fbpx
المجلس الانتقالي الجنوبي والعمل مع الكوادر

كتب – د. عبده يحيى الدباني
القصور في  التعامل مع الكوادر والكفاءات  مشكلة عانينا منها كثيرا في جنوبنا الحبيب ، سواء في مرحلة ما قبل الوحدة المغتالة ، أو في مرحلة الحراك السلمي ونجدها  تتخلل عمل المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم.
كيفية العمل مع الكوادر والكفاءات.
أتذكر أن هناك كتابا صغيرا يحمل عنوان”العمل مع الكوادر”وهو للرئيس سالم ربيع علي رحمه الله تعالى وطيب ثراه  ،أظنه كان محاضرة ثم طُبِع كتابا صغيرا . للأسف لم أعد أتذكر محتوى الكتاب،  ولعلي لم أقرأه بحكم سني حينذاك وعدم اهتمامي بالموضوع  ، ولكن الرئيس سالمين تطرق إلى العمل مع الكوادر في تلك المرحلة، وكوادر الجنوب في ذلك الوقت قليلون،فكانت المرحلة مرحلة تأسيس دولة مستقلة كاملة السيادة،ومما لا شك فيه أنه ركز على الجانب الوطني وجانب الكفاءة المهنية ، ولكنها تشكل لفتة طيبة من قبل الرئيس سالمين رحمه الله إذ تطرق إلى  هذه القضية وتحول كلامه إلى  كتاب منشور.
مع ملاحظة أن تلك المرحلة قد اشتطت وبالغت في استبعاد الكوادر والكفاءات التي تربت وتاهلت في ظل الاحتلال الانجليزي للجنوب  .
وضعنا اليوم في الجنوب مختلف فلا نحن دولة مستقلة ولا نحن في مرحلة بداية الثورة ، فالثورة مستمرة  ،ولم تصل  بعد إلى الهدف المتمثل باستعادة دولة الجنوب  كاملة السيادة ، ولكننا حققنا أمورا كثيرة،فقد صار لدينا قوة عسكرية لا يستهان بها، وصار لدينا قيادة سياسية،وصرنا في هذه المرحلة نبني مؤسسات الدولة السياسية وغير  السياسية،وهي مرحلة مهمة ويجب أن لا نقفز عليها،ولا نتعامل معها بآليات المرحلة السابقة  اي مرحلة الحراك السلمي،ولا نتعامل معها على أننا صرنا دولة مستقلة كاملة السيادة .
إذن كيف للمجلس الانتقالي الجنوبي أن يتعامل مع الكوادر ،كوادر الجنوب وما أكثرهم في هذه المرحلة.
أولا  من ناحية الاستيعاب السياسي للكوادر فعلى المجلس أن يستوعب تلك الكوادر والكفاءات سياسيا،تلك الكفاءات التي تؤمن بالقضية الجنوبية وبحق شعب الجنوب في التحرير والاستقلال وبناء دولته المستقلة.
هؤلاء الكوادر  في مختلف مجالات تخصصاتهم ومن حيث كانوا في الجنوب ينبغي استيعابهم سياسيا بكل الطرق والوسائل في هيئات الانتقالي وقيادة المحافظات والمديريات وفي دوائر المجلس وتشكيلاته  المختلفة ، والشرط في هذه الحالة هو الولاء للجنوب وقضيته العادلة.
المسألة الأخرى الاستيعاب المؤسسي الإداري  للكوادر والكفاءات،فنحن نجد الكثيرين يشكون ويتظلمون ، لأن المجلس الانتقالي لم يستوعبهم.
نحن نعلم جيدا أن المجلس لم يكن دولة ليستوعب كل الكفاءات والكوادر الجنوبية،هو لديه مؤسسات قليلة ومتواضعة، أما فيما يخص الإدارة الذاتية فهي تعمل بالكوادر الموجودة التي عينتهم الشرعية من باب حسن الظن في هؤلاء على أن يكون ولاؤهم للجنوب وإدارته الذاتية ،  مع أن بعضهم يخضعون للإدارة الذاتية وبعضهم لا يخضعون لها.
الإدارة الذاتية للجنوب لديها لجان للإشراف والمتابعة والرقابة هذه اللجان انبثقت من لدن الإدارة الذاتية
لهذا يجب حسن اختيار هذه اللجان،  وضبط صلاحياتها.
مع هذا فالانتقالي ملزم أن يستوعب في مؤسساته المتواضعة أفضل الكفاءات والكوادر لأننا نلاحظ أحيانا سوء اختيار من قبل قيادة الانتقالي فيجب عليه مراعاة اختيار الكوادر والكفاءات التي ستدير تلك المؤسسات . صحيح أن لديه شرط الوطنية والولاء للقضية لكن كذلك يجب  أن يركز على الكفاءة إضافة إلى الوطنية والإخلاص للقضية .
قال الله عز وجل  على لسان ابنة شعيب تخاطب اباها  “إن خير من استأجرت القوي الأمين”-
القوة هنا بمعنى الكفاءة والقدرة، والأمانة هنا تعني الصدق والإخلاص
وشرط الولاء للقضية.
فالانتقالي لديه هذه المؤسسات القليلة وهي بداية المشوار سواء في ما يخص الإدارة الذاتية أو الأمانة العامة للمجلس أو الجمعية الوطنية أو الإدارات الأخرى في المحافظات فأمامه  جيش كبير من الكوادر وعليه أن يختار اكفأها  واخلصها وانزهها  وأن لا يترك المسألة للمزاج  أو للوساطة والمحسوبية.
هناك جانب آخر في عمل الانتقالي، فهو لديه مؤسسة أمنية ومؤسسة عسكرية وهو بحاجة إلى كوادر كُفْأَة ومخلصة وأمامه مسؤولية حسن الاختيار في هذا الجانب،لذلك نجد كثيرين يشكون. هناك  أمنيون محترفون، وعسكريون محترفون، وهم ضباط سابقون ، يشكون من الإقصاء ومن التهميش، لأن الانتقالي لم يستطع أن يستوعب الجميع ولن يستطيع ذلك في الوقت الراهن ،لكن مع هذا عليه أن يستوعب العدد الأكبر من هؤلاء الجديرين القادرين المخلصين للجنوب وقضيته ،
  لأن الجانب الأمني والعسكري صار بيد المجلس الانتقالي ولديه إمكانياته في ذلك ،مع ذلك نجد الكثيرين من كوادر الأمن والجيش يشكون من الإقصاء والتهميش كما أسلفنا سابقا ، لذلك ينبغي أن يلتفت المجلس إليهم، وينظر إليهم بعين المسؤولية الوطنية.
كذلك في جانب الأمن والجيش هناك قيادات تعمل تحت إطار الشرعية على مضض بحكم الوظيفة ولكنها تريد أن تعمل مع المجلس الانتقالي
وتخدم الجنوب،  فيجب على المجلس الانتقالي أن يستوعب هؤلاء الذين يريدون العمل معه والالتحاق بركبه ،فهذا فيه نصران للمجلس ،عسكري وسياسي.
أؤكد مجددا على أهمية حسن اختيار المجلس الانتقالي لمن يشغلون هيئاته ويديرون دوائره وإداراته وقياداته المحلية على مستوى القيادة العلياء للمجلس وقيادة المحافظات والمديريات ، لكون المسألة ليست مسألة أعداد ، ولكون إساءة الاختيار سينعكس سلبا على عمل وأداء المجلس الانتقالي.
فلا ننكر ان المحسوبيات والاحراجات تحصل أحيانا فنحن الجنوبيون عندنا
مشكلة ملموسة،  فعندما نصل إلى استحقاق معين لا يذكر كل منا إلا نفسه بينما هناك من هو أفضل منه وأجدر واحق ،فينبغي علينا أن نتعامل بالإيثار وليس بالاستئثار ، ونترك كل عمل للكادر المناسب له.
فالرئيس عيدروس الزبيدي حفظه الله وسدد خطاه يعاني من تهافت البعض على المناصب والوظائف وغيرها. ففي أحد لقاءاتنا به حينما  كنا بصدد ذكر تشكيل  مؤسسات  مدنية جنوبية وغير ذلك  ، قال معلقا :   سوف يأتون إلَي وكل منهم يريد أن يكون رئيسا لهذه المؤسسة أو الجمعية. هناك مشكلة فعلا ..
يجب أن تنشأ وتسود  ثقافة الشخص المناسب في المكان المناسب. فالمسألة ليست مسألة استئثار فهذا سيضر وطننا وسيشوه بنضالنا وسيعرض لُحمتنا الجنوبية للخطر.
فعندما تجد أحدهم يشكو ويقول أنا كفؤ  ومناضل ومجرب ولكنهم جاءوا لنا بشخص ليس له بالنضال وليس له بالكفاءة . إن مثل هذا  يسبب إحباطا للناس بل يجعل من بعضهم ينتقل إلى الطرف الآخر المعادي للقضية فالناس ليسوا على درجة واحدة من التحمل والصبر، في ظل تربص الأعداء بنا.
وفي الختام أذكِّر المجلس الانتقالي بأهم ما ينبغي عليه القيام به  في هذه المرحلة الحساسة
والمتمثل في:
١-الاهتمام بالكادر الجنوبي بشكل وطني،وفق التخصصات والمؤهلات والقدرات.
٢-إعادة تأهيل الكادر، وهذه خطوة مهمة، بالنظر إلى ما تعرضت له عملية التعليم والتدريب والتأهيل من سلبيات خلال مرحلة الاحتلال  أو حتى قبل ذلك.
٣-إعادة تقييم الأجور والمرتبات وإعادة النظر في مرتبات المتقاعدين فهناك ظلم كبير حدث بالنسبة لهذه الفئة.
واخيرا لا ننسى أن الشباب يمثلون عصب المرحلة وعمادها  لأنهم الأكثر قدرة على العمل والعطاء والجلد والإبداع والحركة ولكن شبابنا بحاجة إلى تأهيل كلا في مجاله،   واعطاؤهم الفرصة لممارسة دورهم التاريخي والطبيعي  ، مع حسن الإشراف والتوجيه والمراقبة والتقويم.
( …ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ  لنا من أمرنا رشدا )
د عبده يحيى الدباني.