fbpx
توتر حدودي بين السودان وإثيوبيا.. هل يصب في مصلحة مصر
شارك الخبر

يافع نيوز ـ العرب

ارتاحت دوائر مصرية لبوادر التوتر بين السودان وإثيوبيا قبل أيام بسبب تجدد خلاف مزمن حول منطقة الشفقة. ويمكن أن يؤدي هذا التوتر إلى تغيير في موقف الخرطوم من ملف سد النهضة الذي بدت فيه منحازة لأديس أبابا. واتخذ الطرفان إجراءات رفعت من الجاهزية العسكرية عند المنطقة الحدودية المشتركة على غير المعتاد في مثل هذه الحالات.

منحت زيارة وفد مصري إلى الخرطوم، الخميس، يضم وزير الري محمد عبدالعاطي ورئيس جهاز المخابرات اللواء عباس كامل بعدا عمليا لاحتمال التغيير في الموقف السوداني مع اتساع نطاق مطالبات قوى وطنية بإعادة النظر في الرؤية الحالية من سد النهضة، على اعتبار أنه يحمل جملة من الخسائر للسودان ونتائجه قد تكون عكس ما يتم الترويج له منذ سنوات بشأن حصد البلاد لمكاسب جمة من وراء تنفيذه.

ربطت جهات عدة بين تطورات متشابكة يمكن أن تقود إلى تحول في خارطة التفاعلات الجامدة بما جعل العلاقة بين الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، تسير على أوتار مشدودة. وخشي كثيرون من انقطاعها بين القاهرة وأديس أبابا عقب ارتفاع حدة الخلافات وتعثر مفاوضات سد النهضة في فبراير الماضي، والتي رعتها واشنطن والبنك الدولي.

لم يدر بخلد أحد أن الشد والجذب قد يأتي فجأة من الجانب الآخر، أي بين الخرطوم وأديس أبابا. وتنفجر مشكلات حدودية لا يرغب فيها أحد، حيث تجدد جراح السودان مع غالبية الدول المجاورة، وفي مقدمتها مصر التي تخوض نزاعا معه حول مثلث حلايب وشلاتين.

تمثل مشاكل الحدود منغصا دقيقا للسودان الذي يعاني بدرجات متفاوتة من تداعياتها السياسية والعسكرية مع سبع دول مجاورة له. ويحاول علاجها بالمسكنات كلما انفجرت إحداها عمدا أو دون قصد. لذلك جرت اتصالات بين الخرطوم وأديس أبابا لمنع الانجراف وراء التصعيد. غير أن الخطاب الذي يتبناه السودان هذه المرة يحمل رسائل تتجاوز ملامح الخلاف التقليدي الذي ينشب من وقت إلى آخر بين الجانبين ويتم إخماده.

أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان الفريق أول عبدالفتاح البرهان أن هدفه حماية الأراضي والمواطنين على امتداد حدود السودان في كل مكان، وكان ذلك لدى تفقده وعدد من كبار قادة الجيش، الأربعاء، قوات الفرقة الثانية مشاة في منطقة دوكة القريبة من الشفقة والمرابطة لمراقبة الحدود مع إثيوبيا.

أزمة الشفقـة

كانت عصابات الشفتة الإثيوبية، في المنطقة المتنازع عليها بين الخرطوم وأديس أبابا، كثفت أنشطتها على الحدود بين البلدين.

وارتكبت أعمال خطف وقتل بحق مزارعين سودانيين. وحاولت الأجهزة الأمنية الحد من نفوذها، فقامت بنشر وحدات من الجيش في مناطق واسعة بشرق السودان قبل نهاية مارس الماضي بعد غياب سنوات طويلة عن تأمين المنطقة من النزاعات التي تحدث بين المزارعين عند بداية التحضير للموسم الزراعي الذي تتجدد فيه الخلافات بين القبائل القريبة من الحدود المشتركة. أدى إعادة انتشار الجيش السوداني بعد انسحابه لنحو 25 عاما لدواع أمنية فرضتها سخونة الحرب في منطقة دارفور، إلى توغل الجيش الإثيوبى في منطقة شرق سندس بـ”الشفقة الصغرى”، وسيطر على مساحة تقدر بنحو 55 ألف فدان تخص مزارعين سودانيين في منطقة القضارف.

معروف أن المنطقة التي توغل فيها الجيش الإثيوبى سودانية ومن أخصب الأقاليم. ويمتلكها مزارعون ينتمون للسودان، وتقوم عصابات الشفتة وميليشيات قبلية مساندة بطردهم أو قتلهم والاستحواذ على معداتهم الزراعية.

دخل الطرفان في مفاوضات سريعة لاحتواء الموقف، غير أن تعرض قوة سودانية للاعتداء من قبل أخرى تابعة للجيش الإثيوبي زاد الأزمة تعقيدا. وزعمت أديس أبابا أنها غير قادرة على لجم العصابات، مع تلويح بأن المنطقة إثيوبية. وتم الدفع بقوة توغلت في الشفقة التي تبلغ مساحتها 251 كيلومترا، وتوزيع أراضي السودانيين على مزارعين إثيوبيين.

أصبح الموقف قابلا للتسخين العسكري. فهذه أول مرة منذ فترة تتعامل الخرطوم مع الأمر بحدة. وكأنها تريد أن تقول إن تفاهمات السودان مع إثيوبيا حول سد النهضة لن تجعلها تتباطأ في الدفاع عن الحدود، وهي رسالة مقصود منها التأكيد على استقلالية القرار، والفصل في التقديرات النهائية التي تفرضها كل أزمة.

تحاول أديس أبابا عدم الوصول إلى مرحلة الصدام مع السودان وتهدئة ملف الشفقة لأن إثارته في هذا التوقيت سيكون مضرا بالحكومة الإثيوبية، مع التلويح المتكرر بأن النظام الجديد في السودان لن يفرط في أراضيه وارتفاع حدة الغضب في صفوف قوى مدنية سودانية ترى ضرورة تعديل الموقف من ملف سد النهضة، وهو ما يصب في صالح مصر.

تواجه الحكومة الإثيوبية تحديات داخلية وعرة وهي تستعد للبدء في ملء خزان سد النهضة وإجراء انتخابات عامة. ولا تريد خلافا مع السودان يرخي بظلاله عليهما ويتسبب في تشتيت انتباهها أو يدفعها إلى تقديم تنازلات حدودية، وهي التي تحتمي بالدفاع عن محددات وطنية جذبت إليها الشعوب الإثيوبية، تتمثل في حق استثمار المياه والحفاظ على وحدة الأراضي.

وصل الخرطوم وفد عسكري إثيوبي رفيع المستوى في 12 مارس الماضي، برئاسة الفريق أول برهان وجولا نائب رئيس الأركان، يرافقه فيشا كادنو مدير العمليات بالجيش الإثيوبي لتطويق الأزمة، أعقبتها اتصالات عدة بين الطرفين أهمها المكالمة الهاتفية التي جرت بين البرهان ورئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد، مساء الخميس، وتلاها الإعلان عن زيارة وفد عسكري رفيع للخرطوم بغرض تأمين الحدود المشتركة.

شهدت الأسابيع الماضية نحو سبعة اعتداءات على رعاة ومزارعين سودانيين في منطقة الشفقة. وكانت خلالها أديس أبابا رافضة لوضع علامات واضحة لترسيم الحدود المشتركة والتهرب من الاعتراف بسودانيتها.

بين الحدود والمياه

لا أحد يعرف مدى العلاقة بين هذه الأزمة، وبين اللقاء الذي عقده حمدوك بالخرطوم مع وزير الري ورئيس جهاز المخابرات المصريين، الخميس، وتمت فيه مناقشة المستجدات على الساحة الإقليمية وأوجه التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات وتطورات ملف سد النهضة وترتيبات الزيارة المرتقبة لحمدوك إلى القاهرة.

كان حمدوك أعلن مؤخرا عزمه القيام بوساطة بين مصر وإثيوبيا وزيارة البلدين لحل أزمة سد النهضة دون أن يحدد موعدا لبدء الوساطة والزيارة والتمسك بمرجعية مسار واشنطن الخاص بقواعد الملء والتشغيل للسد، وما تم التوافق عليه في هذا المسار والإعلان عن المبادئ الموقع بين الدول الثلاث بالخرطوم في مارس 2015.

تشير التطورات الجديدة إلى رغبة السودان في التفاعل مع أزمة سد النهضة وأن مشاكله لن تثنيه عن الحوار مع الدولتين الأخريين أو تجبره على التفريط في حقوقه المائية والحدودية مع أي دولة، ملمحا إلى التمسك بسياسة الأداتين، أي الدبلوماسية والخشونة.

يبدو أن هناك نوعا من التفاهم أو توزيع الأدوار بين الشق المدني والعسكري في مجلس السيادة السوداني، فالأول منوط به التعامل مع ملف سد النهضة الذي أكد الجيش أنه أصبح في حوزة الحكومة بينما يقوم الثاني بالدفاع عن الحدود ضد أي اعتداء.

قد يؤدي تقاطع الملفين مع إثيوبيا إلى صراع خفي بين الجسمين المدني والعسكري لأن لكل منهما طبيعة خاصة، وغير مستبعد حدوث تناقض في آليات الحل بالنسبة إلى ملفي المياه والحدود، ما يجعل الموقف من أديس أبابا متذبذبا، لأن الأزمتين معقدتين، تحتاج تسويتهما إلى التخلي عن بعض المحاذير التي طغت على العلاقة معها في الفترة الماضية.

تفرض انعكاسات التباعد ضرورة التنسيق بين الليونة في ملف السد والحسم في ملف الحدود، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة في كليهما أو أحدهما، فوسط مطالبات داخلية متزايدة تدفع نحو النظر إلى النتائج السلبية لسد النهضة، وأخرى تتشدد في مسألة الحدود مع إثيوبيا أو مصر، ربما تجد الخرطوم نفسها في موقف أكثر ارتباكا، يمنعها من اتخاذ خطوات تضعها في مواجهة جيرانها، في وقت لم تتمكن فيه السلطة الانتقالية من ترتيب الأوضاع الداخلية.

تقود هذه المعادلة السودانية إلى أحد خيارين، الأول تفضيل التسكين في الملفين وتجنب الدخول في صدامات مع أي جهات خارجية والعودة إلى المربع السابق، والثاني خروج ضبط النفس في أزمة الحدود الجديدة عن السيطرة، واتخاذها مدخلا لإعادة تموضع الخرطوم في ملف سد النهضة بتفعيل الوساطة أو الانحياز إلى مصر من منطلق درء الخسائر السودانية، شريطة التفاهم بين الجناح العسكري والمدني.