fbpx
أسرار صناعة الذئاب المنفردة.. أوراق استخباراتية وموسوعات علمية
شارك الخبر

يافع نيوز ـ العرب

تشهد المحكمة الجنائية أولد بيلي، في لندن، محاكمة صفية الشيخ، وهي عضوة بتنظيم داعش، اعترفت بتخطيطها لتفجير كاتدرائية سانت بول في لندن، بعد الإيقاع بها عبر ضابطين سريين حاولت الاستعانة بهما لدعمها في الحصول على متفجرات لتنفيذ عمليتها.

وحسب المعلن من التحقيقات لم يسبق لصفية الشيخ، واسمها ميشيل رامسدن قبل اعتناقها الإسلام، أن التحقت بأي من معسكرات داعش أو تلقت توجيهات عبر وسيط في بلادها، بل كانت شبكة المعلومات الدولية كافية لتأهيلها للتخطيط وبدء البحث عن وسائل التنفيذ.

تأتي هذه القضية في توقيت تزايد فيه الحديث عن توحش الذئاب المنفردة التابعة لتنظيم داعش، باعتبارها الوسيلة الأبسط التي يمكن من خلالها إعلان تمدد التنظيم والبقاء على ثباته بعد مقتل زعيمه أبوبكر البغدادي في أكتوبر من العام الماضي، وتكبد التنظيم خسائر متلاحقة في سوريا والعراق.

ورغم أن القضية في بريطانيا إلا أن ملف الذئاب المنفردة لا يختلف في تهديده من مجتمع إلى آخر حيث الخطر نفسه ومنهج التجنيد متشابه، الأمر الذي يطرح أسئلة حول كيفية تأهيل هؤلاء المجندين عن بعد ليكونوا أداة يعتمد عليها التنظيم رغم عدم مبايعتهم بشكل مباشر للقادة، أو خضوعهم للتأهيل داخل المعسكرات التابعة له.

حاولت البحث عن إجابات عبر ذئاب منفردة تقبع داخل السجون المصرية ولا تزال تعلن الولاء لتنظيم داعش، وتقر بما فعلت داخل أروقة عنابر وزنازين السجن باعتباره “جهادا مقدسا”، لكنها تنفي ذلك في محاضر تحقيقات النيابة وداخل قاعات المحاكم. بعضهم سبق لي معرفته وأهله.

من هؤلاء من لم يرتد مسجدا إلا قسرا بسبب ضغط والديه. وأحدهم اشتهر عنه تحرشه بفتيات المدارس الثانوية أثناء توصيلهن بسيارته للأجرة. ومنهم من يمثل النموذج التقليدي لإرهابي يؤمن إيمانا قطعيا أن كل من لا يشاركه أفكاره فهو كافر، ويرى في القتل أداة للتقرب إلى الله، وبوابة لدخول الجنة.

وجميعهم لم يغادروا مصر أو يلتحقوا بمعسكرات تدريب، بل كانوا عصاميي التأهيل، دربوا أنفسهم ومولوا وخططوا لعملياتهم ونفذوها، واكتفوا برسالة عبر مواقع تواصل التنظيم تفيد بتوجههم للقيام بالعملية ليعلن التنظيم بعدها أنه المسؤول.

تلك الذئاب المنفردة لم تروضها جدران السجون. فأحدهم يستيقظ كل صباح ليصرخ بأعلى صوته “باقية وتتمدد”، متحملا سباب المحتجزين له. وآخرون قاموا بمحاولات قتل واعتداء على مسجونين غير تابعين للتنظيم، ومنهم من سعى من داخل السجن إلى تجنيد ذئاب آخرين.

موسوعات وتدريبات

بغضّ النظر عن الخلفية الفكرية للشخص المستهدف تحويله إلى ذئب منفرد، فتلك المحاولات شكلت فرصة للحصول على المنهاج الكامل الذي يتأهل من خلاله الذئب المنفرد بأي مكان في العالم، حيث لا يقتصر المحتوى على دولة بعينها أو أهداف محددة بل مواد يمكن اعتبارها صالحة لكل زمان ومكان، باستثناء أوراق إضافية محددة خاصة باستهداف دول الخليج العربي ومصر، تحمل عنوان “الطرق اليسيرة في استهداف مرتدّي الجزيرة”، ومُبرر ذلك أن لها “وضعية خاصة في القمع حسب توصيف الأوراق التنظيمية”.

وعلى عكس الشائع فإن المحتوى الشرعي في منهاج الذئاب المنفردة لا يُمثِّل إلا الجزء الأصغر من إجمالي المحتوى، ممثلا في مقررات خاصة بالفقه والعقيدة والتوحيد، تدرّس داخل معسكرات داعش ومدارسه، ويتم نقلها للذئب المنفرد عبر شبكة الإنترنت، بما يُمكنه من التعايش مع ساحة المعارك بكتائبه.

أما المحتوى الأكبر فيتمثل في دراسات عسكرية وترجمات لتقارير واستراتيجيات أمنية، أنتجتها أجهزة أمن قومي رسمية مُتعددة الجنسيات، وتحصّل التنظيم على نسخ منها، إضافة إلى موسوعات تنظيمية في فنون القتل وتصنيع الأسلحة، تمثل في مجملها تأهيلا فنيا للذئب المنفرد قبل إطلاقه.

يتلقى هذا الذئب بالتوازي دراسات معمقة حول طبيعة الأجهزة الأمنية وآليات عملها وسمات عناصرها، ثم أدوات اختراقها وتجاوز تدابيرها. وتبدأ بدراسة استراتيجية مكافحة التمرد الأميركية التي قام بوضعها جهاز الأمن القومي الأميركي عقب أحداث 11 سبتمبر، لمواجهة التنظيمات المتطرفة.

ووفقا لوصف التنظيم، إنها “الاستراتيجية التي تعتمد عليها أغلب الدول في مواجهته وتعد دراستها مفيدة في أمرين؛ أولهما تجاوز خطط المواجهة بإعداد خطط مضادة، وثانيهما تنفيذ آليات مكافحة التمرد لكن بصورة عكسية باعتبار التنظيم هو صاحب الأرض والدولة هي الجناح المتمرد”. ومعها يدرس توصيات مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي للعملاء حول الأمان الشخصي، ومنهاج البقاء في الظروف الصعبة وهو الترجمة التنظيمية لكتاب US Army Survival Manual، وهو من إعداد وزارة الدفاع الأميركية.

وفي ما يرتبط بالمحتوى الذي يُنتجه التنظيم لأعضائه وذئابه المنفردة، تم إعداد موسوعات مُتخصصة، منها “موسوعة الجهاد”، وفيها استعراض لكل الوسائل الممكنة للذئب المنفرد بما يؤدي إلى “إحداث قلق داخل أرض العدو المقيم بها”، حسب الوصف التنظيمي، ومنها الجهاد الإلكتروني وجهاد الحرائق واختراق أمن المطارات ووسائل استنزاف الموارد الاقتصادية، وصولاً إلى القتل والعمليات التفجيرية. ولكل وسيلة موسوعة مختصة بها تفصل أدواتها وفنونها المتعددة.

في “موسوعة القتل” يتم تفصيل كل الطرق والوسائل لإزهاق الروح ابتداء من الوسائل التي “تبدو لمختصي الأدلة الجنائية حوادث انتحار”، بما يضمن أن يعود الذئب المنفرد ويكرر جريمته دون تنبّه الأجهزة الأمنية لكونه عملا إرهابيا، ولكل وسيلة قتل تشرحها الموسوعة توصيف للأشخاص الأنسب لاغتيالهم.

كذلك تشرح “موسوعة المتفجرات” كل أداة يمكن استخدامها في صنع شيء قابل للانفجار، أيا كان المستوى المادي للمتلقي، فبعضها بحسب الشرح التنظيمي، لا يلزم إعداده أكثر من أدوات متاحة داخل مطبخ كل بيت. وللمتفجرات الأكثر تطورا ملحق خاص يشمل طرق الحصول عليها من تجار السلاح وعصابات المافيا والضباط الفاسدين، إضافة إلى فنون التفجير عن قرب أو عن بعد أو بواسطة الحزام الناسف، مع شرح كل متفجر وصف للمكان الأنسب لزراعته فيه، وتقدير نسبي لعدد القتلى المتوقع جراء حدوثه.

كما تشرح “موسوعة السلاح” أنواع الأسلحة التي تستخدمها الأجهزة الأمنية المختلفة وجيوش الدول وشركات الجنود المرتزقة، مقدمة تفصيلا لكيفية استخدام كل سلاح في حال استطاع الذئب المنفرد “اغتنامه” والحصول عليه وكذلك كيفية مواجهة كل سلاح. وتصل الموسوعة بشمول شرحها إلى كيفية مواجهة “ناقلات الجند والطائرات المسيرة والصواريخ”، مُحددة البلدان والأجهزة التي تستخدم كل سلاح منها، مع شرح مفصل لوسائل صنع أسلحة مختلفة يمكن إعدادها بالمنزل، أو داخل مكان بسيط مجهز للتصنيع، بداية من كيفية تجهيز مكان التصنيع حتى بدء إنتاجه.

من أوراق الذئاب المنفردة ذات الخصوصية، “الموسوعة الأمنية” التي تقدم استعراضا لكيفية عمل الأجهزة الأمنية المختلفة، وآليات التعامل مع كلٍ منها، وطرق كشف عملائها، وتتبع الاتصالات، واختراق شبكات الإنترنت، وأماكن الاختباء وحفظ السلاح والأوراق، وخطة التأمين الذاتي، ثم تتعرض الموسوعة لكيفية قيام الدول بتأمين منشآتها المختلفة وتأمين الاجتماعات والمؤتمرات التي تتم داخل أراضيها. ثم خطط مفصلة لاختراقها.

وتختتم الموسوعة باستعراض بأن آليات الاعتقال المختلفة وكيف يمكن للذئب التعامل معها، وفي حال القبض عليه كيف يمكنه الثبات أمام جهات التحقيق عبر استعراض كل وسائل التحقيقات المختلفة في العالم وتوضيح مفصل للتعامل مع كل طريقة منها، بحيث يضمن التنظيم تضليل جهات التحقيق وعدم تداول معلومات حقيقية عنه تُبنى عليها خطط لمواجهته.

يدرس الذئب المنفرد “موسوعة السموم” وفيها شرح تفصيلي لصناعة السموم بأبسط الوسائل من النفايات والتبغ والأدوية، وفي المقابل وسائل التعامل مع السموم حال تعرض لها الذئب، وكذلك فنون صناعة أهم الأدوية التي يحتاجها في حال الحصار وأبرزها الأدوية المهدئة والمسكنات.

وللبحث الجنائي والطب الشرعي موسوعة خاصة هي “العمل الجنائي”، وعبرها يتم تدريب الذئب المنفرد على محو الأدلة لتأمينه، ولتعقيد تتبع الأدلة في حال وقع بيد السلطات الأمنية، بحيث تبقى الأدلة غير كافية لإثبات جريمته بما يضمن ثباته أمام جهات التحقيق وتبرئته.

تضم كل الموسوعات الرقمية الموجهة لتأهيل الذئب المنفرد صورا تفصيلية ومقاطع فيديو تضمن الوصول التام للمعلومة مما يؤهل دقة التنفيذ، وحتى يتمكن الذئب المنفرد من الانطلاق في الاتجاه الذي اختار تنفيذ عمليته فيه، لا بد من ضمان تأهيله بدنيا لذلك، وهو ما لم يغفله التنظيم في “موسوعة إعداد بدني” تبدأ بالتمارين البسيطة وصولا إلى تمارين الرياضات العنيفة والتدريبات البدنية الخاصة التي يخضع لها ضباط الأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة.

في النهاية، يضع المنهج متلقيه في حالة تعايش مع أرض المعركة حتى لو كان في مكان مغلق ويتواجد فيه وحده ويغوي دوافع عنف وإحباط ورغبات في الانتقام، وحتى رغبات الانتحار المكبوتة داخل بعض النفوس اليائسة بتحويلها إلى “عملية استشهادية” يضمن منفذها الخلاص من الدنيا دون انتحار يضعه في دائرة الكفر بعد الموت حسبما يؤمن، وجنة وحور عين.

يُعيد المنهج الذي يحصل عليه كل ذئب منفرد صياغة شخصية صاحبه بما يؤهله لأن يتحول إلى أداة تدمير وقتل، يمارس جرائمه باعتبارها فعلا روتينيا يمكنه القيام به وتكراره بكل بساطة. وبحسب المنهج الشرعي، فإن تراخيه عن القيام بهذا الروتين الذي أعدّ له خطيئة تصل حد الكفر حال التخلي عنه، و”ما دام المجاهد لا يمكنه الالتحاق بأرض المعركة المفتوحة لكتائب تنظيم الدولة فإن واجبه هو القيام بالعمليات الفردية في أرض العدو”.

يخاطب المنهج عبر أوراقه كافة أنواع وطاقات الأنفس البشرية المتلقية، فمن لا يقوى على إثارة الفزع عبر عمليات مميتة يمكنه أن يثيره عبر منشورات إلكترونية، أو اختراق قواعد بيانات الدول المعادية للتنظيم، وهي تعني العالم أجمع باستثناء مبايعي البغدادي وأتباعه من بعده، أو يمكنه تجاوز كل الموسوعات والاكتفاء بموسوعة التخريب البسيط، وهي أوراق تحمل عنوان “النجم الهادي في تخذيل الأعادي”.

وتضم أبسط الوسائل الممكنة لإثارة الفزع وإلهاء الأجهزة الأمنية وتضليلها، ووسائل دعم المقاتلين في ساحات المعارك أو الذئاب المستعدة للانطلاق في عملية كبيرة لا تملك أدوات تجهيزها وليست على اتصال بأحد رؤوس التنظيم، فقط تتلقى عن بعد أو لديها وسائل اتصال لكن الإجراءات الأمنية تمنعها مما يجعلها بحاجة إلى معين يتشارك معها نفس الأفكار داخل القطر ولا يثير الشكوك.

بالتالي يكون الذئب المنفرد قد خضع لمعسكر تأهيلي أعده ونفذه بنفسه متبعا دليلا فضفاضا لفنون العمل الإرهابي، اختار منه ما يتوافق معه دون حاجته إلى التخلي عن أي شيء من المكاسب داخل وطنه والانتقال للحياة داخل ساحات معارك ودون أن يلفت إليه الأنظار، من المحيطين به أو من الأجهزة الأمنية، وتصله نشرات دورية تخبره بأحدث ما توصلت إليه من وسائل لمواجهته وكيفية تجاوزه لها لتبقى مواجهة الذئاب المنفردة مستمرة وتحتاج إبداعا مختلفا من الأجهزة الأمنية للسيطرة عليها أو حتى تقليل رقع الدم الناتجة عنها.