fbpx
أرهب شعبه ورهن اقتصاده وقامر بالدين.. أردوغان من وراء ستار
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العين

يصدر فشله الداخلي إلى الخارج، ويدفع بنكساته إلى ما وراء حدوده، مفتعلا حروبا وأزمات يقولبها ضمن مفاهيم عائمة وزائفة تدور في فلك ادعاء مكافحة الإرهاب، أو حماية الدين، أو مواجهة مؤامرة خارجية.

ذاك هو الجزء المنقوص من صورة المشهد التركي الراهن الذي يرسمه الرئيس رجب طيب أردوغان بعناوين كاذبة يتخذها خندقا يدفن فيه مؤشرات اقتصاده المنهار، ومعدلات التضخم الصادمة، وانهيار العملة، ونضوب موارد الدولة، وغضب الشعب، وحزبه المحتضر بسبب نزيف الانشقاقات.

أداء حكومي فاشل أفرز أزمة اقتصادية داخلية دفعت نحو تداين خارجي عجزت أنقرة عن سداده، ما دفع بأردوغان للاستماتة بكل قوة لنهب ثروات سوريا والعراق وليبيا وشرق المتوسط، لتغرق البلاد بين اقتصاد مرهون، ومشهد سياسي مشحون، وفق رصد لـ “العين الإخبارية”.

مؤامرات.. من سوريا إلى شرق المتوسط

في كل مكان زاخر بالثروات الطبيعية، يفتعل أردوغان توترا، أو يؤجج فوضى سائدة بهدف خلق أرضية خصبة لنصب شراكه وفرض هيمنته عبر تدخل عسكري مباشر، أو إبرام اتفاقيات مجحفة تنتهك المعاهدات الدولية.

لكن أكثر استفزازاته التي فتحت صفحة جديدة من التوتر كانت توقيعه اتفاقية ترسيم الحدود مع ليبيا في البحر المتوسط، في خطوة شكلت انتهاكا صارخا لقانون البحار الدول، كون الاتفاقية حددا جزءا يتقاطع مع المناطق الاقتصادية لجزيرتي رودوس وكريت التابعتين لأثينا.

ولمنح أطماعه شرعية زائفة، غالبا ما يلجأ أردوغان إلى نظرية المؤامرة التي يختزل فيها جميع علل بلاده من انهيار الليرة إلى خسارة حزبه لأهم البلديات، مرورا بتبرير غزواته الخارجية.

يقفز على كل الحقائق والأسباب العلمية لأزمة بلاده، مدعيا أن “الجهات التي لم تستطع استنزاف تركيا في سوريا وليبيا لجأت إلى استخدام سلاح الاقتصاد بشكل متزايد”.

ففي كلمة ألقاها في يونيو حزيران الماضي، ركز أردوغان على ما سمّاه “محور الأعداء” الذي قال إنه وراء الأزمة المالية والاقتصادية الطاحنة ببلاده، متجاهلا جميع تحليلات الخبراء القائلة بأن سياساته هي ما يدفع بالاقتصاد المحلي نحو الهاوية.

وتابع: “لن نخلي الساحة لأي من قوى الشر، انطلاقا من منظمة غولن إلى بي كا كا (حزب العمال الكردستاني) ومن اللوبيات الأرمنية والرومية وصولا إلى محاور العداء التي مصدرها الخليج (…) ندرك جيدا المآرب الخبيثة وراء المكائد التي تستهدف اقتصادنا”.

تصريحات واتهامات لم تعد تثير الكثير من التعليقات، ومضامين ومبررات باتت باهتة من شدة تكرارها، فالمؤامرات الخارجية أضحت الجسر الأسرع للتنصل من الفشل، في حملة يقودها أردوغان مذ دخل الاقتصاد التركي حالة ركود، وتعرضت الليرة التركية لهزات عنيفة على وقع تدخله في سوريا وليبيا، وتأجيجه التوتر مع الأوروبيين في شرق المتوسط.

أفريقيا الناطقة بالفرنسية.. شيفرة ماكرون

وأمام الجهود الفرنسية لصد أطماع أردوغان بدأت أنقرة محاولاتها التوسع في غرب أفريقيا بمناطق عرفت تاريخيا بارتباطها العميق بباريس.

واختار أردوغان ميادين الفوضى التي يخلفها الإرهاب في الساحل الإفريقي كميدان يجيد العمل به فمن جهة توفر له صلاته بالتنظيمات الإرهابية فرصة مناسبة للتأثير الداخلي، فيما يسعى رجال أعماله لتطويق الاقتصاد المحلي واستنزافه لإحكام السيطرة عليه من جهة أخرى.

وكشفت سلسلة زيارات لدول القارة الأفريقية اهتمام أنقرة المفاجئ بالتمدد في غرب أفريقيا كان آخرها زيارة قام به وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو إلى مالي.

صحيفة “فاينانشيال أفريك” نشرت تقريراً عن دوافع زيارة وزير الخارجية التركي إلى مالي، مؤكدة أن أردوغان “يبحث عن نفوذ اقتصادي”، مشيرة في السياق إلى تكثيف المسؤولين الأتراك في الأشهر الأخيرة زياراتهم إلى الدول الأفريقية، مع تركيزهم على “الدول الناطقة بالفرنسية”.

وأعطت الصحيفة أبعاداً أخرى لسر الاهتمام التركي بمنطقة غرب أفريقيا بما فيها مالي، بينها “محاولة فك العزلة التي فرضتها عليها باريس ضد أطماعها في شرق المتوسط عقب نشر فرنسا قوات بحرية في المنطقة وإعلانها استعدادها مساعدة اليونان للوقوف في وجه الأطماع التركية، ما دفع أردوغان إلى التراجع دون أن يتخلى عن طموحاته”.

وأقرت الصحيفة المهتمة بالشؤون الأفريقية بحقيقة الأجندة التوسعية لنظام أردوغان، واصفة إياها بـ”الاستراتيجية الجيوسياسية والأيديولوجية التي تعكس رغبته في استعادة الإمبراطورية المتوهمة”.

وهو المخطط الذي قالت إنه “جمع بين إثارة المكون الديني” في إشارة إلى تنظيم الإخوان الإرهابي وتحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، وأطماعه في ثروات ليبيا بهدف الوصول إلى منافذ أفريقية.

 

الإرهاب.. شماعة لتصفية المعارضين

المعارض التركي حسين ل.، اعتبر أنه كلما أراد أردوغان ركوب القطار السريع نحو أي استحقاق انتخابي، فإنه يحاول تصدير أزماته الداخلية والتغطية عليها باللجوء إلى ذريعة محاربة الإرهاب وحماية حدود البلاد.

وفي حديث لـ “العين الإخبارية”، قال المعارض، مكتفيا باسمه الأول خشية اعتقاله، “لم يكن أبدا الإرهاب هو المستهدف من غزوات أردوغان الخارجية أو حملاته الداخلية ضد الأكراد على سبيل المثال أو كل من ينتقده أو يخالفه الرأي”.

وتابع موضحا: “هدف أردوغان الرئيسي هو اجتثاث المعارضة وتكميم الأفواه بهدف تحويل مكونات السياسي إلى كتلة مؤيدة له ومطيعة بشكل أعمى، ومحاربة الإرهاب لم تكن سوى الجسر الذي ضحك به على الشعب لتبرير انتهاكاته لسيادة دول أخرى مثل سوريا والعراق وليبيا وغيرها”.

وبالنسبة للمعارض التركي الهارب من بطش أردوغان، فإن بلاده تعيش واحدة من أصعب فتراتها، حيث تحولت إلى ما يشبه المملكة التي يحكمها دكتاتور مسكون بهاجس أن يصبح إمبراطورا يمسك بزمام العالم.

واعتبر أن أردوغان يحاول، من خلال الحرب الوهمية، البقاء في السلطة بطرق ملتوية، وتصدير أزماته الداخلية إلى الخارج عبر التدخل العسكري في المنطقة العربية وذلك لتحقيق هدفين، الأول خدمة أطماعه ومشروعاته التوسعية المشبوهة، والثاني إلهاء شعبه عن الأزمات الداخلية الطاحنة.

الدين

يعول أردوغان كثيرا على التسويق لنفسه على أنه زعيم إسلامي، ويدعي المحاربة من أجل الدين، في بروباجندا (دعاية) باتت مفضوحة الأهداف لتبرير أطماعه التوسعية بالعالم العربي.

عباءة بدت على غير مقاس رجل يقدم نفسه زعيما إسلاميا بمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، لكنه في الآن نفسه مكبل بعبء اتفاقيات التعاون التي أبرمها مع واشنطن وتل أبيب، ونظرات الريبة التي يرمقه بها شعبه ومحيطه الدولي.

فـ”الزعيم الإسلامي” الذي يتاجر في الدين مقابل استعطاف الأتراك الذين يمثل المسلمون غالبيتهم واستدرار القبول من مسلمي العالم، يقيم علاقات واسعة معلنة وغير معلنة مع إسرائيل، بل إن تركيا تعتبر أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل في عام 1949..

تجارة خاسرة كشفت أن “الحرب ضد الإسلام” التي لطالما اتخذها ذريعة لانتهاك سيادة الدول وإطلاق تصريحات غير مسؤولة وإقامة علاقات مع المنظمات المتطرفة، بل يرعاها بالتمويل والتجنيد، لم تكن سوى اليافطة التي دون عليها مفاهيم خاطئة من أجل بسط النفوذ، أو ما أسماه الكاتب الصحفي والباحث المصري سعيد شعيب “إسلام أردوغان”.

وفي كتاب صادر حديثا، قدم شعيب تحليلا مستفيضا للعلاقة بين أردوغان والإخوان وكيف تم تطويع الدين من أجل بسط النفوذ والسيطرة، في محاولة لبعث الدولة العثمانية من جديد، بمفهوم استعماري عفا عليه الزمن.

من جانبه، رأى كريستيان براكل، رئيس فرع مؤسسة “هاينريش بول” في تركيا، أن أردوغان يقدم نفسه في بعض الأحيان “منقذا للمسلمين”، مشيرا إلى أن هذا الأمر يكون أكثر سهولة حين يتعلق بالقدس، المدينة التي تحظى بمكانة خاصة في قلوب الكثير من المسلمين.

فيما يعتبر الكاتب سوراج شارما، في قراءة لإعلام ناطق بالعربية، أن الدفاع عن القضايا الإسلامية يتوافق مع رغبة الرئيس التركي بعودة مجد الإمبراطورية العثمانية، مستفيدا من “إعجاب العالم الإسلامي بمن يتحدث باسمه حتى لو لم يقم بأي أفعال واضحة”.

الاقتصاد رهين الأطماع

خطط أردوغان التوسعية تنبع في معظمها من سعيه للتغطية على فشله الداخلي عبر تصديره، حيث تسير عمليات اختلاقه للفوضى الخارجية جنبا إلى جنب مع تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية المحلية جراء إخفاقات منظومة حزب العدالة والتنمية في إدارة السياسات النقدية والمالية والمعيشية.

ومع كل انتكاسة نقدية أو مالية أو اقتصادية أو استثمارية في تركيا، تطفو على السطح أزمات خارجية يقودها أردوغان وماكينته الإعلامية بدءا من سوريا وصولا إلى الصومال مرورا بالعراق وليبيا وغيرها، في محاولة للتغطية على الفشل المحلي.

ورغم محاولاته المستميتة لتقديم تبريرات واهية، لكن أردوغان لم ينجح في إخفاء دلالات أرقام ومؤشرات تشي جميعها بأنه رهن الاقتصاد التركي خدمة لمزاجه وهوسه.

وتستعرض “العين الإخبارية”، أبرز عناوين الفشل داخل الاقتصاد التركي خلال الفترة الماضية، وما رافقها من محاولات تغطية عليها، كإحدى أدوات الإلهاء الشعبي، للحفاظ على ما تبقى من مؤيدين حزب آيل للسقوط.

هبوط العملة

دخلت الليرة التركية مرحلة هبوط منذ 2017 ومنذ منذ بداية النصف الثاني من العام، حين كان سعر صرف الدولار يعادل 3.5 ليرة، ثم أنهى ذات العام عند 3.75 ليرة لكل دولار واحد.

وترافق استمرار هبوط العملة المحلية، نتيجة ظهور بوادر أزمة شح نقد أجنبية في السوق المحلية، مع ارتفاع التضخم (أسعار المستهلك) فوق 7 % وسط تعثر مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، فلم يجد أردوغان سوى العبث بعلاقات بلاده مع الولايات المتحدة.

ومطلع أغسطس/آب 2018، أعلنت تركيا اعتقال قس أمريكي بتهمة التجسس، لتكون أولى ردود الفعل الأمريكية تهديد من الرئيس دونالد ترامب بإرباك الاقتصاد التركي.

وعقب دقائق من تصريحات ترامب، تراجعت الليرة التركي إلى مستوى تاريخي غير مسبوق في ذلك الوقت، إلى متوسط 6.9 ليرات ثم إلى 7.24 ليرة للدولار الواحد.

وأمام إصرار أردوغان على تقديم القس الأمريكي للمحاكمة، رغم عدم توفر أدلة كافية، تدهورت الثقة في الليرة التركية، رافقها قيام مواطنين أتراك بتحويل مدخراتهم من الليرة إلى الدولار، نتيجة ارتفاع حاد في الطلب على الدولار رافقه ارتفاع في معروض الليرة.

ولم يستجب الأتراك لطلب أردوغان من مواطني بلاده بيع النقد الأجنبي والذهب واستبدالهما بالليرة لحماية العملة المحلية، ما دفعه في أكتوبر/تشرين الأول 2018 إلى الإفراج عن القس ومغادرته أنقرة، بينما لم تبارح أزمة النقد البلاد حتى اليوم.

واليوم، يبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي 7.45 تركية ليرة، أمام عجز من الحكومة والبنك المركزي عن استعادة الثقة بالعملة المحلية.

 

وسوم