fbpx
الميكروبات في الحرب والسلم !
شارك الخبر

كتب: علي ناصر محمد جبران اليافعي *

الميكروبات هي عبارة عن كائنات مجهرية دقيقة لا نستطيع رؤيتها بالعين المجردة, فكثير منها له اهمية في حياتنا اليومية فمنها ما يساعد في حماية اجسامنا ضد بعض الميكروبات الممرضة من خلال التنافس معها على الموقع والغذاء كما ان بعضها قد ينتج بعض المواد القاتلة لتلك الميكروبات الغازية ومنها ما يستخدم في انتاج المضادات الحيوية واللقاحات او علاجات اخرى ومنها ما يستخدم في انتاج بعض الانزيمات والهرمونات مثل (هرمون الانسولين وهرمون النمو) والتخلص من بعض النفيات ومنها ما يساعد في انتاج بعض انواع الفيتامينات, كما ان الميكروبات استخدمت ولا زالت تستخدم في انتاج وحفظ بعض انواع الاغذية والمشروبات… وهناك استخدامات لا حصر لها في الصناعات.
وعلى النقيض من ذلك فتوجد الكثير من الميكروبات عندها المقدرة الفتاكة على احداث المرض الذي قد يكون قاتلا للمريض او مقعدا له, ولهذا السبب فقد تم استخدام تلك الكائنات المجهرية في الحروب كأحد الاسلحة التي تسمى بالأسلحة البيولوجية (الجرثومية) Biological weapons. والهدف من استخدامها هو القضاء على الانسان بطريقة مباشرة او بطريقة غير مباشرة من خلال استهدافه اقتصاديا وذلك بالقضاء على الثروة الحيوانية او المحاصيل الزراعية وهي المصدر الذي قد يعتمد عليها في حياته. فبالرغم من استئصال مرض الجدري Small poxفي سبعينيات القرن الماضي وهو ما اكدته منظمة الصحة العالمية في العام 1979م الا ان الفيروس المسبب للمرض لا يزال يزرع في مختبرات بعض من الدول العظمى وذلك لاستخدامه متى سنحت لهم الفرصة بذلك خصوصا وان اللقاح المستخدم ضد الفيروس لم يعد متوفرا في كثير من الدول وحتى وان توفر فلديهم المقدرة على انتاج سلالات جديدا معدلة وراثيا والتي قد لا ينفع معها اللقاح ولا العلاج.

وليست كل الميكروبات الممرضة ممكن تستخدم كأسلحة بيولوجية ولكن هناك انواع معينة , حيث انه لابد من توافر خواص معينة لتلك الكائنات الدقيقة كي تستخدم كأسلحة بيولوجية واهما قدرتها على الفتك والتضاعف بشكل مخيف حيث ان خلية بكتيرية واحدة يمكن ان تتكاثر لتصبح اعدادها تفوق الملايين في بضع ساعات اذا ما توفرت لها الظروف المناسبة, والقابلية على الانتشار, وعدم المقدرة على التنبؤ بالهجوم حيث يمكن أن يحدث دون سابق إنذار, واختراق الإنشاءات و التحصينات مع عدم تدميرها للماديات فهي تستخدم ضد الأفراد فقط دون أي عملية تدمير طبيعية. كما ان بعض البكتيريا عندها المقدرة على انتاج سموم فتاكه قادرة على قتل عدد هائل من البشر في اقل كمية واسرع وقت, ومن هنا فهي لا تقل خطورة عن الاسلحة النووية و فبالرغم من مقدرة الاخيرة على الفتك ولكنها محصورة جغرافيا مقارنة بهذه الاسلحة. ان متطلبات استخدام سلاح جرثومي ليست بالمهمة الصعبة اذ انه لا يحتاج بالضرورة الى تجهيزات معقدة ولا يشترط ان يكون المهاجم (عديم الضمير) عالم صواريخ ، فكل ما يحتاجه هو القليل من الخيال السينمائي ليضع تلك الميكروبات في مصادر مياه الشرب أو غذاء أو فلاتر السجائر او الشيش أو أن يقوم بوضعها في مكيفات الهواء وخصوصا في الاماكن المكتظة, كما ان عملية الحفظ لتلك الميكروبات باستخدام طرق التجفيف او التجميد او الاثنين معا وهو ما يسمى بالتجفيد جعل من الامر اكثر سهولة فهي تحفظ على شكل بودرة لفترات طويلة قد تصل الى اكثر من 20 عام, وهذا ايضا يسهل عملية نقلها من بلد الى اخر وذلك بوضعها على أيا من المقتنيات لتتم اعادة تنميتها بعد المرور عبر بوابات مطارات ومواني البلد المستهدف وهو ما يجعل الدول الاكثر تطورا وتكنولوجيا عاجزة عن كشف او رد هجوما كهذا.
وتوجد انواع من الكائنات الدقيقة المستخدمة لأغراض التسليح الجرثومي وسأذكر هنا بعض الامثلة لما تم استخدامه او يمكن ان تستخدم لا قدر الله مستقبلاً: الفيروسات: وأشهرها فيروس الإيببولا ” Ebola ” وهو من اخطر الفيروسات حيث يعمل حمى نزفية شديدة وغالباً ما تنتهي الإصابة بالوفاة، وفيروس التهاب الدماغ الخيلي الفنزويلي “Venezuelan Equine Encephalitis” والذي يسبب ضرراً شديداً للجهاز العصبي قد ينتهي بوفاة المصاب, وكما صرنا نسمع اليوم عن اكتشاف سلالات جديدة للفيروس التاجي (الكرونا) Coronavirus, في الصين ومقدرتها على الانتشار وشراستها في احداث المرض ,مما قد يسبب الفشل الكامل للجهاز التنفسي ومن ثم الوفاه, وما احدثته من استنفار وخوف وهلع ورعب في العالم اجمع, حيث ان منظّمة الصحّة العالمية أعلنت أنّ الفيروس أصبح يمثّل حالة طوارئ صحّية عالمية وطالبت العالم بالتأهب لمواجهة الفيروس خصوصا بان الفيروس لا يوجد له علاج فعال او لقاح وقائي, والبكتيريا: وأشهرها العصوية الجمرية “Bacillus anthracis” المسببة لمرض الجمرة الخبيثة, واليرسنية الطاعونية “Yersinia pestis” المسببة للطاعون، وضمات الهيضة “Vibrio cholera” المسببة للكوليرا. الريكتسيات: وهي كائنات تعيش داخل الخلية اجباري بشكل طفيلي وبعضها ينتقل عن طريق الحشرات، وأشهرها الريكتسية البرويزكية “Rickettsia prowazekii” المسببة لحمى التيفوس التي أدى انتشارها خلال الحرب العالمية الأولى بشكل غامض إلى وفاة ثلاثة ملايين شخص في شرق أوروبا، والكوكسيلة البورنيتية “Coxiella burnetii” والتي تتمتع بقدرة كبيرة على العدوى مسببة حمى وخلل في أنسجة عضلات القلب، فهي تسبب حمى Q وسميت بهذا الاسم لأنه قبل اكتشاف هذا الميكروب كان العلماء في حيره عند وجود حمى ولم يكشف عن أيا من المسببات للحمى المعروفة في ذلك الوقت فكان عباره عن علامة استفهام Queryوعلى الرغم من عدم خطورتها البالغة على الحياة إلا أن بإمكانها شل جيش كامل, كما ان هناك انواع من الفطريات والطفيليات (الاوليات) يمكن ان تستخدم كأسلحة جرثومية. وتزداد خطورة تلك الكائنات اذا ما تم تعديلها وراثيا عن طريق الهندسة الوراثية بحيث تصبح اكثر فتكاً أو أكثر مقاومةً للمضادات الميكروبية. أما بخصوص السموم التي تنتجها الميكروبات فأشهرها وأكثرها فتكاً على الإطلاق هو سُم البوتولينم Botulinum toxin وهو يتميز بانه سم عديم اللون والرائحة والذي يقدر الخبراء بأن بضع غرامات منه قادرة على إبادة مدينة كاملة إذا ما تم نشره بشكل جيد.

وقد شهد التاريخ البشري استخدام الأسلحة الجرثومية في الحروب منذ زمن بعيد، وسنذكر بعضا من تلك الاحداث ومنها: استخدم الرومان جيف الحيوانات الميتة لتلويث مياه الشرب التي يستخدمها العدو, والتتار قام باستخدام المنجنيق لقذف جثث مصابة بالطاعون إلى داخل حصون أعدائهم في منطقة البحر الأسود, والأسبان قاموا بمخالطة المصابين بأمراض معدية مع السكان المحليين خلال حملاتهم ضد أميركا الجنوبية, والجيش البريطاني نشر وباء الجدري بين الهنود الحمر من خلال مشاركتهم بطانيات لمرضى مصابين بهذا المرض, واليابان قامت بتجارب واسعة النطاق باستخدام أنواعاً مختلفة من الميكروبات إضافة إلى إطلاقها أعداداً هائلة من الجرذان الحاملة للطاعون على سكان احد المدن الصينية, وهجمات الجمرة الخبيثة 2001م في الولايات المتحدة وذلك من خلال أرسال خطابات تحتوي على غبار الجمرة الخبيثة, وفي 2008 اتهم الرئيس الزيمبابوي الحكومة البريطانية باستخدام الكوليرا كسلاح جرثومي أدى إلى مقتل مئات الأشخاص للإطاحة بنظامه.

وبعد معرفتنا بأخطار الميكروبات وقدرتها التدميرية, وجب علينا الى نعرف شيء هام جدا وهو اننا نتعرض يوميا لتلك الميكروبات وذلك من خلال تعاملنا او استخدامنا لأبسط الضروريات في حياتنا, ولكن دون ان نشعر بخطورتها فهناك الكثير من الميكروبات التي تسبب امراض معدية خطيرة وهنا سأذكر بعض الامثلة على سبيل الحصر وهي كالتالي:
• اولا: فيروس العوز المناعي البشري Human immunodeficiency virus الذي يسبب مرض الايدز AIDS وفيروسات التهاب الكبد Hepatitis Viruses من النوع B و C و D و G وغيرها, ممكن ان تنتقل عن طريق نقل الدم الغير سليم او التعرض لسوائل وافرازات المصاب او ممارسة الرذيلة مع اشخاص مصابون بتلك الامراض.

• ثانيا: في كثير من المستشفيات والمرافق الصحية الحكومية منها والخاصة يتم اجراء عدد كبير من العمليات الصغيرة والكبيرة والمجارحة وخلع الاسنان….الخ والادوات المستخدمة ربما لا يتم تعقيمها بشكل صحيح وهو ما سيودي الى نقل كثير من الميكروبات ومنها الفيروسات التي تم ذكرها انفا.
• ثالثا: المرضي الذين يحتاجون الى نقل الدم المتكرر مثل مرضى بعض انواع الانيميا ومرضى الفشل الكلوي وما اكثرهم في بلادنا اليمن قد تنقل لهم بعض الميكروبات المعدية اذا لم يتم التأكد من سلامة الدم قبل نقله او عدم اتباع الطرق الامنة في المعالجة.
• رابعا: النفايات الطبية في بعض المستشفيات قد تحوي مواد ملوثة اشعاعيا او كيمائيا او بيولوجيا واهمها نفايات مزارع المختبرات الجرثومية ولوازمها وإفرازات وانسجة المرضى, والتي ربما يتم التخلص منها دون حرقها, وبسبب الاوضاع التي تعيشها بلادنا اليمن خاصة والبلدان العربية التي ارهقتها الحروب بالإضافة الى غياب الجهات الرقابية في تلك الدول فقد صل الامر الى ان البعض قد يرمي تلك النفايات مباشرة في مكبات القمامة العادية مما يودي الى نشر الاوبة في المجتمع وخصوصا عند مهندسي النظافة واولئك الذين يبحثون عن لقمة عيشهم من خلال جمعهم للخردوات والقناين الفاضية من مكبات القمامة او ممكن وصولها الى ايادي من يسيء استخدامها.
• خامسا: الاستخدام للأقلام والجولات والادوات الشخصية الاخرى اثناء التعامل مع المرضى او الادوات الملوثة داخل المستشفيات او مختبرات الجامعات قد يكون سببا في نقل المرض الى المجتمع, كما صرنا نرى حمى التصوير, والتي اصبحت موضة عند الكثير من الدكاترة حيث يقومون بتصور العمليات التي يجروها لمرضاهم داخل غرق العمليات من اجل اثبات براعتهم للأخرين وذلك باستخدام ذلك الهاتف الذي قد يكون ملوثا بالميكروبات ودون مراعاة لأدنى قواعد السلامة للمريض والتي قد يشكل خطرا على حياة ذلك المريض بعد مغادرته لغرفة العمليات, كما انه قد يشكل خطرا على الطبيب نفسه والناس المخالطون له.
• سادسا: امكان الحجامة والتي تستخدم فيها طرق بدائية (قرن حيوان) او استخدام ادوات غير معقمة وخصوصا في ارياف المجتمعات العربية واليمن خاصة, يمكن ان تنقل الامراض المعدية من شخص الى اخر.
• سابعا: عملية ختان الاطفال, فغالبا ما نجد ان من يقوم بهذا العمل ليس له علاقة بالطب لا من قريب ولا من بعيد وانما هي عند الكثير منهم مهنة يتم توارثها ابا عن جد, بحيث يتم اجراء عملية الختان في العراء ودون استخدام طرق التعقيم الفعالة للأدوات وهذا ما سيجعل الطفل حديث الولادة عرضة للميكروبات من تلك الادوات او تلك الميكروبات التي تتطاير في الهواء, وخصوصا ان جهازه المناعي (الدفاعي) غير مكتمل.
• سابعا: عملية قطع الحبل السري اثناء الولادة سواء كان في المستشفيات او المنازل تتم عادة باستخدام ادوات غير معقمة وهو ما سيكون سببا في انتقال مرض خطير يسمى الكزاز Tetanus,
• ثامنا: عملية تخريم الاذان عند الاطفال الاناث يتم في كثير من الاحيان باستخدام ادوات غير معقمة, وربما قد يتكرر استخدامها لعدة اطفال في نفس الوقت وهذه الاداة قد نجدها في كثير من الاحيان متوفرة عند اصحاب محلات الذهب.
• تاسعا: صوالين الحلاقة والتجميل: لقد اصبحت هذا الصوالين من اخطر الاماكن وقنابل موقوته لنشر الامراض المعدية, بسبب الجهل او الاهمال الشديد من قبل الحلاقين فنجد معظمهم يستخدمون حامل او مقبض شفرة حلاقة واحد لكل العملاء ودون تعقيم او ممكن نسميه تطهير لان التعقيم تستخدم فيه اجهزة خاصة, حتى وان تم استبدال الشفرة فان المقبض لا يخلو من التلوث ببقايا الدم والإفرازات التي تتراكم عليها من كثرة الاستعمال, وان اظهر الحلاق التطهير لأدواته من خلال بضع بخات من سائل قابل للاحتراق وقليل من اللهب لبضع ثوان فأنها غير كافيه للقضاء على الميكروبات, فبعض الميكروبات المعدية قد لا ينفع معها القليان لمدة نصف ساعة فما بالك ببضع ثوان, ومما يزيد الطين بله .. ان الحلاق نفسه يقوم بفرك بشرة العميل عاري اليدين ولا يقوم بغسلهما بعد كل حلاقه, اضافة الى اعادة استخدام فرشاة الفرك للمعجون والفوط و المرايل لأكثر من عميل دون تطهيرها او حتى غسلها, وهذه بدوره احد اهم مصادر نقل الميكروبات المعدية.
• عاشرا: وهناك طرق اخرى لنقل الامراض المعدية مثل : سعال الشخص المصاب ببعض انواع الميكروبات التي تنتقل عن طريق الجهاز التنفسي في وجوه الاخرين ونشره الميكروبات في الهواء, والاهمال في النظافة الشخصية وعدم قص الاظافر عند عمال المطاعم, كما ان الابر الصينية والوشم ومشاركة الاشياء الشخصية مع الاخرين مثل( فرشات الاسنان والملابس وادوات الحلاقة والامشاط) قد تكون من اسباب نقل الامراض المعدية كما ان السباحة في الاماكن التي ينتشر فيها الطور المعدي للطفيل المسبب لمرض البلهارسيا واكل اللحوم نيء وخصوصا المتوقع وجود الدودة الشريطية فيها, واكل الخضار دون غسلها جيدا او طباختها, وشرب مياه من مصادر غير صالحة للشرب قد تساهم في الاصابة بالعدوى, كما ان الاحتكاك مع الحيوانات والتي قد تكون سببا في انتقال بعض الامراض المشتركة بين الحيوان والانسان والتعرض للدغات الحشرات الناقلة لأمراض مثل الملاريا والليشمانيا وداء الفيل وحمى الضنك وغيرها, تكون من اهم الاسباب لانتقال تلك الامراض للإنسان.
• وفي الاخير فان احد اهم الحلول للوقاية من الكثير من تلك الامراض الميكروبية وتجنب حدوثها يعتمد بشكل اساسي على مدى ثقافتنا ومعرفتنا بطرق انتقال تلك العوامل المسببة التي وردت انفا.

  • طالب دكتوراه في الأحياء الدقيقة الجزيئية والتشخيصية – معهد البحوث الطبية – جامعة الاسكندرية
أخبار ذات صله