fbpx
من تراثنا: زفة الحريوة في يافع
شارك الخبر

كتب – د.علي صالح الخلاقي
تسمى الزَّفة في يافع (المسَايَرَهْ) وتبدأ مراسيمها مساء يوم الزواج نفسه أو في صبيحة اليوم التالي, بمقتضى الاتفاق أو العادة المتبعة في هذه المنطقة أو تلك. وتخرج العروس من بيت أهلها بموكب احتفائي, تحيط بها اثنتان من أجمل قريباتها بكامل زينتهن, فتمسك إحداهن بيدها اليمنى والأخرى بيدها اليسرى وتظل العروس مغطاة بمجول شفاف يغطي رأسها ووجها ويديها, وأمامهن وبجانبهن تتجمع النساء على شكل صفين طولياً مفسحات الطريق أمام العروس ومرافقاتها, ومنهن من تحمل المباخر (المجامر, أو المقاطر) التي تنتشر منها في الأرجاء أعمدة أدخنة البخور، فيما تصدح الزغاريد (المحاجر) والأغاني الخاصة بـ(المسايرة)، ويكون مكان العريس (الحريو) وراء العروس مباشرة وحوله الأصدقاء والرجال لمشاهدة الموكب الذي يكون في مقدمته (الشاحذ) وتليه حاملات المباخر, وكان موكب الزَّفة –  قبل دخول السيّارات –  يسير مشياً على الأقدام وعلى ضوء القمر, أو على ضوء الفوانيس, إن كانت الليالي مظلمة.
وفي لحظات الوداع المؤثرة التي تمتزج فيها مشاعر فرحة الأهل بزواج ابنتهم بالحزن على فراقهم لها، تردد النساء أغنية الهدان المعبرة عن هذه اللحظة:
قاله البيضاء كرمتوا
واكرمك وا بَهْ حيُودي
ألا يا به كُثُر خيرك
ألاَ ما عادنا بنتك
 يا أهل ذه الحَوزَهْ جميع
واكرمش يا الوالده
ورَعْ مفتاح مخزانك
ألاَ ما اليوم بنت الناس
وفي العادة يسير موكب الزفة بحركة بطيئة, لكنها مليئة بالفرح والأهازيج والزغاريد النسائية المصاحبة, وتزداد هذه الحركة بطئاً كلما كانت المسافة بين بيت أهل العروس وبيت العريس متقاربة, لكي تستغرق الفرحة وقتاً أطول, بل أن مثل هذا السير البطيء  تعبر عنه الأغنية النسائية التي تطلب من العروس أن تقسِّم خطواتها أخماس أو أسداس أو أعشار:
ألاَ سيري، ألاَ سيري
 خطيوه قسميها اسداس
وأثناء سير الموكب تختلط أصوات الزغاريد النسائية وأغانيهن بدقات الطبل وكذا بأصوات الأعيرة النارية التي تطلق في الفضاء بين الفينة والفينة وتزداد مع اقتراب الموكب من بيت العريس.
وفي منتصف الطريق، يكون على النساء المرافقات أن يعدن أدراجهن, بعد وصول المستقبلات من أهل العريس, اللاتي ينتظمن في صفين ويكملن توصيل الموكب بنفس المباهج من الأغاني والبخور, أما المرافقتان الشخصيتان للعروس فيبقيان ويكملان المشوار وهن ممسكات بأيدي العروس عن يمين وشمال حتى وصولها إلى منزل العريس, ولن يعدن إلأَّ بعد إيصالها, وحصولهن على هدية عينية أو مبلغ من المال من العريس لقاء مرافقتهن للعروس.
أما في حالة أن تزف العروس إلى قرية أخرى بعيدة, فإن الموكب المرافق يستمر لمسافة قريبة لا تتجاوز أطراف قرية أهلها, ثم تركب العروس على جمل إن كان ذلك متيسراً, أو تسير مع المرافقات والمرافقين مشياً على الأقدام, إلى أن تصل أطراف قرية العريس حيث تكون النساء المستقبلات من أقارب العريس في انتظارها, ويتواصل موكب الزفة بنفس المراسيم حتى وصوله باب بيت العريس. وتردد المستقبلات أغنية الهدان الترحيبية بالعروس:
ألاَ يا مرحبا حيّا
 عسى والخَطْ تِيْ العنوان
ججج
والخط باللهجة اليافعية يعني الرسالة, وتِيْ بمعنى مثل. أي أن النساء في هذه الأهزوجة يتمنين أن تكون العروس بمستوى جمال لباسها الفاخر والجذّاب.
عند وصول العروس إلى بوابة بيت العريس تتثاقل في مشيتها وقد تتوقف وتأبى الدخول, في انتظار ما يسمى (الدّحَّاقه)، وهو أن ينحر أهل العريس خروفاً قبل دخولها كفداء, وتغني النساء في تلك الأثناء مؤازرات لها في مطلبها هذا:
ألاَ لا تدخلـين الـدّار
ألاَ وإلاَّ ذبح لش ثور
ولش بُنَّه ولش قاته
ج ألاَ إلاَّ بحتَّامه
والاَّ كَـبش ردمــاني
ولش حَبْلَين بالمسنى
وفي الحال  يقوم (الشاحذ) بنحر خروف على مردم السدّة، فيما تنثر أم العريس كمية من حبوب الذرة والبُن على رأسي العروسين, وجرت العادة أن لا تدخل العروس إلاَّ على الدم للاعتقاد بأن ذلك يصرف عين الحسد وشر الشياطين. وقد تطأ العروس بقدمها اليمنى على جسد الخروف المسجى فيما تخطو باليسرى إلى الداخل، وتقوم حماتها (عمتها أم العريس) بغسل قدميها, وأثناء ذلك تنطلق المحاجر والأعيرة النارية في الهواء. وفي هذه الأثناء تتردد النساء:
ألاَ يا أم الحريو ابدي
ألاَ جهدا وصل مهدي
 رَعي جَهَدَا وصل مهدي
ورَوَّحْ مركب الـهنـدي
ثم تستمر الزَّفة إلى أن تدخل العروس إلى الغرفة المخصصة لها, وهنا تقف دون أن تجلس أو تصعد إلى (الهِدِهْ) حتى تستلم ما يعرف بـ(الحتَّامه) وهو مبلغ من النقود.  وعندها تغير المسايرات صوت الغناء ليتناسب مع الزفة:
زفوا العروسة زفوها
يا مرحبا بالعروسة
 بالعطر والورد رشوها
هي والعروس المثالي
وفي تلك الأثناء يتسابق العروسان في الوصول إلى المنصَّة (الهدة) ويكون السبق دائماً للعريس، رغم أنها كانت أمامه أثناء وصول الزفة.
وتبقى المرافقتان (المُسَايرات) بصحبة العروس بضعة ساعات وبعد إكرامهن بالأكل وإعطائهن أجرهن يعدن برفقة الرجال من أهلهن الذين كانوا ضمن الموكب.
وفي بعض المناطق –  كلد كمثال –  فإن المسايرات يبقين مع العروس حتى وصول الأم مع والدها وأخوتها وعدد من أقربائها  حيث يصلون في اليوم نفسه ومعهم بضاعة العروس وعدد من الأغنام (غنم السَّوْق أو القَوَد), ويستقبلهم أهل العريس بحفاوة وأول من يطلق الأعيرة النارية هو العريس نفسه, مبالغة في الترحيب بهم. ويأتون معهم بـ(بضاعة العروس) التي جاءت أصلاً من جهة العريس ويضيفون إليها من جانبهم بعض الأشياء, كقربة لجلب الماء و(مِحْتَاهْ) وغربال (منخل) ومَسْرَفَةْ( ). وهم يأتون عادة بعد الغداء, لأن وليمة الضيافة الرئيسية ستكون على العشاء, وتكون مراسيم استقبالهم  على نفس النسق الذي رأيناه عند استقبال أهل العروس لأهل العريس عشية (السَّداد) أو (كتابة الشاهد), مع فارق أن العدد أكبر هنا وتصاحبهم الطبل والناي (القصبة, أوالشُبَّابة) في موكب الاستقبال للضيوف. ويلي ذلك خروج العريس (الحريو) إلى سطح البيت أو ساحة بجانب المنزل (وَصَرْ أو حَبِيْل) ويتجه إلى القبلة وتلي ذلك  طقوس (فرقة الشعر) وحلاقته وتسريحته, كما هو متبع في مناطق أخرى قبيل خروج شواعة العريس يوم الزواج, ويفدى عليه بتيس وكذا النقود (الريالات الفضية) وحبوب الذرة أو الدخن أو البُن ويمتدح الشاحذ كل من يقدم فدية لأنها جميعها ستذهب له ولمساعده مقابل أجرتهما ويردد الواقفون أثناء الفدية (حَريو حَريو). وفي النهاية يحمل الحاضرون العريس بين أيديهم ويرفعونه إلى الأعلى وهم يهتفون بصوت جماعي:
حــريــونا شـاب
وا طويلات الرقاب
ج وَحْجِرَيْن له وابيض
والمال لك، واحريو
كما تتم بهذه المناسبة الرماية على (النَّصَعْ) وتسمى في بعض المناطق (أهداف الحراوى).
من كتاب: د.علي صالح الخلاقي (عادات وتقاليد الزواج وأغانيه في يافع)
أخبار ذات صله