في عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة، كان مشهد أطفال برلين وهم يلعبون معا بسعادة مرة أخرى جميلا ومرعبا، فالأطفال ليسوا الأفضل في تطبيق إجراءات “التباعد الاجتماعي”، وما زال الأمر غير مؤكدا فيما يخص حجم الدور الذي يلعبونه في نشر وباء “كوفيد-19”.

ولم يكن قرار مدينة برلين بإعادة فتح ملاعبها وحدائقها ساري المفعول رسميا حتى يوم الخميس، لكن بعض العائلات لم تر أي سبب للانتظار على الرغم من انضباطهم ودعمهم لقواعد التباعد الجسدي بشكل عام، بحسب ما ذكر موقع “بلومبيرغ” الإخباري.

لقد تمكنت ألمانيا، وبصورة مثيرة للإعجاب، من النجاح في احتواء واحدة من أسوأ الأوبئة في العالم الحديث، لذلك فقد بدأت تخرج تدريجيا من عزلتها التي فرضتها على نفسها كتدبير لمنع تفشي وباء كوفيد-19.

ومع عزمها الخروج تدريجيا من عزلتها يبرز السؤال حول كيفية انتقال برلين في هذا المسار الغامض، أي الانفتاح بما يكفي لإنعاش الاقتصاد دون تعرضها لموجة ثانية من الفيروس الفتاك؟.

في الواقع، يمكن للبنية التحتية في ألمانيا التعامل مع المرحلة التالية، فمختبراتها لديها القدرة على إجراء 136 ألف اختبار يوميا، على الرغم من إجراء أقل من 325 ألف اختبار أسبوعيا، كما تقوم بتوسيع جيوش “متتبعي الملامسين” لتتبع سلاسل العدوى، بالإضافة إلى أن هناك 13 ألف سرير للعناية المركزة غير مشغولة في جميع أنحاء البلاد، أي حوالي 40 في المئة من الإجمالي.

ولم يغرق النظام الصحي الألماني، كما حدث في دول أخرى، في إصابات فيروس كورونا الجديد، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الوباء أصاب الشباب بشكل أساسي في البداية، فحتى الآن، في برلين، مثلا، توفي بسبب المرض 125 شخصا “فقط”، من سكان المدينة البالغ عددهم 3.6 مليون نسمة، بينما على الصعيد الوطني، تم تسجيل أقل من 6000 حالة وفاة، أي حوالي ربع إجمالي الوفيات في فرنسا.

وليس من الصعوبة معرفة سبب قلق المستشارة أنغيلا ميركل وكبار علماء الفيروسات من تسرّع الناس للعودة، فمعدل تكاثر الفيروس أقل بقليل من حالة واحدة إلا أنه قد يرتفع بسهولة مرة أخرى.

وحول ذلك، قالت ميركل للبرلمان الألماني الأسبوع الماضي: “لا أحد يريد سماعه، لكننا لسنا في نهاية الوباء.. ما زلنا في البداية”، وأضافت أن البلاد تقف الآن على “طبقة جليدية رقيقة”.

ولأن الولايات الفيدرالية الألمانية تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية، حيث أن إحدى الولايات تخفف قيود الفيروسات، ربما لأنها لا تعاني من نفس عدد الإصابات، فإنها تخلق ضغوطا على الولايات الأخرى لتحذو حذوها، وبالتالي فإن التناقضات في سياسات إعادة الفتح تخاطر بإرسال إشارة خاطئة وتقويض الدعم للقيود المتبقية.

وعلى سبيل المثال، ابتداء من هذا الأسبوع، يجب على الألمان ارتداء الكمامات في وسائل النقل العام، ولكن في برلين، على عكس معظم الولايات الفيدرالية، تكون الكمامات طوعية للبالغين عند التسوق.

وبينما أعيد فتح المتاجر صغيرة المساحة (أقل من 800 متر مربع)، وهو أمر يبدو معقولا لأنها تميل إلى جذب حشود أصغر، بدأت المتاجر الكبيرة أيضا في الظهور مرة أخرى في بعض المدن، لتتوافق مع الحد الأقصى للحجم عن طريق إغلاق أقسام من أرضية المتجر.

وبالمثل، فإن بعض مراكز التسوق مفتوحة مع عودة أصحاب الأعمال الأصغر إلى العمل، كما ستفتح حديقة الحيوانات في برلين أبوابها هذا الأسبوع مع تحديد الحد الأقصى لعدد الزائرين يوميا، وفي الأثناء، يضغط دوري كرة القدم لاستئناف اللعب خلف الأبواب المغلقة في وقت مبكر من الشهر المقبل.

وستفتح المدارس بالتدريج أيضا، بدءا من الأطفال الأكبر سنا الذين سيخضعون لامتحانات، وهناك ضغط على رياض الأطفال للقيام بنفس الشيء، رغم أنه سيكون من المستحيل تقريبا فصل الأطفال الصغار جدا عن بعضهم.

ومن المعروف أن الألمان بشكل عام يسارعون إلى الاستفادة من الأوضاع عندما تفتح الفرص الاقتصادية وتصبح القواعد مناسبة لهم، فهل ستضطر ميركل إلى الرضوخ أمام الضغوط الشعبية؟.