fbpx
مجلس الأمن والفشل في حل النزاعات الدولية والإقليمية.

 

علي عبدالله البجيري

تعالت الأصوات مجدداً للمطالبة بإصلاح منظومة مجلس الأمن الدولي. تلك المطالبة التي تاتي على خلفية إخفاقاته المتكررة في حفظ السلم والأمن الدوليين. فمنذ تأسيسه عام 1945م، لمس المجتمع الدولي بان آلية عمل المجلس لم تكن هي تلك القادرة على التدخل الحاسم في حل النزاعات وضمان احلال السلم والامن الدولي، هذا ان لم يكن هو قد أصبح احد عوامل تصعيد المواقف بين المتنازعين ومساهم مباشر في تعقيدها، لتتسع رقعة النزاعات والصراعات المسلحة في دول العالم.

إن المتتبع للشأن الدولي تستوقفه منذ الوهلة الأولى جملة التناقضات التي تطغى على مواقف مجلس الأمن الدولي من النزاعات والأزمات التالية :
اولاً: القضية الفلسطينية والظلم الذي حل بالشعب الفلسطيني جراء اغتصاب ارضه وطرده من وطنه.
ثانيا: تدخل الدول الكبرى في إشعال الحروب وتغذية النزاعات لخدمة مصالحها في كلا من سوريا والعراق وافغانستان وليبيا واليمن واخيرا في إثيوبيا وناغورني قرة باغ.
ثالثاً: سلبية المجلس في الحد من الصراع الاقتصادي، والذي يمكن له ان يتحول الى صراع عسكري بين الولايات المتحدة وحلفائها والصين الشعبية وحلفائها، الامر الذي بنذر بحرب عالمية ثالثة.

رابعاً: التوزيع الغير عادل لعضوية المجلس بين تكتلات دول العالم. ضف الى الجانب السلبي لحق استخدام الفيتو.
خامساً: عدم توافق ظروف الوقت الراهن مع وضعية مجلس الامن مقارنة بظروف إنشائه. مما يحتم على المجتمع الدولي بان يوجد وضعية تتناسب مع ظروف الوقت الراهن.

كل هذه الاوضاع وغيرها تعكس إخفاق مجلس الأمن في التعامل مع معظم المشكلات والنزاعات، بما يؤكد الحاجة الملحة لتحديث هيكلية وآلية مجلس الأمن وتطوير أدائه.
ويرى معظم زعماء العالم بينهم الرئيسان الصيني شي جين بينغ والفرنسي إيمانويل ماكرون، وأيضا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وحتى المراقبون أن مجلس الأمن الدولي، المؤسسة الأقوى والأكثر نفوذا، والتي تم إنشاؤها في أربعينات القرن الماضي، لم تعد مناسبة بشكلها الحالي في ظل المتغيرات الراهنة.

فإذا نظرنا إلى قرارات مجلس الأمن بوضعه الراهن، فهي مجرد حبراً على ورق ولم تخرج إلى حيز التنفيذ الفعلي بسبب كثرة استخدامات «الفيتو» وتضارب المصالح بين أعضائه الدائمين الذين يملكون هذا «الحق».

هذا ما دفع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً للمطالبة بتحديث الهيئات الدولية، معتبراً أن «مجلس الأمن لم يعد ينتج حلولاً مفيدة»، لغياب وضعف أطر التعاون وعرقلة بعض الأعضاء، مما حول بعض الهيئات إلى رهائن أزمة لتعددية المواقف وغياب العمل الجماعي مثل منظمة الصحة العالمية.
وفي سياق الاهتمام والمطالبة بالارتقاء بأعمال الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، استضاف مركز جنيف للدراسات السياسية والدبلوماسية وزير الخارجية المصري السابق السيد عمرو موسى. خلالها طرح عمرو موسى رؤيته بشأن التغييرات التي يجب أن تدخل على ميثاق الأمم المتحدة، وتشمل ادخال أربعة بنود أساسية للتعريف الخاص بالتهديد للأمن والسلم الدوليين وهي:
الاول الأوبئة، والثاني تغيير المناخ، والثالث الانفجار السكاني، والرابع صراع الحضارات.

وشدد موسى على ضرورة استثناء البند الأول والثاني من ” الفيتو “، نظرا لخطورة الأوبئة وتغير المناخ على الأمن والسلم الدوليين، ولا يوجد خلاف حول هذين البندين ولا يجب أن يكون هناك خلاف. بينما يبقى “الفيتو” ساري المفعول على البندين الثالث والرابع، وهما الانفجار السكاني وصراع الحضارات نظرا للخلافات الكبيرة فيما يتعلق بهما .

وأشار السيد عمرو موسى الى اهمية إجراء تعديلات، وأن تنص على إعادة صياغة «مقاصد الأمم المتحدة»، لتشمل في مقدمة أولوياتها شؤون الصحة العامة، إلى جانب شؤون الأمن الدولي والتنمية.
ما نراه أن مجلس الأمن قد اخفق في الارتقاء إلى مستوى التحديات، بسبب خلافات ومصالح الدول العظمى بهذا المعنى، يصبح إصلاح مجلس الأمن والهيئات التابعة للأمم المتحدة أكثر من ضرورة تمليها حاجة البشرية للاستقرار والسلم والأمن الدولي.
على هذه الخلفية فإن هناك إجماع دولي يطالب بإجراء إصلاحات في:
*: آلية استخدام حق الفيتو. فمجلس الأمن بوضعه الحالي لم يعد فاعلا ومؤثراً كما يجب، بوجود حق النقض الفيتو، الذي يرى فيه كثير من الساسة والمتخصصين في الشأن الدولي والعلاقات الدولية أنه لم يعد مجديا ويجب أن يحل محله نظام التصويت بالأغلبية حتى يعزز مكانة الدول الصغيرة، والدول الاكثر اسهاماً في دعم برامج الأمم المتحدة الاغاثية والإنسانية والحقوقية
*: إضفاء مزيد من الشفافية في عمل المجلس. فالمجلس بوضعه الحالي لم يخلق ليكون فوق الجميع، وهذا لن يحدث إلا بالحد من استخدام حق الفيتو.
*: تساوى الأعضاء في المجلس، بحيث تلغى العضوية الدائمة، لتحل بدلا عنها آلية التدول الديمقراطي للعضوية وفقا لمبداء المساوة بين الدول.
فبدون إجراء تطورات في هيكلية وآلية مجلس الأمن الدولي، سيظل السلم والأمن الدوليين عرضة للخطر.