fbpx
عدن . . . وأحفادُ الحمار الأول

د. عيدروس نصر

نشر الزميل الدكتور عبد العزيز صالح بن حبتور محافظ عدن الأسبق، ورئيس جامعتها السابق ورئيس وزراء الحالي للحكومة الحوثية في صنعاء مقالة مطولة بعنوان “عدن وظاهرة ازدياد أعداد الحمير” تباكى فيها على ما تعانيه عدن هذه الأيام من تردي في الخدمات وفوضى وغياب الأمن وانتشار الحمير في أحياء عدن، في كريتر والمعلا والتواهي والشيخ عثمان والمنصورة، وغير ذلك بعد أن أبدا أسفا على ماضي عدن في عهد الاستعمار الذي عاشت فيه الخدمات “ذروتها” ، ثم صارت بدرجة “جيد جداً” في عهد الحزب الاشتراكي “التوتاليتاري” (كما أسماه) و”ما فوق الجيد جداً” في عهد “الوحدة المباركة” كما أطلق عليها.

ولم ينس أخونا دولة رئيس الوزراء أن يورد مقولة الخالة رقية العدنية عاملة البوفية في كلية الاقتصاد والإدارة عدن، التي كانت ترددها دائماً “فين كان مخبى لك هذا يا عدن” لكنه لم يقل لنا هل كانت تقول هذا عندما كان طالبا في الكلية في مطلع الثمانينات؟ أم عندما صار أمينا للمكتبة في منتصف العقد  نفسه؟ أم بعد 1994م عند ما صار نائبا لرئيس الجامعة؟ أم عندما غدا رئيسا للجامعة ومحافظا لعدن؟

وقد حرص الدكتور بن حبتور أن يضمن رسالته مفردات مثل “دول العدوان” (السعودية والإمارات وأمريكا ولا أدري لماذا استثنى إسرائيل) و”الاحتلال الإماراتي” و”الاحتلال السعودي” وهي رسائل ليست لعدن وأهل عدن، ولا أظنها لدول التحالف ولا حتى للحكومة “الشرعية”، بقدر ما هي موجهة للسيد وأتباعه ومآربها معروفة.

زميلنا دولة رئيس الحكومة (الحوثية) عزل ظاهرة الحمير عن أي سياق تاريخي أو اقتصادي أو اجتماعي أو إنساني (معيشي) ، وصورها بأنها ظهرت فجأة وكأن تعويذةً شريرة دُسَّت لعدن خفيةً لتصحو على قوافل الحمير التي قال أنها تستورد من الضالع ولحج وأبين.

ومثل كل علماء الاقتصاد المتبحرين راح الدكتور حبتور يفصِّل أسباب ظاهرة الحمير من خلال أولا وثانيا . . ليصل إلى سابعاً، لكنه لم يتعرض في كل هذه التبويبات المطولة لأي سبب من الأسباب والخلفيات الحقيقية التي أوصلت المواطن، أن يستبدل حنفية الماء النقي الرخيص وشبه المجالني (في العهد التوتاليتاري) المعقم بمادة الكلور، والتي توقفت بعد (الكارثة المباركة) ، يستبدلها بالحمار (المبارك أيضا)، بل قفز على كل ما تعرضت له عدن منذ العام 1994م عندما دمرت البنية التحتية وضربت خزانات المياه ومحطات توليد الطاقة الكهربائية ومصفاة البترول ودمرت الخدمات الطبية والتعليمية لتستبدل بالطب التجاري وتعليم الغش والتغشيش، حتى صار لدينا أساتذة جامعيون لا يميزون بين المبتدأ والخبر ولا بين الفلز واللافلز ولا بين الربح المركب والربح البسيط، أو بين المتوالية العددية والمتوالية الهندسية، وما رافق ذلك من اجتياح واستباحة شاملة شرعنت لكل الظواهر الهمجية من النهب والسلب إلى فتح أسواق بيع السلاح، إلى السماح بالبناء العشوائي وتدفق الملايين من الوافدين المنتصرين الذين استباحوا المتنزهات والشواطئ والمصايد البحرية والمتنفسات والمعالم التاريخية والشوارع الفرعية وووصلوا إلى المساحات الفاصلة بين العمارات وحتى محطات سيارات الأجرة، وإزاء كل هذا سكتت السلطات الرسمية، المحلية والمركزية، التي لم  يكن زميلنا بعيدا عنها، بل كان جزءً أصيلا في تركيبتها، سكتت عن التوصيلات العشوائية للمياه والكهربا وتحميل محطات التموين والتزويد والتوليد بما يفوق طاقتها بعشرات المرات بعد أن جرى تعطيل مشروع مياه عدن-أبين والذي صُمِّم لتغطية حاجة عدن لمدة عشرات السنين ولو بلغ سكانها الملايين، جرى تعطيله لأسباب ما تزال مجهولة.

أعرف أن الزميل بن حبتور، يبعث رسالة أخرى إلى سلطات الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي ليقول لهم: “لقد كان حال عدن في عهدنا أفضل من حال عدن أيامكم”، لكنه حتى هنا لا يقارن سوى بين التعذيب بالكرباج والتعذيب بخلع الأظافر.

وفي حقيقة الأمر إنني لن أتولى الدفاع عن معسكر الرئيس هادي بل إنني قد أشاطره التساؤل عماذا قدمت الشرعية لعدن بعد أن أخذتها على طبق من فضة من أيدي المقاومين الجنوبيين الأبطال؟ وأعتقد أن الرئيس هادي وطاقمه، لديهم من يتحدث باسمهم ويفسر للناس لماذا وصلت عدن إلى ما وصلت إليه بعد ست سنوات على تحريرها؟ وما ذنب عدن وأهلها ليتلقوا هذا العذاب المهين على أيدي من استقبلوهم بالأحضان وحرروهم ممن جاؤوا لإعادتهم إلى بيت الطاعة في صنعاء؟

لكنني أعتقد أن الزميل حبتور يتذكر جيداً إنه وبعد عقدين مما جرى لعدن منذ العام 1994م، تعرضت المدينة التي يتغزل بجمالها في العام 2015م لحملة تدمير وقتل وسحق واستنزاف وتجريف لكل ما له صلة بالمدنية، بل والقضاء على القليل القليل مما أبقاه أساطين 1994م من بقايا معالم المدنية والتمدن، لتتحول عدن إلى خرابة كبيرة عشوائية بعد أن كانت مدينة تكتسحها المباني العشوائية المسكوت عنها على مدى ما يقارب ربع قرن، وكان زميلنا حينها محافظاً لعدن، وكان بإمكانه الصراخ في وجه غزاة 2015م ليقول لهم كفوا عن تدمير عدن، فلديها من خرائب تدمير 1994م ما يكفي، لكنه صمت عمن ألحقوا بعدن كل هذا الدمار، وعندما تجلت الأمور على تلك الخرابة الكبيرة تركها زميلنا واختار معسكر من خربوها وفاز بموقع رئيس الحكومة لديهم.

فلا تسأل يا صديقي من أين أتت الحمير فهي لم تولد فجأةً ولم تنبت من الفراغ، ولم تنشأ بفعل تعويذة شيطانية أو بسبب المؤامرة (السعودية الإماراتية الأمريكية الإسرائيلية) التي تضحكون بها على عقول المساكين في مناطق نفوذكم، بل إن جد الحمير الأول قد قدم ضيفا عليكم معززاً مكرما من قبلكم في العام 1994م، وهللتم له وكبرتم أمامه واستقبلتموه على الرحب والسعة، وما تبقى بعد ذلك ليس إلا تناسلاً لأبناء وأحفاد ذلك الحمار.

*    *     *

• أطرف ما في الأمر أن مقالة الدكتور حبتور يتناقلها أنصار الشرعية الجنوبيون بتباهي وإعجاب معتقدين أنها لا تعنيهم، بينما هي تعنيهم وحدهم دون سواهم، وشخصياً تلقيتها من أحد نواب البرلمان الذين يجمعون بين حبهم للرئيس هادي وحبهم للدكتور حبتور ومن وراءه الحوثي، وحبهم لبن معيلي كما للرئيس السابق علي عبد الله صالح .

• ذكرتني مقالة الزميل د. حبتور بتلك الطرفة التي يتداولها العامة عن معايرة بين أنثى الماعز (الشاة) وأنثى الضان (النعجة)، عند ما تهكمت الشاة على النعجة بأن مؤخرتها تبان للناس عندما تقفز، فردت عليها الضانة، بالقول:

ـ لا تلوميني على ما يحصل معي عندما أقفز، فمؤخرتك مكشوفة، سزاءٌ قفزتِ أم لم تقفزي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ