fbpx
محمد بن زايد.. رجل الشرق الأوسط

كتب ـ هاني مسهور

استعرضت صحيفة «نيويورك تايمز» طولاً وعرضاً في سيرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لتضعه الشخصية السياسية الأهم في الشرق الأوسط، سبق الصحيفة الأميركية استفتاء مليوني وضع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أقوى شخصية تمتلك تأثيراً في الشرق الأوسط، هذه نتائج لتراكمات من سياسات وضعت الشيخ محمد بن زايد على خريطة أكثر مناطق هذا العالم ديناميكية بتحولاتها وصراعاتها، وهو ما يستوجب دائماً وأبداً القراءة العميقة في خصائص التأثير التي صنعت هذا الامتياز للشخصية الإماراتية سياسياً، فهذا اعتبار يستحق التمعن فيه لمعرفة لماذا الإمارات تمتلك هذا النفوذ والتأثير في الإقليم والعالم.

إذا أراد هذا العالم أن يعرف لماذا الشيخ محمد بن زايد يمتلك هذه الشخصية المؤثرة، فلا بد له أن يعود إلى خمسة عقود للوراء، ويتأمل في أحداث صنعت هذا الواقع المعاصر بكامل تفاصيله الدقيقة، فلطالما كانت البدايات السياسية عاصفة، كتلك التي جاءت بعد سنتين فقط من نشأة دولة الاتحاد الإماراتية، عندما قرر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الوقوف مع الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973 ومازالت مقولته يتردد صداها:«البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي».

في تلك الحادثة سجلت الإمارات ليس مجرد موقف سياسي، بل مبدأ ونهج وقيم للدولة ككيان قائم على ثوابت وضعها زايد، ورسمت معالم هذا الحاضر المعاصر التي يمثلها ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد من خلال تأثيره السياسي في أحداث الشرق الأوسط بصورة فاعلة، من خلال استراتيجية قامت على البنية التحتية في الإنسان، مع استفادة من الموقع الجغرافي، لتكون الإمارات علامة فارقة ليس فقط في التأثير الاقتصادي بمنطقتها ومحيطها، بل في التأثير السياسي في منطقة ملتهبة كالشرق الأوسط.

باعتبارات مُعقدة للغاية، كانت شرارة الجحيم العربي اندلعت وتحولت لنيران ملتهبة تحرق العواصم العربية الواحدة تلو الأخرى، كان السؤال الدائر في العواصم الدولية عن إن كان هناك خطوط للدفاع أو إطفائي قادر على احتواء تلك النيران المشتعلة، وكانت الأحداث بتسارعها من الصعوبة بمكان تقدير مآلاتها، حتى كانت نقطة الفصل عند القاهرة مرة أخرى في استعادة (قد) تكون ماكرة لتاريخ سياسي يأبى أن لا يغادر الأرض المصرية.

ثورة 30 يونيو 2013 لم تكن مجرد ثورة للشعب المصري لوقف تمدد نيران الإسلام السياسي فحسب، بل كانت نقطة فاصلة في مسار كان يجب أن ينعطف بقوة ومهما كانت التكاليف، وهنا عاد المشهد الأول الذي صُنع في أكتوبر 1973 بظهور الشيخ محمد بن زايد في المشهد السياسي العربي ليس كلاعب، بل كمنقذ لهذا المنطقة بأوطانها وشعوبها، فكان الالتزام، بل والثبات الصلب في الموقف، عوامل وضعت حداً لما أريد أن يكون للعالم العربي.

العنصر المختلف في منهجية الشيخ محمد بن زايد عن غيره من السياسيين في المنطقة، قدرته في توظيف الأدوات، سواء العسكرية أو غيرها، في إحداث التغيير الإيجابي، وهذا يمكن الإشارة إليه في الديناميكية التي تعاطت معها الإمارات في المشهد اليمني، سواء في تحرير عدن أو مكافحة التنظيمات الإرهابية، وحتى الوصول لبناء التوازنات السياسية، كما حدث بعد دعم القوات المسلحة الإماراتية لـ«ألوية العمالقة» الجنوبية في معارك الساحل الغربي من اليمن، وحتى بلوغ تخوم مدينة «الحديدة» لينتج بعدها اتفاق استوكهولهم 2018 كوازن سياسي كسر معادلة الواقع التي فرضتها مليشيات «الحوثي» منذ انقلابها في 2014، مما وضع معادلة مختلفة في مشهد سياسي يمني مختلف له أبعاده الإقليمية التي اضطرت للنزول عند هذه المعادلة المفروضة بقوة السلاح وإرادة التغيير، التي أرادها الشيخ محمد بن زايد أن تتغير، وهي التي أسهمت بشكل واضح في تخفيف المعاناة الإنسانية، وأضعفت من الابتزاز الذي لطالما استخدمته المليشيات مع المجتمع الدولي.

إذا كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 أظهرت ما يمثله الخطاب المتطرف من خطورة على العالم، فإن تلك الهجمات استدعت أيضاً تدخلاً صارماً يوقف هذا الخطاب ويواجه مشاريع الخراب، التي تحتضنها رؤوس الشياطين من تنظيم «الإخوان»، ولم يكن أمام هذا التحدي سوى أن يلعب الشيخ محمد بن زايد، الدور التاريخي في مواجهة امتدت سنوات طويلة، أكدت مسألة واحدة أن المعركة بين الخير والشر، تتطلب قرارات شجاعة تضع حداً لما كان يمكن أن يصل له حال هذا الشرق الأوسط والعالم، في حال لم يتم التصدي لهذه الجماعة وتلك الأفكار الشيطانية.

بين كل هذا التاريخ الذي يسجله الشيخ محمد بن زايد، ثمة عقيدة راسخة يمتلكها في داخله بقدرة إنسان الإمارات على امتلاك قدرات التغيير والتأثير هذه العقيدة، هي كذلك جزء أصيل من التكوين الذاتي التي نشأت من بدايات تأسيس الكيان الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، لصناعة نموذج فريد في منطقة لم تألف تكويناً سياسياً بهذا الأفق من التشكيل الجامع للدولة الوطنية.

النفوذ السياسي للشيخ محمد بن زايد يأتي من تعدد مصادر القوة بين عسكرية واقتصادية واجتماعية وموروثات تراكمت لم تأت من الفراغ، إنما من محددات صنعت هذه الشخصية القادرة على أن تصنع كل هذا التأثير، وتمتلك دائماً زمام المبادرة في المنطقة، وتحول بلادها كمقر لقرارات مؤثرة ولمواقفها أبعاد في عواصم العالم.