fbpx
25 عاما على انقلاب حمد على والده: مشروع هدفه الفوضى الخلاقة
شارك الخبر
25 عاما على انقلاب حمد على والده: مشروع هدفه الفوضى الخلاقة

 

يافع نيوز ـ العرب

قبل 25 عاما، وفي مثل هذا اليوم كان أمير قطر آنذاك الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني قد اختتم زيارة رسمية إلى تونس واتجه لقضاء فترة من الراحة في سويسرا، لكن بقاءه خارج بلاده قد طال، فنجله المتمرّد الشيخ حمد بن خليفة انقلب عليه، وسيطر على مقاليد الحكم في بلاده، بأسلوب فيه الكثير من المكر، ودخل بالإمارة الصغيرة على ضفاف الخليج العربي مرحلة جديدة أساسها الانقلاب على سياسات الأب المخلوع، وتحويل الدوحة إلى مركز تنفيذ المؤامرات الخارجية على المنطقة ضمن مخطط يهدف إلى نشر الفوضى الخلاقة عبر جملة من الأدوات من بينها المال والإعلام والإخوان والإرهاب المسلح والتطبيع مع إسرائيل.

في يوم الاثنين 26 يونيو 1995، رنّ الهاتف في مكتب سفير فرنسا بالدوحة هنري دونيو الذي سمع صوتاً يخاطبه ”تعالَ حالا للديوان، لدينا رسالة هامة نريد إبلاغك إيّاها”.

ساعات بعد ذلك، وجد الممثل الدبلوماسي الفرنسي نفسه برفقة نظيريه الأميركي والبريطاني في حوار مغلق مع وزير الخارجية حمد بن جاسم، الذي أبلغهم أن ولي العهد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني سيتولى زمام الحكم في الغد. وطلب منهم إخبار قادة بلدانهم بالأمر. ولدى عودته، أرسل السفير الفرنسي إلى باريس برقية تخبر حكومته بالانقلاب الذي سيقوم به الابن الطموح ذو الثلاثة وأربعين عاما.

كان حمد بن جاسم الذي عينه الأمير المخلوع وزيرا للخارجية في العام 1992، قد اتصل بلبنانيّ له صلة قوية باللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة لكسب الاعتراف. لكن بيل كلينتون اشترط مقابل ذلك اعتراف الإمارة الصغيرة بدولة إسرائيل. الأمر الذي سيتحقق بعد أشهر قليلة بفتح مركز تجاري للدولة العبرية بالدوحة.

ثم في 27 يونيو 2015، قالت وسائل الإعلام الرسمية إن ولي العهد الذي تولى منصب وزير الدفاع منذ عام 1977، أصبح أميرا، وتلقى “دعمًا وولاء للعائلة الأميرية وشعب قطر”، وكررت الإذاعة التي أعلنت عن الانقلاب الساعة 6:45 صباحا بالتوقيت المحلي نفس الرسالة بين الأغاني الوطنية حتى بث خطاب الأمير الجديد. وقال إنه أجبر على تولي السلطة بسبب “الظروف الصعبة التي يعرفها الجميع”. ولم يقدم أي تفسير آخر.

توظيف الإعلام

لم يكن ذلك الانقلاب غريبا عن بلد بنيت أعمدة الحكم فيه على الانقلابات، فالأمير المخلوع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني جاء هو نفسه إلى السلطة عام 1972 عن طريق طرد ابن عمه من العرش أثناء وجوده في إيران، وعندما علم بالإطاحة به، وصفه بـ”المغتصب” و”الجاهل”، وأقسم أنه سيعيد عرشه “بكل الوسائل”.

لم يكن الانقلاب الذي قاده الشيخ حمد بن خليفة على والده قبل ربع قرن، بعيدا عن التحولات التي كانت المنطقة تعيش على وقعها بعد حرب الخليج الثانية، فقد شهد العام 1995 اغتيال إسحاق رابين رئيس وزراء الكيان الصهيوني من قبل متطرفين يهود، وتم العمل دوليا على الاستفادة من الحدث بالترويج لفكرة التطبيع بين إسرائيل ومحيطها العربي، خصوصا بعد اتفاقية أوسلو التي تم إمضاؤها في 13 سبتمبر 1993، وكان على قطر أن تقوم بدور رئيس يشرف عليه مهندس التطبيع المباشر حمد بن جاسم، ونظرا للدور المهم للإعلام في بلورة الرأي العام تم إنشاء قناة “الجزيرة”.

وكشف كتاب “قطر هذا الصديق الذي يريد بنا شرّا” للصحافيين الفرنسيين نيكولا بو وجاك ماري بورجيه عن كواليس إنشاء قناة الجزيرة القطرية، والأهداف الغامضة لتلك القناة التي أثارت جدلاً واسعاً في الوطن العربي، مشيرين إلى أنهما أجريا تحقيقات عميقة ومفصلة لكشف خبايا الصفقات الدولية التي عقدتها قطر، والعلاقات السرية بين أميرها الشيخ حمد بن خليفة ويوسف القرضاوي المقيم بالدوحة وتفاصيل علاقتهما بإسرائيل وأميركا..

وقال الكتاب إنه “خلافاً للشائع، فإن فكرة إطلاق قناة الجزيرة لم تكن من بنات أفكار الشيخ حمد بن خليفة، ولكنها نتيجة طبيعية لاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في العام 1995، فغداة الاغتيال قرر الأخوان ديفيد وجان فريدمان، وهما يهوديان فرنسيان، عمل كل ما في وسعهما لإقامة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهكذا اتصلا بأصدقائهما من الأميركيين الأعضاء في ايباك (أي لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية) الذين ساعدوا أمير قطر في الانقلاب على والده لإقناع هذا الأخير بالأمر. وبالفعل وجد الشيخ حمد بن خليفة الفكرة مثالية تخدم عرابيه من جهة وتفتح أبواب العالم العربي لإسرائيل من جهة ثانية”.

ويقول الكاتبان إن الأمير أخذ الفكرة من اليهودييْن وأبعدهما بعد أن اتهمته الرياض بالتأسيس لقناة على علاقة بإسرائيل، واتجه لتعيين الليبي محمود جبريل مستشاراً للمشروع، وتم الاعتماد على كوادر قناة “بي.بي.سي” العربية التي كانت قد تأسست بتمويلات مشتركة مع الرياض، قبل أن ينسحب منها الجانب السعودي بسبب خلافات حول الخط التحريري، ويتم قطع بث القناة، ليستفيد النظام القطري الجديد من ذلك بانتداب الدوحة نحو 150 فردا من طاقم “بي.بي.سي” بينهم مذيعون وصحافيون وتقنيون في إطلاق بث قناة الجزيرة في الأول من نوفمبر 1996.

وقد اعترف ليئور بن دور المتحدث الرسمي الأسبق باسم الخارجية الإسرائيلية، أن هناك تعاوناً إعلامياً مهماً بين إسرائيل وقطر، وهو ما يتمثل في قناة الجزيرة التي تستضيف المسؤولين والدبلوماسيين الإسرائيليين، بالإضافة إلى تقديم الخارجية الإسرائيلية التعاون اللازم الذي ترغب فيه القناة أو فريق مراسليها بإسرائيل، مؤكداً أن هناك تفاهماً استراتيجياً واسعاً بين الطرفين، وأن هناك الكثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين إسرائيل وقطر في المنطقة.

كان هدف الجزيرة تهيئة الرأي العام لاستقبال فكرة التطبيع الذي كانت الدوحة سباقة إليه، وهو ما أشار إليه سامي رافائيل الذي كان رئيس أول مكتب لتمثيل المصالح الإسرائيلية في الدوحة خلال الفترة من عام 1996 إلى عام 1999، حيث ربط في كتابه “قطر وإسرائيل- ملف العلاقات السرية”، بين صعود الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى سدة الحكم بعد انقلابه على والده وتسريع نمو العلاقات بين قطر وإسرائيل، مبرزا أن الأمير سارع إلى توطيد علاقات بلاده مع الولايات المتحدة الأميركية عبر توقيع اتفاقية دفاع مشترك معها، والسماح لها بإقامة قواعد عسكرية أميركية في قطر، الأمر الذي وفر حماية أميركية للإمارة في مواجهة أي ضغوط قد تتعرض لها من جانب الكبار المحيطين بها، لاسيما إيران والسعودية.

وأشار إلى تصريح أدلى به الشيخ حمد بن خليفة بعد 3 شهور فقط من توليه الحكم، قال فيه “هناك خطة لمشروع غاز بين قطر وإسرائيل والأردن ويجري تنفيذها”، داعيا إلى إلغاء الحصار الاقتصادي المفروض من جانب العرب على إسرائيل، لافتا إلى أن إقبال قطر على التطبيع مع إسرائيل، وتصدير الغاز إليها تحديدا، كان يستهدف الترويج عالميا للحقل الشمالي الموجود في قطر والذي يوصف بأنه اكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، ويقدر حجم الغاز الموجود فيه بما يزيد على 25 تريليون متر مكعب.

تطبيع قطري مع إسرائيل

تعددت اللقاءات القطرية الإسرائيلية التي كان لحمد بن جاسم دور مهم في برمجتها والإعداد لها، ففي العام 1998، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز الدوحة لحضور المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد أهداه الشيخ حمد سيفا من الذهب مرصعا بالحجارة الكريمة. وفي عام 2001 أعلن عن قبول طلاب إسرائيليين للدراسة في جامعة كورنيل الأميركية للطب في قطر.

وفي مايو من العام ذاته، التقى وزير خارجية قطر حمد بن جاسم مع وزير الخارجية الإسرائيلي في واشنطن، وبعد خمسة أشهر أدى وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي روني ميلو زيارة إلى الدوحة لحضور اجتماعات منظمة التجارة العالمية في قطر.

وأكدت مصادر صحافية أن وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم التقى في زيارة سرية لإسرائيل في أغسطس 2001 رئيس الوزراء أرييل شارون ووزير الخارجية شمعون بيريز، وقد اصطحب بن جاسم في هذه الزيارة نجليه اللذين بقيا في إسرائيل للقيام بجولة سياحية حيث شوهدا في حيفا برفقة رجل أعمال عربي وتحت حراسة مشددة.

وشهدت العلاقات القطرية الإسرائيلية تطورا كبيرا، سرعان ما تأكدت بعض ملامحه على الأرض مع بداية ما سمي بالربيع العربي حيث كان الهدف واحدا في بث الفوضى ودعم قوى الإسلام السياسي بهدف تمكينها من الحكم للوصول معها إلى صفقة القرن بتأسيس دولة حماس على قطاع غزة وأجزاء من سيناء المصرية، والإعلان عن قيام الدولة اليهودية مقابل دويلات إسلامية. لم تكن قطر بعيدة عن مشروع الإخوان قبل عام 1995، وإنما كانت حاضنة للجماعة وعلى رأسها القرضاوي الذي حط بها رحاله منذ العام 1991 بتوصيات مخابراتية أجنبية، وقام باستدعاء العشرات الآخرين من إخوان مصر ممن نجحوا في التغلغل داخل مفاصل الدولة، وخاصة في قطاعات التربية والتعليم والإعلام، والتحق بهم نظراء لهم من مختلف الدول العربية.

وعندما وصل الشيخ حمد بن خليفة إلى الحكم راهن على الجماعة، وجعل منها حصان طروادة للسيطرة على المجتمع، وكذلك للترويج لمشروعه على نطاق أوسع إقليميا ودوليا، إلى أن أصبح نظاما إخوانيا ولكن بتناقضات عدة منها نزع حجاب التحفظ الاجتماعي في دائرة الحكم.

وقرر التنظيم المحلي للجماعة في عام 1999 حل نفسه للاندماج في الدولة بعد أن باتت تتبنى المشروع الإخواني بشكل كامل، سواء من حيث النشاط الإعلامي والثقافي أو من خلال المؤتمرات والندوات التي كانت تدار سرا وعلانية بحضور قيادات إخوانية وأخرى من مراكز القرار الإسرائيلية والأميركية والأوروبية، أو من خلال المراكز المتخصصة التي أسسها النظام ووضع الإخوان على رأسها بدعوى التبشير بمرحلة التغيير الديمقراطي في المنطقة.

وفي ما يخص العلاقات بين قطر والدول العربية، فقد عرفت توترا خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، التي كان نظام الدوحة يستعد فيها لرعاية البديل الذي تم تجهيزه للمنطقة من خلال ما سمي بثورات الربيع العربي، حيث عمل على تبني دعوات التغيير في كل الدول دون استثناء، بهدف تمكين الإسلاميين من الحكم، بعد نجاحه في وضع قوى الإرهاب المسلح في خدمة مشروع الإخوان الذي تم تقديمه للغرب على أنه البديل الديمقراطي.

وتورطت القيادة القطرية في الأزمات التي شهدتها أغلب دول المنطقة كالعراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر وتونس والصومال والسودان، وفي التآمر المفضوح على دول كالسعودية والإمارات والبحرين وصولا إلى موريتانيا، وفي تقسيم الصف الفلسطيني للإبقاء على خيار قيام دولة الإخوان في غزة. وتحولت قطر إلى عدوّ الدول والشعوب بسبب رعايتها للإرهاب ورهانها على الإخوان والميليشيات والجماعات الإرهابية، ثم بعد أن دعمت تحالفها مع إسرائيل بتبعيتها لتركيا وإيران كقوتين تتبنيان الإسلام السياسي بوجهيه السني والشيعي ولا تخفيان أطماعهما في بلاد العرب، كما جندت إمكانياتها المالية الضخمة للعمل على مسارين: التدمير للمنطقة العربية بالاختراق وتوجيه الرأي العام وتبني الخطاب المتطرف

والجماعات المتمردة، والبحث عن حماية خارجية بدبلوماسية الصفقات وشراء المواقف وتشكيل اللوبيات في عواصم القرار وبالبحث عن صورة مثالية بشراء أكبر فريق كرة أو أكبر سوق أو أكبر فندق أو أغلى لوحة أو أغلى يخت للتغطية عن وجهها القبيح الملطخ بدماء الملايين من أبناء المنطقة العربية.

وسوم