fbpx
من مدخل الدين والمساعدات.. قطر تتمدد في مدغشقر
شارك الخبر

يافع نيوز ـ العرب

لم تترك قطر دولة في أفريقيا تستطيع الوصول إليها عبر أذرعها الأخطبوطية وتوقفت أو ترددت في ذلك، فقد وضعت نصب عينيها الاهتمام بالمناطق النائية والبكر كي تتحكم في وضع القواعد التي تتحصل من ورائها على مكاسب مختلفة تخدم أجندتها الخاصة المتحالفة مع المتشددين، ولا تلفت الانتباه لتحركاتها لتتمكن من تثبيت أقدامها بعيدا عن الآخرين.

تتبنى الدوحة خططا متباينة، وتحرص على التنوع لتحقيق مآربها، وتنخرط في الصراعات الملتهبة وفي أماكن الهدوء، وتقدم دعما سخيا لبعض الحكومات ولا تتورع عن مساندة التنظيمات المتطرفة واحتضان العديد منها. وهو ما كشفته الكثير من التقارير الدولية التي دفعتها إلى اتخاذ قدر من الحذر لتتمكن من تمرير أهدافها.

لم تتخيل بعض الدوائر أن يصل بصرها إلى دولة مثل مدغشقر، الجزيرة الأفريقية النائية والمطلة على المحيط الهندي، لتعيد على أراضيها ممارسة هوايتها وشغفها في التأثير على صناعة القرار بما يخدم توجهات تخفي أكثر مما تظهر في جميع المقاربات السياسية.

وتحوّلت الدولة الملقبة بجزيرة الفانيليا في العقد الأخير إلى مطمع لقطر، وبدأت تخرج من كبوتها الاقتصادية وظهرت بوادر ثروة نفطية كبيرة، تريد الدوحة أن يكون لها نصيب في تسخيرها لصالحها قبل أن تسبقها دول منافسة، وتمكنت من وضع أقدامها في بعض المفاصل المهمة في بعض الهياكل الرسمية للدولة التي قد تمكنها من التسلل لدول قريبة منها.

بدأت الدوحة، في ضخ الكثير من الأموال تحت بنود المساعدات والمنح عبر جمعيات مشتركة، مثل وكالة “ضمان الاستثمار متعدد الأطراف” ومؤسسة “التمويل الدولية”، وهما مؤسستان تحصلان على دعم سنوي من صندوق قطر السيادي. وكان آخر وسائل الدعم، توفير دعم كبير لجمعيات دينية بعينها تحت بند المنح المقدمة لعديد من الأسر التي عانت من الفيضان في يناير الماضي بالعاصمة أنتاناناريفو.

ودخلت الدوحة متخفية خلف ستار شركة “أو.أم.في” النمساوية، ونجحت في الفوز بحقوق استخراج النفط في أكثر من 15 موقعا بريا وبحريا في مناطق غنية بالنفط مثل توليارا وتوماسينا، على المحيط الهندي، والواعدة من حيث الكميات المتوقع استخراجها منها.

وقبل ذلك وقّعت قطر مع الحكومة في مدغشقر العام الماضي اتفاق احتكار غير رسمي لسيطرة الطيران القطري على الخطوط الجوية العابرة لأراضي مدغشقر، والتي تعد محطة “ترانزيت” رئيسية لدول آسيا المتجهة إلى الشرق والجنوب الأفريقي، ما يساعدها على فرض سيطرة كبيرة على بعض خطوط التجارة والنقل في منطقة البحيرات العظمى ودول الشطر الجنوبي من أفريقيا.

بالتوازي مع الجهود المبذولة للهيمنة على الاقتصاد، كثفت الدوحة لقاءاتها مع المسؤولين في مدغشقر، مستغلة صعود نظام سياسي جديد بعد فوز الرئيس الشاب أندري نيرينا راجولينا بالانتخابات العام الماضي.

وقال أستاذ السياسة الدولية بجامعة القاهرة، مصطفى رجب في تصريح خاص لـ”العرب”، إن المخطط القطري عموما يستهدف السيطرة على مداخل القارة الطبيعية، والدوحة اختارت دولة رئيسية في كل إقليم من أقاليم أفريقيا لتكون مركزا لها للتمدد نحو الداخل، حيث برز دورها في الصومال ورواندا ونيجيريا ومالي، وأخيرا مدغشقر ذات البعد الحيوي من خلال الاهتمام بالجالية المسلمة هناك، والبالغ عددها حوالي 9 في المئة من عدد السكان، والمتمركزة في شرق وجنوب مدغشقر.

تبدو مهمة الدوحة أسهل في مد نفوذها الديني أكثر مع طبيعة الجزيرة التي يعتنق أغلب سكانها العديد من الديانات القديمة والمختلفة، ويمزج البعض بين عدة أديان معا، وتفرض نظاما صارما يمنع التقسيم السياسي أو الإداري حسب الطوائف والأديان، ما يسمح بحرية عقيدة أوسع ورقابة أقل.

في هذه البيئة تستطيع قطر التمدد عبر سلاح المساعدات الخيرية، التي يرافقها غالبا دعاة إسلاميون بذريعة نشر الدعوة هناك، وهم في حقيقة الأمر يوظفون ذلك لتتحول المساعدات إلى وسيلة لجذب المريدين، ثم تتسع حلقة هؤلاء بما يمثل كتلة حرجة قادرة على التوسع والانتشار في أماكن مختلفة.

وأكد مصطفى رجب، أن خطورة هذا التوغل من قبل قطر أن مسألة الدين في غالبية الدول الأفريقية لا تخضع لرقابة، ما يفتح المجال أمام الدوحة لبث أفكار متشددة تخدم سياساتها، وهو الدور الذي برعت فيه في جميع الدول المعروف أنها مليئة بالتنظيمات المتطرفة وتتلقى دعما من قطر، فلم تضبط أنها تحتضن جماعات لديها أفكارا معتدلة أو ذات مشروع وطني يحرض على الوحدة وينبذ التعصب والتفرقة.

وتستغل الدوحة الامتداد العربي التاريخي في الجزيرة لأكثر من 14 قرنا، ويظهر ذلك لدى قبائل الإنتينوسي والانتيمبوهاكا والانتيمور والانتيساكا التي تتواجد بمناطق في الجنوب وجنوب شرق الجزيرة، ولها وزن نسبي في المجتمع.

وتعتمد قطر على ضخ الأموال وتعزيز الروابط الدينية وتقوية العلاقات الرسمية. وتتشابك الركائز الثلاث بصورة تجعل المسألة تسير بنسق مشترك وبراغماتية عالية، وتسعى إلى عدم الفصل بين أضلاع هذا المثلث، والذي يتكامل في النهاية عند محطات بعينها.

وسوم