fbpx
لماذا تدفع تركيا وقطر نحو ثورة شعبية في مصر
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب

 ضاعفت تركيا وقطر من وتيرة تسخين الآلة الإعلامية والسياسية التي تستهدف مصر الأيام الماضية، للإيحاء بأن الأوضاع العامة غير مستقرة، وأن البلاد تواجه تحديات صعبة.

وفعّل البلدان عددا من أدوات تشجيع التظاهرات عبر أذرع ارتدت ثوب المعارضة في الخارج، لكن لم تجد دعوتيْ الأحد والجمعة الماضيين استجابة واضحة من المواطنين في الشوارع، وأخفقت عملية الضغط الشعبي مجددا.

وروجت مواقع التواصل الاجتماعي التي تدار من تركيا وقطر لمقاطع فيديو ادعت أنها لمواطنين خرجوا محتجين في شوارع مصرية مختلفة، مستخدمة وصف “جمعة الغضب” لاستدعاء يوم خرج فيه الملايين احتجاجا على نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك قبل تسع سنوات.

وانقطعت تقريبا دعوات التظاهر خلال الأشهر الماضية، بعد فشلها تماما، ولأسباب تتعلق بانتشار فايروس كورونا، وعادت مرة أخرى في ظل أجواء إقليمية مغايرة، أبرزها رسائل الغزل التي تبعث بها أنقرة للقاهرة.

ووجدت تركيا وقطر في استدعاء سيناريو احتجاجات 25 يناير 2011، وما صاحبها من مظاهر فوضى وتخريب، سبيلا لتعديل ميزان القوى مع القاهرة وإجبارها على الدخول في تسويات متكافئة.

ولم تقتصر المساعي على زعزعة المشهد الداخلي من خلال الدعوة للتظاهر، إنما اصطحبت معها هروبا فاشلا لسجناء ينتمون إلى تنظيمات تكفيرية من سجن طرة في جنوب القاهرة، قبل أيام، ليعطي ذلك انطباعا بأن سيناريو الهروب الكبير من السجون المصرية سابقا قابل للتكرار.

وفشل أربعة من المحكوم عليهم بالإعدام في الهروب من سجن طرة، وقتلوا جميعا بعد اشتباكات مع قوات الأمن، ما يؤكد أن مخطط الهروب وقفت خلفه دوافع تريد تصوير الموقف على أن ثمة فوضى تعم السجون.

ويعيد الموقف إلى الأذهان مشاهد نقلتها قناة الجزيرة وقتها محتفية بالهروب الكبير، وتقديمه كنصر سياسي للإخوان وهزيمة قاسية لنظام مبارك.

وتزامن الهجوم على العديد من السجون لتهريب أعضاء وأنصار جماعة الإخوان وفصائل تكفيرية ومتطرفة خلال أحداث 25 يناير 2011، مع فعاليات الحشد الجماهيري للتظاهر والاشتباك مع قوات الأمن، ما أدى في حينه إلى تشتيت جهود الشرطة، وإنهاك قواها وافتقادها السيطرة.

ويقول مراقبون، إن قوة جماعة الإخوان والداعمين لها قد خارت كثيرا ولن يستطيعوا تحريك الحشد الجماهيري لمستوى الثورة الشعبية أو انفجار احتجاجات قادرة على التأثير سلبا على نظام الحكم المصري.

وتستغل الجماعة المنابر التي تتوافر لها في تركيا وقطر في التركيز على بعض المشكلات الداخلية للعزف عليها لتكون مبررا للتظاهر.

ويضيف المراقبون، أن ما طرأ من تغييرات كبيرة على الساحتين المصرية والإقليمية يجعل مساعي استنساخ أحداث جرت قبل تسعة أعوام في ظروف وأوضاع مغايرة، من الصعب تكراره.

واستوعبت أجهزة الأمن المصرية التجربة، وتحرص على عدم ترك الأوضاع للصدفة، وتتخذ الاحتياطات اللازمة لسد المنافذ على محاولات الخروج إلى الشارع، ولو في إطار سلمي محدود، خوفا من القفز عليها، ولا تستهين بأي دعوات عبثية تخرج من أنقرة والدوحة.

ولذلك لم تقلل الحكومة من أهمية التعامل بصرامة مع دعوتي التظاهر يومي 20 و25 سبتمبر الجاري، مع أنها تدرك عدم الاستجابة الشعبية لهما، واتخذت إجراءات أمنية مشددة، ورفضت ترك الأمر للصدفة، فالدروس السابقة علمتها الحسم مع هذا النوع من الدعوات.

عُدت خطوة إلقاء السلطات المصرية القبض على أهم قيادات جماعة الإخوان، محمود عزت، بمثابة حرص استخباراتي مصري على تجريد جهاز المخابرات التركية من أوراق كانت مرشحة لاستخدامه في مساومة افتراضية مع القاهرة، بغرض كسب تنازلها أو على الأقل تحييدها في ملفات أخرى، في مقدمتها ملف غاز شرق المتوسط والملف الليبي.

 

أجهزة الأمن المصرية تتخذ الاحتياطات اللازمة وتحرص على عدم ترك الأوضاع للصدفة

واستبقت القاهرة الأحداث من خلال تجريد تنظيم الإخوان من أحد عناصره القوية، وبالتالي نزعها من يدي تركيا وقطر، وحرمانهما من أي قدرة للفعالية الحركية أو تنفيذ عمليات نوعية تمس الاستقرار والأمن في مصر.

نجحت الحكومة في تقويض دور الجماعة التي خططت أنقرة لاستثماره طويلا، وفككت الهيكل التنظيمي لها، والكثير من خلايا العنف بالداخل، كي لا تشهرها تركيا في وجه مصر للمساومة والمقايضة.

واحتل اصطناع الثورة في مصر مساحة من اهتمام المسؤولين في تركيا، ليس لتحويلها إلى واقع إنما لتعويضهم، إذا أفلحت في طريق المساومة على كبح الإخوان، مقابل الحصول على تنازلات لتحسين الموقف الإقليمي.

وأحرج النظام المصري أنقرة عندما رفض التجاوب مع الدعوات المتكررة للتنسيق الأمني معها، وجعل نظامها يشعر بأنه يفتقر إلى أدوات ضغط حقيقية، فالتدخل العسكري في ليبيا والتمدد في شرق البحر المتوسط لم يعد قضية مصرية فقط، بل ضد مصالح قوى إقليمية ودولية تتصدى لأنقرة.

ويبدو أن النظام التركي احتاج إلى ما يقوي به موقفه للضغط على مصر لقبول الجلوس والتفاوض معها، ومحاولة امتلاك أدوات قد تمكنه من عدم الاستسلام لتوازنات إقليمية باتت القاهرة جزءا مهما فيها.

بينما احتاجت الدوحة إلى تغذية التحريض على الثورة أملا في إرباك المشهد السياسي في مصر، وتعظيم ما تمتلكه من أوراق، إذا حانت لحظة الجلوس مع القاهرة والعواصم المتحالفة معها للتفاهم، ففي ظل مشهد إقليمي يتغير تدريجيا، صعودا أو هبوطا، تجد قطر معالم نبذها تتزايد.

ويعكس الاتجاه لتغذية فكرة الاحتجاجات وضخ الدماء فيها ولو بصورة مصطنعة رغبة البلدين في شغل مساحة من الفراغ السياسي تصب نتيجته في صالح القاهرة، فكل الجهود التي بذلت لم تأت بحصيلة إيجابية لأي من تركيا وقطر، وأكدت أن توجههما في دعم الإخوان لم يحقق المراد منه، ويجلب لهما خسائر عديدة.

ويشير متابعون، إلى أن الاستمرار في التحريض يجعل من فكرة المعارضة الرمزية حية في الداخل، بينما السكون يوحي بموتها وفقدانها البوصلة، وعدم الجدوى منها، بالتالي خطأ الخيارات التي راهنت على تغيير النظام.

وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب”، أن القاهرة واجهت إشارات أنقرة بسلبية متعمدة، ولم تغير ثوابتها في القضايا المشتركة، وردد مسؤولون فيها العبارات السلبية ذاتها في الوقت الذي كانت تصل إلى مسامعهم كلمات ناعمة، لأنهم على يقين أن رصيد تركيا يتراجع، والأوراق التي بحوزتها تتآكل وتفقد تأثيرها، ومن بينها ورقة الإخوان.

وتركز وسائل إعلام تابعة للحكومة المصرية على تحميل الإخوان وقطر تغذية العنف والتحريض على التظاهر أكثر من تركيا، ما جعلهما يرتابان في نوايا أنقرة، ويشكان في إمكانية عقدها صفقة مع القاهرة، وأن الثورة المصطنعة تحدث ضجيجا دون طحين سياسي لهما.

وسوم