ووزراء ومدراء لشركات كبرى من بين الاتهامات الموجهة لهم غسل الأموال وتقديم رشاوى وابتزاز بعض المسؤولين واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية.

وأوردت التحقيقات التي نشرتها وسائل إعلام حكومية أن هيئة مكافحة الفساد الرسمية في البلاد قامت بضبط طالبي رشوة “متلبسين” في سلسلة مداهمات، وعثرت على مبالغ نقدية مخبأة في عليات أو خزنة تحت الأرض وحتى في مسجد.

ومن بين أبرز الأسماء التي تم إيقافها حينها، رجل الأعمال الأمير الوليد بن طلال والأمير تركي بن عبدالله، والأمير فهد بن عبدالله بن محمد، نائب وزير الدفاع وقائد البحرية السابق، والأمير متعب بن عبدالله، رئيس الحرس الوطني، الذي أُعفي من منصبه، وخلفه للحرس الأمير خالد بن عبدالعزيز بن عياف آل مقرن، المحسوب على الجيل الشاب.

وبعد أسابيع من احتجازهم، أطلق سراح الأمراء ورجال الأعمال بعد توصلهم لتسويات مالية، بينما قالت السلطات إنها استعادت أكثر من 107 مليارات دولار.

وفي تحول لافت غاصت الحملة على الفساد في أوساط صغار الموظفين، فقد أعلنت السلطات في نوفمبر العام الماضي عن إدانة عدد من المتهمين في قضايا فساد مالي وإداري، والتي اعتبرها المراقبون خطوة أخرى في مسار سيكون طويلا ومتشعّبا وأن تطال مسؤولين من مختلف المستويات.

ومع استمرار الحملة، التي أدت إلى العشرات من الاعتقالات خلال الأشهر الأخيرة وصادرت مبالغ مالية، فقد باتت تحظى بالثناء من السعوديين وخُصص رقم هاتفي مجاني من أجل الإبلاغ عن أي شبهات فساد.

وأكد مسؤول محلي رفض الكشف عن اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية أن “الرسالة التي يرسلها حكام السعودية للفاسدين هي لن تذهبوا إلى الريتز، بل ستذهبون إلى سجن حقيقي.. يتخوف كل من يتلقى رشى من أن يأتي عليه الدور”.

وللتأكيد على جدية الحملة، أعلنت نزاهة في أكتوبر الماضي اعتقال أحد موظفيها بسبب الفساد. وواجه البلد الخليجي، الذي يحتل المرتبة 51 من 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية، عقودا من الكسب غير المشروع وممارسة الواسطة أو المحسوبية.

مصادر جديدة للدخل

 

لا حصانة لأحد أمام حماية المال العام وتعزيز مبدأ الشفافية

تملك السعودية، من بين بلدان مجلس التعاون الخليجي، أقدم تقاليد لرسم أهداف اقتصادية طموحة تختزل في خطط خمسية. وكانت المملكة قد طبقت أول خطة تنموية خمسية في سنة 1970 وأنهت خطتها التاسعة في سنة 2014.

ومع ذلك تعتبر السعودية مقارنة بجيرانها متأخرة في تبني خطط أكبر حيث أعلنت كل من البحرين والإمارات وقطر عن خطط وطنية 2030 في عام 2008، وبعد عامين من ذلك أعلنت الكويت عن رؤيتها المستقبلية.

ويرجع بعض المحللين جزءا كبيرا من ذلك إلى خصوصية الوضع في السعودية وسيطرة نظرة خاصة فرضتها ظروف سياسية وإقليمية محددة تحولت لاحقا إلى سياسة تخدم أساسا رجال الدين وطبقة محددة من المسؤولين.

وعانت السعودية خلال عقود من استشراء ظاهرة الفساد نظرا لوجود عامليْن هما ثراء الدولة من جهة، ووجود العديد من الإخلالات في الأجهزة الإدارية والمؤسسات الرقابية من جهة أخرى، وهو ما بدأت السلطات بالعمل على تلافيه خلال السنوات الأخيرة.

ولكن الحملة الجديدة، التي تستهدف الجميع من مسؤولين كبار في مجال الدفاع وصولا إلى موظفين صغار في البلديات ومجالات الصحة والبيئة، تعطي رسالة قوية من أن ولي العهد الشاب يمضي قدما في سياسة الإصلاح حتى أن أحد المراقبين أكد أن الحملة تسعى للتأكيد أنه “لا يوجد سوى قيادة واحدة”.

ولإعطاء زخم أكبر للحملة، أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في ديسمبر الماضي أمرا ملكيا وافق فيه على الترتيبات التنظيمية والهيكلية المتصلة بمكافحة الفساد المالي والإداري، وذلك في خطوة جديدة باتجاه الرفع من كفاءة المؤسسات في الاستجابة للتوجّه الإصلاحي الشامل الذي تشهده البلاد والتصدّي لظاهرة الفساد حماية لموارد الدولة.

وكان الأمير محمد أبلغ مجلس الشورى الشهر الماضي أن حملة مكافحة الفساد أعادت 247 مليار ريال (66 مليار دولار) في الأعوام الثلاثة الماضية بالإضافة إلى استرجاع أصول وعقارات وأسهم بمليارات وغيرها.

ومع أن ثمة بعض التخمينات حول ما إذا كانت الحملة تهدف إلى إقصاء مسؤولين أمنيين لا يعتبرون مخلصين بما فيه الكفاية للحكام، فإنها ستساعد في المقابل على تعزيز خزائن الدولة وسط تراجع اقتصادي حاد، فقد أكد أكاديمي سعودي لم تكشف وكالة الصحافة الفرنسية عن هويته أن “الهدف الحقيقي ليس الفاسدين بل الغرامات ومصادر جديدة للدخل”.

الحملة أساسية من أجل توجيه الدولة الغنية بالنفط بعيدا عن ثقافة استمرت لعقود من الإسراف والمساءلة الضعيفة

ويذهب ديفيد رونديل، الذي شغل في السابق منصب رئيس البعثة في السفارة الأميركية في الرياض، إلى هذا الرأي حين يقول “أظن أن ثمة عددا قليلا من المعارضين السياسيين في شبكة الفساد والأسباب الرئيسية للحملة هي إنهاء الفساد وتحفيز التنمية وجمع الأموال”. وأضاف “يبدو أنها تنجح. يخبرني العديد من رجال الأعمال السعوديين أن الفساد تراجع ولم يزل تماما ولكنه تراجع وأصبح أقل قبولا اجتماعيا”.

ويقول مراقبون محليون إن الحملة أساسية من أجل توجيه الدولة الغنية بالنفط بعيدا عن ثقافة استمرت لعقود من الإسراف والمساءلة الضعيفة وهو ما لا تستطيع المملكة تحمله في عصر انخفاض أسعار النفط.

ولدى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سبب وجيه حول ما تقوم به السلطات ضد الفاسدين فقد أكد في خطاب أمام مجلس الشورى أن “سرطان الفساد المتفشي يشكل خطرا على التنمية والازدهار، وأصبح يستهلك 5 في المئة إلى 15 في المئة من ميزانية الدولة”.

أخبار ذات صله