fbpx
اللقاح والمصل والدواء !

كتب الدكتور/علي ناصر اليافعي
في كل لحظة وجسم الانسان في صراع مستمر مع الميكروبات في البيئة المحيطة به وفي غالب الاحيان فهذه المعركة تحسم لصالح الانسان ولا نشعر بتلك المعارك الا عندما يصاب ذلك الانسان بالمرض و نتكلم هنا عن الامراض التي سببها الميكروبات او ما تسمى بالعدوى الميكروبية Microbial infections.

فتبارك الله احسن الخالقين فقد زود الانسان بجهاز مناعي يمكنه من الدفاع ضد السموم والاجسام الغريبة ومنها الميكروبات الغازية التي تحاول ان تدخل جسم الانسان, وهذه المناعة قد تكون طبيعية innate immunity وغير متخصصة non-specific اي انها ممكن تدافع ضد اي ميكروب يحاول الاختراق, فوجود طبقة جلد الانسان السميكة تمنع الكثير من الميكروبات من النفاذ الى داخل الجسم, بالإضافة الى الاحماض الدهنية والعرق التي من شانها ان تقتل او توقف الميكروبات وعمليات اخرى مثل الطراش والاسهال والعطاس و الكحة والخروج السريع للدموع والبول قد تطرد كثير من الميكروبات خارج الجسم والرمش السريع للعينين ووجود الشمع في الاذن والشعر في الانف قد يعرقل دخول الميكروبات ايضا, كما ان حمض الهيدروكلوريك وبعض انواع الانزيمات في الجهاز المعوي وارتفاع درجة حرارة الجسم (الحمى) قد تقتل كثير من الميكروبات,

بالإضافة الى وجود عدد من البروتينات في كثير من الافرازات وسوائل الجسم والتغير في الاس الهيدروجيني في افرازات المهبل والبول قد تساهم في قتل الميكروبات, ولا ننسى دور بعض انواع الميكروبات او الفلورا الطبيعية Normal flora التي قد تتنافس مع تلك الممرضة على المكان والغذاء وخصوصا في اماكن معينه من جسم الانسان مثل الفم والانف والحنجرة والجلد والامعاء والجهاز التناسلي الانثوي حيث ان هناك ايضا اعضاء معقمه في جسم الانسان ولا توجد فيها تلك الفلورا الطبيعية ومنها الدم وسائل النخاع والاعضاء الداخلية الاخرى. كما ان هناك خلايا بالعة واخرى غير بالعة قد تدافع اذا ما اخترق الخط الاول من الدفاع الذي تم ذكره انفا, وهذا النوع من المناعة تكون مباشره وبشكل سريع.

بينما النوع الاخر من المناعة فهي المناعة المكتسبة acquired immunity او المتخصص specific وقد تحتاج احيانا ايام حتى تساهم في الدفاع وهي تدافع ضد ميكروب معين (خاص) حيث انه عند دخول الميكروب الى الجسم بعد اختراقه للدفاعات يأخذ بواسطة بعض انواع من الخلايا تسمى الخَلِايا المُقَدِّمَةٌ للمُسْتَضِد Antigen presenting cells ليتم تقديم اجزاء منه بعد عملية معقده الى خليه تسمى الخلية اللمفية التائية T-Lymphocyte (T cell) او CD4 حيث يتم التواصل ما بين تلك الخلايا عبر افراز لأنواع معينة من الاشارات او البروتينات تسمى السيتوكينات cytokines حيث ان الخلية اللمفية التائية تتحفز وتبدا بتحفيز خلايا اخرى منها الخلية اللمفية البائية B-Lymphocyte (B-cell) التي تنتج الاجسام المضادة Antibodies, بعد تحولها الى الخلية البلازمية plasma cell والاجسام المضادة هي متخصصة ضد الميكروبات التي يمكن ان تتواجد خارج الخلاياextracellular , كما ان خلايا تائية اخرى يتم تحفيزها وهي خلايا تسمى الخلايا التائية السامة للخلايا cytotoxic T cellsاو ( CD8) وهذه بدورها تدافع ضد الميكروبات التي تفضل العيش داخل الخلايا intracellular مثل الفيروسات.

بالإضافة الى خلايا الذاكرة Memory cells التي ستتذكر فيما اذا عاود نفس الميكروب هجومه مرة اخرى ليتم التعامل معه بشكل اسرع. وهناك اليات وطرق للجهاز المناعي في الدفاع لا حصر لها ولازال الانسان يجهل الكثير عن هذا الجهاز البالغ التعقيد. وانا هنا لا اعطي محاضرة في علم المناعة ولكن كي يتسنى لنا ان نفهم المعنى للقاح والمصل والدواء.

ان اللقاح vaccine هو عباره عن ميكروبا حيا يتم تضعيفه او ميتا او اجزاء او تراكيب معينه من ذلك الميكروب ليتم اعطاءه للإنسان السليم, وذلك لاستثارة الجهاز المناعي لديه وحثه على انتاج الاجسام المضادة بنفس الالية التي تعرفنا عليها في المناعة المكتسبة ليكون جاهزا ليدافع فيما اذا ما صيب الشخص بذلك الميكروب وهذه العملية اشبه الى حد ما بما يحدث من تدريبات في الجيش بحيث يتم تدريب الجندي على استخدام المعدات العسكرية وخلق عدو وهمي ومناورات بحيث يعتاد عليها ويكون قادرا فيما بعد على التعامل مع العدو الحقيقي. بمعنى ان اللقاح يعطى للشخص السليم او الصحيح المعافى والذي لم تظهر عليه اعراض المرض بعد وليس الشخص المريض, بهدف وقايته من ذلك الميكروب قبل وصوله الى الجسم.

واللقاحات عرفت لأول مره بالشكل الذي نعرفها بها اليوم من قبل العالم إدوارد جينر Edward Jenner’s ، في نهاية القرن الثامن عشر, حيث لاحظ أن الأشخاص الذين هم على اتصال بالأبقار المصابات بجدري البقر لم يصابوا بالجدري Smallpox، ومن هنا بدأت فكرة استخدام الفيروس المسبب لجدري البقر كلقاح للأشخاص، وذلك لحمايتهم ضد الجدري البشري.

وليس كل الميكروبات توجد لها لقاحات فحتى اللحظة وجدت اللقاحات للوقاية من انواع معينة من البكتيريا و الفيروسات, بينما لا توجد لقاحات معتمدة ضد الفطريات والطفيليات ولازالت الدراسات والابحاث جارية على قدم وساق في المحاولة لإنتاج لقاحات لبقية الانواع من الميكروبات, حيث انه التركيب المعقد للميكروب بإضافة الى التغير المستمر في خواص بعض انواع الميكروبات هي ما يعقد عملية انتاج لقاح فعال ضدها.
اما المصل Serum فهو الجزء السائل من الدم الخالي من الخلايا والذي قد يحوي اجسام مضادة ضد ميكروب معين ويتم اخذه من شخص اصيب بالميكروب وتعافى منه او احيانا تأخذ من حيوانات بعد فترة قصيره من حقنها بالميكروب. وهذه الاجسام المضادة يتم انتاجها ايضا بنفس الالية التي تم ايضاحها في المناعة المكتسبة.

اما العلاج او الدواء Drug الذي يستخدم ضد الميكروبات (المضادات الميكروبية Antimicrobials) فهو عبارة عن مواد كيمائية تنتج بواسطة ميكروبات او يتم تعديلها او تخليقها معمليا لتعطى للشخص المريض بتركيز مناسب وذلك بهدف قتل ذلك الميكروب او توقيف نموه. بحيث يمكن لذلك المضاد ان يستهدف تراكيب في الميكروب لا توجد في جسم الانسان وان وجدت فيكون تركيبها مختلفا عن ما هو موجود في الانسان, حتى يساهم ذلك الدواء في قتل الميكروب دون التأثير على خلايا الانسان. ولان الخلية البكتيرية تختلف كثيرا عن خلايا الانسان لذلك نجد ان هناك انواع كثير من المضادات البكتيرية (المضادات الحيوية Antibiotics), بينما الفطريات وبسبب تشابها الكبير مع خلايا الانسان فان المضادات الفطرية antifungals عددها قليل مقارنة مع المضادات البكتيرية. والمضادات الميكروبية تعطى للشخص المريض وفي بعض الاحيان ممكن تعطى كوقاية للشخص السليم قبل اجراء بعض انواع من العمليات او عندما يسافر الشخص الى مناطق موبوءة بأمراض معينة مثل مرض الملاريا.

وحتى اللحظة لازالت التجارب مستمرة وهناك سباق محموم بين كثير من الدول المتطورة في المحاولة لإنتاج علاج او لقاح للفيروس التاجي (كورونا) Coronavirus المستجد (كوفيد19 COVID), ونسال الله تعالى ان تتكلل تلك المحاولات بالنجاح في اسرع وقت ممكن حتى يتم انقاذ الامة من هذا الكابوس المرعب والذي اصبح بسببه اكثر من مليار شخصي محبوسون في منازلهم….ونسال الله تعالى ان يجنبنا واوطاننا كل وباء وبلاء… اللهم امين.
الباحث علي ناصر محمد جبران اليافعي
اختصاصي الاحياء الدقيقة الجزيئية والتشخيصية -معهد البحوث الطبية –جامعة الاسكندرية