fbpx
الشقيقة الكبرى إلى اين؟

كتب/ علي عبد الله البجيري
تشهد المملكة العربية السعودية تحولات جذرية، وجدت لها انعكاس في تلك القرارات الهامة التي رافقت مرحلة صعود نجم الأمير محمد بن سلمان، قرارات تثير قلق الأصدقاء والحلفاء أكثر مما تثير قلق الأعداء. فالأمير الشاب يسعى لتقديم وجه آخر للمملكة، مختلف تماما عم ألفه العالم، بشكل يتجاوز الصورة النمطية التي تختزل المملكة في “برميل النفط”. لذلك جاءت رؤية 2030 التي قُدمت للعالم في أبريل2016 في مسعى لإخراج المملكة من نفق التشدد إلى مواكبة العصر .
صحيح ان هذه الرؤية واجهت تحديات، منها تراجع في الميزانية العامة للدولة، بعد انهيار أسعار النفط، علاوة على حدوث عدد من الأزمات الداخلية والاقليمية، أبرزها التباينات في الأسرة الحاكمة واعتقال عدد من الأمراء، وحرب اليمن والازمة مع قطر، ضف الى الاخفاقات على مستوى الحرب اليمنية، والضغوط الأمريكية لتطبيع العلاقات مع اسرائيل.جملة تلك التحديات دفعت بالملك سلمان بن عبد العزيز بان يتخذ في اغسطس الماضي عدد من القرارات، كان ابرزها تنحية قائد قوات التحالف المشتركة في اليمن ” الفريق اول فهد بن تركي بن عبد العزيز آل سعود”.
وفيما إذا ربطنا تلك التحديات التي تواجه الرؤية الاستراتيجية 2030 فإن بعض من تلك القرارات هي بهدف تسوية الطريق للمضئ نحو تحقيق اهدافها. فعلى سبيل المثال فإن قرار تنحية قائد قوات التحالف المشتركة، هي رسالة لغيره من أصحاب النفوذ المتورطين في عمليات الفساد، لاسيما وأن قرار التنحية أشار وبوضوح إلى أنه اتخذ بناء على “ما تمّ رصده من تعاملات مالية مشبوهة في وزارة الدفاع ” وارتباط ذلك بعدد من الضباط والموظفين المدنيين وآخرين”. والسؤال الأهم هل لهذه الإقالة علاقة بالحرب الدائرة باليمن، وهل لها ايضا علاقة بالهزائم في جبهات الشرعية اليمنية؟ أم أنها في سياق خلافات الأحفاد.
المتابع للمشهد السياسي في المملكة يوقن إن هذه الإقالات لها علاقة مباشرة بترتيب الأوضاع في البيت السعودي. وهذا شي طبيعي لمرحلة ما بعد الملك سلمان وتهيئة الأجواء للانتقال السلس إلى عرش المملكة للأمير محمد بن سلمان .
وبصدده استأذن القارئ هنا أن أطرح في النقاط التالية بعض الملاحظات:
اولاً: إن صراع أحفاد الملك عبد العزيز لم يعد خافيا على أحد، فهو امتداد لصراع ابناء عبد العزيز. سعود، فيصل ،خالد، فهد،عبد الله، نائف، سلطان،.والذي تمحور في السيطرة والنفوذ والمال وهو ما أكدته نص ديباجة قرار الملك سلمان، بإقالة الأمير فهد بن تركي التي جاء فيها إنها بسبب “رصد تعاملات مالية مشبوهة في وزارة الدفاع ”
ثانياً: صحيح ان الحرب على اليمن كشفت عن وجود فساد داخل منظومة التحالف العربي لإعادة الشرعية اليمنية، وذلك من خلال شراء الأسلحة، والقوائم الوهمية للجيش اليمني،وشراء الولاءات القبيلة والمشيخية والعسكريةاليمنية، وهو مالم يجدي نفعا او يحدث تقدم في الجبهات، بل العكس تقدم المليشيات الحوثية ووصولها إلى تخوم محافظة مأرب وهي اخر معقل للشرعية شمالاً
ثالثاً: كانت القرارات الملكية قبل وصول الملك سلمان إلى سدت الحكم تراعي التوازنات والنفوذ والمصالح لأبناء المؤسس عبد العزيز ، فكانت وزارةالدفاع تتبع للامير سلطان وأولاده،ووزارة الداخلية تتبع للأمير نايف وأولاده، ووزارةالحرس الوطني تتبع للأمير عبدالله”وأولاده
رابعاً: لقد تميز عهد الملك سلمان بالمفاجآت، ونجح (الملك) سلمان وأبناءه في إقصاء العديد من الأمراء والوزراء الذين كانو حلفاء لملوك سابقين أو غير منسجمين مع ولي العهد محمد بن سلمان، وتم الاطاحه بقيادات من العيار الثقيل امثال الأمير احمد بن عبد العزيز الاصغر سناً من أبناء المؤسس الملك عبد العزيز وكان من المتوقع له أن يكون المرشح للخلافة من بعد اخيه سلمان، ثم الاطاحة بولي العهد مقرن بن عبد العزيز،ومن بعده ولي العهد محمد بن نائف،ومتعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني،واخيرا الامير فهد بن تركي قائد القوات الخاصة. تطورات ينظر إليها المحللون السياسيون، انها تمهد الطريق لتولي الأمير محمد بن سلمان لخلافة والده.
خامساً: ما لفت الأنظار ان هذه الإجراءات تزامنت مع صدور في أميركا كتاب “الدم والنفط Blood and Oil في الاول من سبتمبر 2020 للكاتبان في صحيفة وول ستريت جونرال، برادلي هوب، وجاستين تشيك. والكتاب يروي كيفية صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الحكم، إضافة إلى جوانب في شخصيته، وكيف يواجه معارضيه، وكثير من التفاصيل المذهلة، ليس المجال هنا لذكرها.
سادساً: ما نراه ان رياح تغيير عاتية تهب على صانع القرار في الرياض من كل حدب وصوب، وكان الكتاب الذي أصدره الكاتب الأميركي مايكل وولف (نار وغضب FIRE AND FURY) عام 2018 ، قد تحدث عن دور الرئيس دونالد ترمب في هندسة الانقلاب الداخلي الأبيض في المملكة العربية السعودية وتصعيد محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، حديث يشير بجلاء لخصوصية العلاقة التي تربط المملكة بالسياسة والمصالح الأمريكية، ضمن استراتيجية أمريكية جديدة تهدف لإعادة صياغة المشهد السياسي في المنطقة العربية، بدأً بصفقة القرن، وما تلاها من تحولات متسارعة وإقامة علاقات دبلوماسية بين أبوظبي، والبحرين وتل أبيب.والسماح لشركة العال الاسرائيلة بالمرور فوق الأجواء السعودية.
“وأنا هنا لست من الذين يعتقدون ويتصورون أن الحديث مع الإسرائيليين هو جريمة أو أن التفاوض معهم خطيئة، ولكن المطلوب هو مضمون ذلك الحديث ، وماذا حقق للقضية الفلسطينية، والامن القومي العربي”
سابعاً: لقد اوضحت جريدة” الرياض” بتاريخ 24 فبراير 2020م
أن هناك إنتاجًا سياسيًا ودبلوماسيًا متجددًا في المملكة، لإعادة إنتاج السياسة السعودية، ووصفته الصحيفة “انه إيمان متأصل بأن الدول الناجحة هي دول متحررة من التناقضات، وتعمل سياسياً بشكل منسجم مع معطيات واقعها ومحيطها الإقليمي والدولي”
ثامناً: إن ما يحدث في المملكة يؤثر على مجمل الاوضاع الاقليمية، وينعكس مباشر على التطورات الدولية، وصناعة القرارات الاممية، بما ينسجم وتأسيس النظام الدولي الجديد .
تاسعاً: لن أكرر المقولات التقليدية من أن المملكة امتداد استراتيجى لليمن، وأن اليمن امتداد استراتيجى للمملكة، فتلك حقيقة أكدها التاريخ وحكمتها الجغرافيا،وذلك هو منبع اهتمامنا بجارتنا وشقيقتنا الكبرى.
.اختتم مقالي بالقول : إن ما نكتبه عن المملكة يجب أن يقراء في سياق التطورات التي تشهدها الرياض، وأن لا يفهم منه اننا ضد الشقيقة الكبرى، وإنما تعبير عن وجهة نظر لما نراه من تحديات تواجه المملكة وشعبها الشقيق.