fbpx
لماذا الانتخابات الامريكية الحدث الأبرز في العالم

كتب/ علي عبد الله البحيري

انشغلت شعوب العالم بمتابعة نتائج الانتخابات الأمريكية خلال الأيام الماضية، بينما لاتزال الأنظار مصوبة تجاه الأقوى دولة في العالم رغم ان ما يحدث هناك شأن داخلي؟!
شي طبيعي ان يترقب العالم نتائج الانتخابات الامركية ،فالقضية هنا مرتبطة بالدولة الاقوى في العالم عسكريا واقتصاديا ،ورئيسها له التأثير الكبير على كيفية استجابة العالم للأزمات الدولية، بدءاً من الحروب والأوبئة العالمية وتغير المناخ.
لكل ذلك شاهدنا حجم المتابعات السياسية والإعلامية غير المسبوقة وكيف كانت محط اهتمام دول العالم..قلق نابع من المصالح الاقتصادية والمواقف القادمة، وطبيعة التحالفات والقواعد وصراع المصالح وتبدل السياسات تجاه القضايا الساخنة “العالقة في إدراج البيت الابيض” وعلاقاتها بالدول ، والموقف من الاتفاق النووي مع ايران، والعلاقات الصينية الأمريكية، ومستقبل الدولار في التعاملات المالية الدولية.
صحيح أن الجميع يترقب مَن سيسكن في البيت الأبيض، الرئيس الحالي دونالد ترمب، أم منافسه المنتخب جون بايدن ،وهذا الترقب يوضح مكانة الدولة العظمى والاقوى، وتلك الأهمية تفسر معنى هذا المنصب وتأثيره على العالم ..نعم هناك ثوابت للسياسة الأمريكية راسخة ومعروفة، بينما الهامش الكبير الذي يعطى للخطب ولتصريحات المرشحين وقت الحملات إنما يمثل شعارات انتخابية، أما التوجه العام للسياسة الامريكية فترسمه مؤسسات ومراكز أبحاث ودراسات مسؤولة، بما يتفق والدستور وحماية المصالح العليا للبلاد .

من الخطأ الذهاب بعيداً في التقديرات والقول بأن” أمريكا قد دخلت مربعات ومنزلقات العالم الثالث “فالتداول السلمي للسلطة ليس مجرد قانون في أمريكا ، بل ثقافة وقناعة وممارسة يمتثلُ لها الجميع، بل إنها جزء من حياتهم ونظرتهم لاهمية تغيير الوجوه، مع استمرار استراتيجية ومحددات السياسة الخارجية والعلاقات والمصالح مع كل دول العالم .. فالقضية هنا هي اختلاف على الوسائل والآليات والتكتيك وترتيب الأولويات ليس إلا، بينما تبقى نظرة الحزبين للملفات الخارجية مرتبطة بحماية المصالح الحيوية لأميركا، وهنا علينا ان لا نقلل بطبيعة الحال من تأثير الرئيس المنتخب حينما يُسلط الأضواء على هذا الملف أو ذاك ، والفارق ان الحزبين الجمهوري والديمقراطي يختلفان في أساليب وطرق التنفيذ على النحو التالي:
اولاً: عرف عن الحزب الجمهوري انه يركز على القوة العسكرية من أجل الحفاظ على المصالح والنفوذ والقوة في كل.الملفات، من منطلق أمريكا اولا.
ثانيا: الديمقراطيون ينزعون إلى المثالية في تحقيق الأهداف، والمواثيق الدولية والاهتمام بقضايا البيئة والمناخ وحقوق الإنسان.
‏ثالثاً: الترامبية هي الجديد بين تكتيكات الحزبين ونظرتيهما للعلاقات الدولية والاتفاقيات الملزمة، فالترامبية، فلسفة وتفسير جديد أدت إلى شرخ كبير في المجتمع الامريكي، وأوجدت لها قاعده شعبوية غير عادية ،وصل تأثيرها وفلسفتها إلى عمق المجتمع الامريكي، وتميزت بتنفيذ الوعود الانتخابية خلال الحملة الأولى وهذا هو الجديد الذي حول شعارات وخطب الرئيس ” ترام إلى فلسفة سياسية ” سيظل لها تأثيرها وفعلها لزمن طويل جداً.

وفي شأن العلاقات الدولية تبرز لنا رؤيتين مختلفتين بشأن ما يجب أن يكون عليه ” العالم ” وفق فلسفة ورؤية المرشحين :
1- ان العالم وفقاً لدونالد ترامب هو “أمريكا اولا فوق كل الاعتبارات”، والتخلي عن الاتفاقات الدولية التي يعتقد أنها تمنح أمريكا صفقة غير عادلة. وهو عالم أحادي، مُربك قائم على المعاملات التجارية. هو أيضاً عالم شخصي، غير منتظم، تحدده مشاعره الغريزية وعلاقاته بالقادة، ويحركه موقع تويتر.
2- ان العالم وفقاً لجو بايدن يبدو في صورة أكثر تقليدية لدور أمريكا ومصالحها، وهو ما تأصل في المؤسسات الدولية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية، ويقوم على أساس القيم الغربية المشتركة. هو عالم التحالفات العالمية الذي تتزعم فيه أمريكا البلدان الحرة في مواجهة التهديدات العابرة للقارات.
وهذا يقودنا إلى أهمية التعرف على واقع العلاقات العربية الأمريكية في ظل الانتخابات والخلافات بين مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري..
كنا نتمنى أن يكون الموقف العربي موحد ولو في حده الأدنى، صحيح ان السياسة الترامبية شقت الصف العربي واخترقت المحرمات واسهمت بشكل قوي وفعال في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بما يخالف الثوابت العربية .
وبما أن الفأس قد وقع في الرأس، فالمتوقع أن تكون العلاقات العربية مع البيت الأبيض ايجابية وخاصةً بعد الإعلان عن فوز ” بيدن” فلا يعني ذلك أن تشهد العلاقات مع دول الخليج والمملكة تحديداً تحولاً سلبياً أو تدهوراً مفاجئاً، فنحن نتحدث هنا عن علاقات ومصالح إقتصادية وتجارية وأمنية ودفاعية ومصالح كبيرة متشابكة.
وعلى ذلك فتوقعاتنا السياسية ان العلاقات الخليجية الامريكية لن تخرج عن سابق عهدها وان السفينة لن تبحر بإتجاه المواني الروسية او الصينية، فالحقيقة تقول ان أميركا متحكمة ومسيطرة على المصالح الاقتصادية للمملكة ودول مجلس التعاون بالإضافة إلى خيوط وخطوط الفساد المالي للأسر الحاكمة ، ولكن ما سيحدث ان المملكة ودول الخليج ما عليهما إلا تقديم ما تبقى في صناديقهما السيادية لصالح الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة لصالح ازدهار الاقتصاد الامريكي أسوة بما قدم للرئيس ترام أثناء زيارته المملكة وهو مبلغ 600 مليار فقط من المملكة غير ما قدمته الدول الخليجية الاخرى ،ومع الوضع الجديد فالمبلغ سوف يتضاعف لمصلحة الاقتصاد الأمريكي .
إذاً المسألة ليست في بقاء ترامب رئيساً أو فوز بايدن بكرسي الرئاسة، بقدر ما أن المعيار يرتبط بمن يحقق مطالب ويخدم مصالح الولايات المتحدة وثوابت استراتيحيتها، وهذا هو الدرس المهم الذي ينبغي ان يعرفه ويتعلمه الحكام العرب وغيرهم ممن يتشبثون بالسلطة حتى اخر يوم في حياتهم.