fbpx
سلطان الأباريق

كتب الدكتور/ علي ناصر اليافعي*
ان سلطان الاباريق هو عنوان لقصة وممكن لأي احد ان يجدها على الشبكة العنكبوتية وقد حاولت ان اعيد صياغتها بطريقتي مع اسقاطها على واقعنا الذي نعيشه اليوم في المجتمعات العربية وخصوصا مجتمعنا اليمني, وتقول القصة انه كان هناك رجلا يعمل في احد الأماكن مشرفا على حمامات عمومية وكانت وظيفته تقتصر على ملئ الاباريق بالماء كلما يأتي شخص ليقضي حاجته يعطى له ابريقا مملوء بالماء, ومن ثم يعيده لذلك السلطان كي يعيد ملؤه بالماء للشخص التالي, وهكذا.
وبسبب الاختلاف في الطبائع والنفسيات لمرتادي تلك الحمامات وايضا الضرورة فهي تجبر البعض على ان يتصرف تصرفا غير اعتيادية, وهو ما فعله احدهم حيث كان مستعجلا جدا وقام بخطف احد الاباريق وانطلق مسرعا باتجاه دورة المياه ولم ينتظر في الطابور حتى يحين دوره, وما كان من ذلك السلطان الا ان صرخ فيه بصوت عالي يملؤه الغضب وامره بان يعود اليه على الفور, فاذعن اليه وحينها امره السلطان بان يترك ذلك الابريق الذي في يده وان يأخذ ابريقا اخر كان بجوار ذلك الابريق, ولان الرجل عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ أَمْرِهِ , فقد اخذه دون ان يناقش سلطان الاباريق, وحين قضى حاجته عاد له على رواقه ليناقشه فقد تبادرت الى ذهنه عدد من الاسئلة وهو في الحمام ليسال السلطان, ما هو الفرق بين الابريق الذي كنت قد اخذته وهذا الاخر الذي امرتني ان اخذه, فكلاهما يحملان نفس اللون ونفس الحجم ويحويان نفس الكمية من الماء ايضا, فقال له ذلك السلطان متعجبا: اذن ماهي وظيفتي هنا؟!.
انتهت القصة ولكن اثرها لم ينتهي فلدينا في واقعنا الكثير من اولئك السلاطين, فهم موجودين بيننا في جميع المؤسسات والذي اصبحنا نقابلهم يوميا حتى عند انجاز ابسط الضروريات, فالكثير منهم يريد ان يشعرنا بأهميته حيث يأمر وينهي ويعقد امور قد لا تحتاج الى كل تلك التعقيدات وذلك من اجل ايهامنا بانهم مهمون, وسأضع بين ايديكم بعضا من تلك الامور التي يتحكم فيها بعض سلاطين الاباريق وهي كالتالي:
• كم مره تعرقلت معاملتك واضطررت الانتظار لساعات طوال وذلك بسبب تبادل الموظفون احاديث جانبية والتي قد تستهلك كثير من وقتهم مثل الحديث عن مباريات كرة القدم او احدث الموضات او مستحضرات التجميل التي نزلت في احد المحلات او المعارض او المشاجرة التي حدثت في الدور الثاني في الشقة التي بجانب شقة احدهم… الخ.
• كم مره انتظرت لساعات طوال أولئك الموظفين حتى ينتهوا من تناول فطورهم على رواقه او اعدادهم لفناجين الشاي او النسكافيه المفضل لديهم.
• كم مره اجبرت على الحضور الى المؤسسة مرارا وتكرارا وانت تبحث على ذلك المسؤول (دائم الغياب) من اجل توقيع معاملة ما او ان يختم عليها.
• كم مره انتظرت في طابور طويل لساعات وعندما يحين دورك قد تفاجأ بنفاذ ذلك الشيء الذي وقفت في الطابور من اجله او ان الدوام قد انتهى, لتعيد نفس المعاناة في اليوم التالي.
• كم مره اضطررت لتحمل مزاج وتصرفات ذلك الموظف ومماطلته لك خشية الايذاء او ان تعلق او تأخر اجراءات معاملتك او ان تخسرها بالكلية.
• كم مره تعرقلت معاملتك من قبل موظف بسبب تصرف عفوي منك وصار يبحث عن ثغرات ما لرفضها نهائيا وتلك الثغرات قد لا تستدعي العرقلة بالإضافة الى ان مثل هكذا ثغرات قد يتم التغاضي عنها مع اناس اخرين.
• كم مره تقابلت مع شخص سيئ المزاج حيث ينقل مشاكله الأسرية وتوتره العصبي الى مكان عمله فيكون مثلا معه مشكله في البيت, وتجده يصب جام غضبه عليك ويكيل لك السباب والشتائم الممزوجة بأسوأ الإهانات وأسوأ التجريح ويفرغ عليك كل تلك الشحنات وليس لك ذنب سوى انك كنت في فوهة المدفع, لمجرد سؤال بسيط منك او لعدم انتباهك او سماعك له وهو يكلمك.
• كم مره طال انتظارك وانت تريد مقابلة مسؤول ما من اجل ان تنجز معاملاتك وبابه موصود بحجة انه عنده لقاء مع صديقه الذي لم يلتقي به منذ زمن (فلم يجدا مكان افضل من المكتب ليلتقيا فيه واثناء الدوام الرسمي ايضا).
• كم مره لاحظت ان رئيسك في العمل يحفظ كل اخفاقاتك وعثراتك البسيطة والغير مقصودة في العمل ويذكرك فيها ليل نهار ولا تجده يشيد ولو حتى بكلمة شكر بآيا من الجهود التي تبذلها في المؤسسة والتي قد ربما اصبحت همك وشغلك الشاغل حتى وانت في البيت لم تعطي اهلك ربع من تلك الاهتمامات التي توليها للمؤسسة وصرت تعمل في البيت ومرفق العمل.
• كم مرة تعرضت لمضايقات من رئيس عملك او من زملائك واضطررت الى ترك ذلك العمل وليس لأنك مقصر في ادائك للمهام ولكن لأنك شخص ناجح في عملك (خوفا من نجاحك).
• كم مره عوقبت لأنك تشتغل صح واردت ارساء قواعد النظام داخل المؤسسة وتريد تطبيق تلك القواعد على الجميع, وتحب ان يعامل الكل سواسية داخل المؤسسة.
• كم مره عوقبت على خطاء بان يتم تطبيق ضدك كل نصوص القوانين واللوائح بحذافيرها بينما هناك اناس يتم التغاضي عنهم وبالرغم من ان اخطائهم اكثر فداحة من خطاءك ولكنهم ربما لانهم يجيدون لعبة مجاملة رئيسهم وانت لا تجيد ذلك.
• كم مره تم احتكارك من قبل ذلك التاجر الذي يريد بيع ببضاعته بسعر مرتفع وانت مجبر على شرائها , فاذا كان التجار في الجاهلية يحضرون البضائع من الشام او اليمن وبالرغم انهم قد يقطعوا المسافات الطوال في الذهاب والعودة ليبيعوها بنفس السعر ونحن في بلادنا يقوم التاجر بإحضار البضاعة من الحارة المجاورة وكل يوم ولهم زياده جديده في الاسعار.
• وكم مره طلب منك تاجر عدم التنقية من البضاعة ويريد اجبارك على شراء بضاعه فاسده مثل الفواكه والخضروات وغيرها والتي كان يفترض بها ان تكون في مكب النفايات.
والقائمة تطول, والسؤال موجه اليك عزيزي القارئ: فهل انت سلطان اباريق؟, بمعنى هل توجد فيك ايا من الصفات التي ذكرت انفا؟, فان وجدت فيك فنرجو ان تتقى الله وتعود الى رشدك فرسولنا الاعظم يقول في الحديث الذي رواه مسلم (اللهُمَّ مَنْ ولِي من أمْرِ أُمَّتِي شيئًا فَشَقَّ عليهم فاشْقُقْ علَيهِ ، ومَنْ ولِيَ من أمرِ أُمَّتِي شيئًا فَرَفَقَ بِهمْ فارْفُقْ بِهِ), ونحن بدورنا نقول هذا الدعاء اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِنا شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْنا فأشقق عَلَيْهِ وانتَقِم لنا مِنْه، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِنا شَيْئًا فَرَفَقَ بِنا فَارْفُقْ بِهِ واجزه عنّا خير الجزاء.. اللهم امين.
*باحث اختصاصي الأحياء الدقيقة الجزيئية والتشخيصية -معهد البحوث الطبية –جامعة الاسكندرية