fbpx
تحالفات مصرية تضع تركيا في مواجهة الكبار غرب المتوسط
شارك الخبر

يافع نيوز ـ العرب

كرست مصر موقفها المناهض لتوجهات أنقرة بحزمة تكتلات دولية من شأنها التأثير سلبا على النهم التركي في البحر المتوسط، والحد من ممارسات تحرشها الساعي لتحقيق مكاسب جيوسياسية، ونهب ثروات الغاز في المنطقة، أملا في دور مؤثر على الخارطة. وأضفت خطوة جديدة على موقفها السابق في 16 فبراير الرامي لدخول شركات متعددة مجال التنقيب في غرب المتوسط.

تمعن أنقرة في ممارساتها المتعسفة قصد حل أزماتها الداخلية عبر آليات الحرب بالوكالة، معتمدة على سخاء قطر المالي، وتحالفها مع حكومة الوفاق الليبية في إيجاد موطئ قدم لها غرب المتوسط، بعد تضييق الخناق عليها في شرقه.

وقالت وزارة البترول المصرية، الأحد، إن مجلس الوزراء وافق على 12 اتفاقا مع شركات عالمية متعددة الجنسيات للتنقيب عن الغاز والبترول في أعماق البحرين المتوسط والأحمر، والصحراء الغربية، نصف هذه الاتفاقيات في المياه المصرية في غرب المتوسط المتاخمة للحدود الليبية، وتم إسنادها بالأمر المباشر للشركات العالمية، أما الباقي فكان عبر آليات المزايدات، وهى اثنتان في شرق المتوسط، إلى جانب ثلاث اتفاقيات في البحر الأحمر، وواحدة في الصحراء الغربية.

ونظرا لحساسية عمليات البحث والتنقيب عن النفط والغاز، تنتظر هذه الاتفاقيات موافقة البرلمان المصري لإقرارها، وهي إجراءات مصرية معمول بها في قطاع البترول، في ظل وجود شريك أجنبي.

تحالفات متنوعة

تطويق طموحات أنقرة
تطويق طموحات أنقرة

ونشرت “العرب” في فبراير الماضي جانبا من تفاصيل التحركات المصرية في غرب المتوسط واتفاقها مع شركات أجنبية، لكن اليوم باتت الخطوة أكثر أهمية في ظل تمادي تركيا في تكريس وجودها في ليبيا والإصرار على التمدد نحو سرت والاقتراب من منطقة الهلال النفطي، وأرادت اختبار قدرة القاهرة، والتي ردت عليها بوضع المزيد من الأطر الرسمية على التنقيب في غرب المتوسط، وتسريع التحركات الهادفة لحشر تركيا في زاوية مع شركات دولية عملاقة.

ويرى خبراء، أن إسناد المهام للشركات في منطقة غرب البحر المتوسط كان مدروسا بعناية، فتركيبة هذه التحالفات وطبيعة إسناد مهام عمليات البحث عن الغاز والبترول في السواحل الغربية لمصر، جاءتا على نحو مختلف عن إجراءات البيروقراطية.

وما يعزز هذا الاتجاه أن الإسناد يستهدف تحقيق عنصر السرعة بدلا من النظم التقليدية التي تستغرق شهورا، وتم اختيار خمس شركات هي: شيفرون وإكسون موبيل الأميركيتين، وتوتال الفرنسية، و”بي.بي” البريطانية، وشل الهولندية.

ومن الواضح أن القاهرة قرأت تحركات تركيا مبكرا في تلك المنطقة، فيما وصفت مصادر سياسية لـ”العرب”، هذه الخطوة بأنها مقصودة في هذا التوقيت لخلق المزيد من الإحراج لتركيا ووضعها في مواجهة مباشرة مع بعض القوى الدولية الراغبة في تكريس دورها في ملف الغاز الحيوي في المنطقة.

ورأت المصادر ذاتها، أن الحكومة المصرية لا تريد خوض مواجهة منفردة مع أنقرة، وتعمل على توظيف الأوراق الاقتصادية التي تملكها ومنحها مسحة سياسية وأمنية أحيانا، وهي بذلك ترد عمليا وتغلق الأبواب المشرعة أمام التحرشات التركية في مياه البحر المتوسط، والباحثة عن دور مؤثر تحت غطاء استكشاف الغاز.

وتزامن الإعلان الحكومي بشأن هذه الشركات مع تصريحات حادة أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، كشفت عن عدم استبعاد التدخل عسكريا لوقف التمدد التركي في ليبيا وضبط بعض الأمور المنفلتة.

لجأت القاهرة إلى تلك الخطوة رغبة منها في المزيد من تدويل العمل في المنطقة بأقصى سرعة، وأرادت توجيه رسالتها في الوقت الذي تعاني فيه تركيا على مستويات متعددة، وتكاد تفقد صوابها في سوريا، وبدأت تترنح في ليبيا.

نجحت القاهرة في وضع أردوغان بين فكي رحى عسكريا واقتصاديا، وقد يصل إلى درجة حدوث تصعيد مباشر مع كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بعد إسناد حقوق امتياز البحث عن الغاز في تلك المنطقة الملتهبة لشركاتها.

وتلقت طموحات أردوغان ضربة موجعة جديدة بعد اتفاقية ترسيم للحدود البحرية التي وقعتها اليونان مع إيطاليا، التي تتعارض معاييرها مع فلسفة مذكرة التفاهم التي وقعها في نوفمبر الماضي مع فايز السراج رئيس حكومة الوفاق في طرابلس حول المنطقة البحرية الخالصة واعتبرها البرلمان الليبي باطلة وقوبلت برفض إقليمي.

في أعقاب الاتفاق بين أثينا وروما، قام وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس بزيارة للقاهرة، وعلق عليها عبر “تويتر” قائلا “عقدت لقاء مع الرئيس عبدالفتاح السيسي بالقاهرة، تأكيدا للعلاقات القوية، والتركيز على المزيد من تعزيز التعاون”.

تدويل التحركات

مصر لا تريد خوض معركة منفردة مع أنقرة بل تعمل على تدويل المواجهة
مصر لا تريد خوض معركة منفردة مع أنقرة بل تعمل على تدويل المواجهة

مهدت القاهرة لهذه الخطوة قبل سنوات لتحقق مكاسب على مساري تأمين حدودها وتعزيز الاستفادة من ثرواتها الطبيعية، فعمليات البحث عن النفط والغاز عالميا تحتاج إلى غطاء أمني شديد الإحكام.

وفي سبيل ذلك، دشنت قبل ثلاث سنوات قاعدة “محمد نجيب”، والتي تقع على بعد 60 كيلومترا غرب الإسكندرية، وتبعد عن مدينة السلوم القريبة من الحدود الليبية بنحو 450 كيلومترا، وتضم فرقا عسكرية قوامها 20 ألف جندي وبها تمثيل لجميع فروع الجيش على مساحة 18 ألف فدان وتبعد 6 كيلومترات عن المتوسط.

ولتعزيز مسارها الأمني في منطقة البحر الأحمر التي تعج بثروات نفطية بعد ترسيم الحدود مع السعودية، دشنت القاهرة أيضا قاعدة “برنيس” العسكرية لحماية وتأمين السواحل المصرية الجنوبية وحماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية ومواجهة التحديات الأمنية، فضلاً عن تأمين حركة الملاحة العالمية عبر محور الحركة من البحر الأحمر وحتى قناة السويس والمناطق الاقتصادية المرتبطة بها، ضمن رؤية مصر المستقبلية 2030

قال قدري أبوإسماعيل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، إن تركيا تعاني نقصا شديدا في الطاقة، وتبحث عن منافذ رئيسية لتعويضها، ويعكس ذلك تواجدها في شمال العراق وسوريا، فضلا عن خططاها الرامية لإنشاء مطارات في دول أخرى لضمان حضورها بالمنطقة.

وأضاف لـ”العرب”، أن مصر أمعنت خلال السنوات الماضية في عمليات التسليح، وأصبحت لديها قوة عسكرية قادرة على مواجهة أي تعديات على مياهها الإقليمية أو حقول الغاز التي تمتلكها، فيما يعد الإعلان عن اكتشافات بترولية جديدة ودخول شركات أميركية للتنقيب لأول مرة، إحدى الأوراق الأساسية والداعمة بشكل غير مباشر في مفاوضات مصر مع القوى العالمية في حوض البحر المتوسط، حال حدوث تعديات على حقول الغاز أو الحدود المصرية.

ولعل منتدى غاز شرق المتوسط الذي بات منظمة دولية أداة ضغط وقوة في نفس الوقت للقاهرة، حيث يضم في تكوينه قوة مؤثرة بعد انضمام أميركا له بصفة مراقب دائم، بجانب عضوية فرنسا وإيطاليا وإسرائيل وفلسطين وقبرص واليونان والأردن.

ويحرص البنك الدولي المدعوم من أميركا على حضور جميع الفعاليات التي تعقد مرتين سنويا، وعمقت واشنطن مشاركتها وأضافت الطاقة إلى الحوار الاستراتيجي مع مصر، واكتسبت مشاركة أميركا في اجتماعات المنتدى شرعية مؤثرة.

وأوضح أبوإسماعيل أن مشاركة الشركات العالمية الكبرى للتنقيب عن البترول في مصر، تعبر عن السياسات الخارجية لدولها، ومن ثم تعد سندا حقيقيا وورقة ضغط مصرية لمواجهة أي تعدٍ تركي على السيادة من ناحية الحدود الليبية، وتعد تلك الخطوة ورقة ضغط أخرى في إدارة الأزمة الليبية والتغلغل التركي في المنطقة.

تأمين عسكري واقتصادي

 تركيا إلى أنها تريد كسب المزيد من المصالح عبر الحصول على الغاز والنفط الليبيين
تركيا إلى أنها تريد كسب المزيد من المصالح عبر الحصول على الغاز والنفط الليبيين

يرجع خبراء أمنيون نهم تركيا إلى أنها تريد كسب المزيد من المصالح عبر الحصول على الغاز والنفط الليبيين، ولا يهمها الاستيلاء على الأراضي الليبية بقدر التواجد في منطقة غرب المتوسط.

وتسمح الاكتشافات الجديدة للشركات العالمية بالتنقيب عن الغاز في شرق وغرب البحر المتوسط، كأنها باتت أرضا مفتوحة، ما يزيد حالة الاحتقان والتحرش التركي، ويعزز شوكة القاهرة بعد اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونانالتي تم إيداعها الأمم المتحدة.

ما يفاقم الأوضاع التركية أنها لا تمتلك التكنولوجيا التي تمكنها بشكل كبير من التوسع لاستخراج الغاز من المياه العميقة، وتقوم بتحرشات مع قبرص، لسد فجوتها من الطاقة وتركز على التدخل في ليبيا لتؤمن إمداداتها وتعزز توجهاتها السياسية.

يكشف تاريخ العلاقات دائما أن الصراعات الدولية بين الدول لا بد أن يساندها اقتصاد قادر على تقوية جبهاتها الداخلية، بما يساند عتادها العسكري.

ويبدو أن أردوغان فتح على نفسه جبهات متعددة، وهو غير قادر على إدارتها جيدا، سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا، مع غياب سياسة خارجية متوازنة مع أوروبا.

ولا تمكن تصورات أنقرة الحالية من تحقيق حلم استعادة أمجاد الدولة العثمانية، عبر ثقل سياسي يدعمه نمر اقتصادي صاعد، وفق مخطط 2023 والذي يتوافق مع مئوية إعلان الدولة التركية، بعد أن تم تعديل الدستور للإبقاء على أردوغان في السلطة أطول فترة ممكنة.

وشواهد القوى الخارجية التي يتكئ عليها لن تمكنه من بناء حلمه عبر تحالف مع الدوحة وطهران، اللتان تواجهان مشكلات داخلية وخارجية.

وقال جمال القليوبي، أستاذ الطاقة والتعدين بالجامعة الأميركية في القاهرة، إن دخول شركات عالمية جديدة للتنقيب عن الاكتشافات جاء مدعوما بخطوات مصر التي أهلت المناخ وعززت مقومات دخول الشركات، وأهمها مقومات الردع العسكري.

وأوضح لـ”العرب”، أن العتاد العسكري عزز من إنجاز مشروع حقل “ظهر” للغاز في وثب قياسي، فعمليات التسليح المصرية برا وبحرا وجوا كانت رسالة واضحة منذ اللحظة الأولى قمعت معها أية نوايا للتحرك في هذه المنطقة.

وحمت مصر عمقها الاستراتيجي عبر خطة شملت المناطق الحدودية، سواء منطقة البحر الأحمر بمساحتها من الجنوب السوداني وحتى أقصى المنطقة الشرقية قبالة شواطئ السعودية، إلى منطقة سيناء المتاخمة لحدود إسرائيل والأردن، والمياه المفتوحة بشمال المتوسط وحدودها الغربية على ساحل البحر المتوسط.

وسوم