fbpx
طبعة جديدة من كتاب “في شرق اليمن (يافع)” قريبا في المكتبات
شارك الخبر

كتب – أ.د.علي صالح الخلاقي
هذا الكتاب للمؤرخ صلاح عبدالقادر البكري، يكتسب أهميته وقيمته التاريخية في كونه أول كتاب يصدر عن بلاد يافع، حيث صدرت طبعته الأولى عام 1955م، وسبق صدوره رحلة للمؤلف إلى بعض مناطق يافع في تلك الحقبة الهامة التي كان السفر فيها إلى بلاد يافع أمراً شاقاً، بل مغامرة محفوفة بالمخاطر والتعب والعناء لانعدام طرق السيارات، خاصة في مناطقها الممتدة في بطون وسفوح وقمم السلاسل الجبلية الكثيرة.
والفضل بعد الله تعالى في ذلك يعود باعتراف المؤلف نفسه في الإهداء الذي تصدر  الكتاب “إلى الفاضل العصامي الكريم السيد علي عبدالله العيسائي الذي قام بأعظم قسط في إعداد الرحلة وفي طبع هذا الكتاب”.
حينها كان الشيخ الفاضل علي عبدالله العيسائي، طيَّب  الله ثراه، كما تبيّن صورته التي تصدرت الكتاب مع الإهداء،  في عز شبابه ومطلع نجاحه كواحد من نجوم عدن المضيئة في عالم المال والأعمال، منذ أن بدأ بها أولى خطوات نجاحه في أربعينيات القرن العشرين، حين كانت عدن محطّ الآمال، وإليها كان يشد الرِّحَال، كل طامح في دنيا العلم أو المال والأعمال، في عصر ازدهارها كواحد من أهم الموانئ العالمية.
ويكفيه فخراً أنه كان في ذلك السن المبكر أول من اهتم بدعم كتابة تاريخ يافع، في وقت لم يلتفت فيه أحد إلى هذا الأمر الهام، خاصة في تلك المرحلة التي عاشت فيها يافع في عزلة عن العالم، وظلت محرومة من التعليم ومن طرق السيارات والخدمات الصحية وغير ذلك من سبل الحياة العصرية، حتى أن رحلة المؤرخ كانت بحد ذاتها حدثاً هاماً قابله الناس بالترحاب والاحتفالات التي تخللتها الزوامل ورقصات البرع وإطلاق الأعيرة النارية لشدة شوقهم لرائحة العلم والتعليم.
 وسيظل يذكر التاريخ بأحرف من نور أن المؤرخ صلاح البكري، رحمه الله، أول من اقتحم مجاهل التاريخ لهذه البلاد العريقة في ماضيها الحضاري ودوَّن انطباعاته عن زيارته، وأن صديقه رجل الأعمال الفاضل الشيخ علي عبدالله العيسائي، طيّب الله ثراه، هو صاحب السبق في دعم أول كتاب صدر عنها، وهو ما ينم عن اهتمامه المبكر في توثيق ونشر كنوز تراثنا وتاريخنا، حيث تحمل على عاتقة تكاليف رحلة المؤرخ صلاح البكري من مصر إلى عدن ومنها إلى يافع، وكلَّف أخاه حسين لمرافقة المؤلف خلال زيارته التاريخية تلك التي مكنته من تدوين انطباعاته عن أوضاع يافع وأحوالها العامة مع شذرات من تاريخها.
بل أن العيسائي سهّل أيضاً للمؤلف بعض الصعوبات التي اعترضت رحلته.. وقد اعترف البكري في كتابه أنه عند وصوله ومرافقيه إلى البيضاء في طريقهم إلى يافع قد ذهبوا إلى منزل الشيخ سالم حسين الرماح وقدموا له خطاب توصية من السيد علي عبدالله العيسائي وقد أكرمهم  كثيراً وأصدر أمره بإعفائهم من الرسوم الجمركية بفضل تلك التوصية، وذكر أيضاً أنه خلال إقامته في عدن قد ظل نزيلا في دار آل العيسائي الذين احتفوا به أكثر مما يحتفي الأخ بأخيه، كما سجل ذلك في كتابه.
ولانقضاء زمن طويل على صدور الكتاب ونفاد طبعته الأولى المحدودة النسخ فقد اختفى الكتاب من التداول حتى أصبح الحصول على نسخة منه أمراً صعب المنال، بما في ذلك في رفوف المكتبات الوطنية والجامعية، في ظل مسيس الحاجة إليه من قبل المهتمين والباحثين، باعتباره مصدراً هاما يؤرخ لحقبة زمنية هامة أنقضت وأخذت ملامحها تختفي تدريجياً من أمام ناظرينا بفعل التطورات اللاحقة والمتسارعة التي جرفت معها كثيراً من القيم والتقاليد التي كان المؤلف شاهداً عليها خلال زيارته لبلاد يافع.
ولأن الشيء بالشيء يذكر .. أعترف أنني في لقاء جمعنا بالعم علي عبدالله العيسائي في بيته في جدة في عام 2014م بحضور نجله الأكبر محمد بن علي (أبى بدر) قد طرحت فكرت السعي للحصول على نسخة مكتملة من الكتاب والعمل على إعادة طباعته بعد تصحيح وتصويب الأخطاء المطبعية التي وردت في الكتاب، وبعض مسميات المناطق ووضع هوامش إيضاحية، ومقارنة التواريخ الهجرية لبعض الأحداث الهامة، وذلك لتكتمل الفائدة من إعادة طباعة هذا الكتاب وحتى يكون متوفراً في مكتباتنا الوطنية والعربية وينتفع به الباحثون والمهتمون، فما كان من (العم علي)، تغمده الله بواسع رحمته، إلا أن رحب بالفكرة وباركها على الفور، بل وسُرَّ لذلك أيِّما سرور، وكأنَّه يستعيد حماسة شبابه لتعلقه وشغفه بالتاريخ الذي ظل ملازماً طوال حياته.
وتأخر العمل بسبب ظروف الحرب التي شهدتها بلادنا عام 2015م. وها هي الآن الطبعة الجديدة تصدر بعد أكثر من ستة عقود على صدور الطبعة الأولى، وبدعم من أبنائه وعلى رأسهم “أبو بدر” تنفيذاً لرغبة والدهم صاحب الفضل في انجاح رحلة المؤلف وصدور الكتاب لأول مرة، وهذا يضاف إلى بصماته الطيبة في أعمال الخير واهتماماته ورعايته لتدوين التاريخ ودعمه للتأليف والنشر وتشجعيه للتعليم منذ شبابه وحتى آخر أيامه.
وفي ختام هذا التقديم أكرر إهداء المؤلف البكري ذاته:
“إلى الفاضل العصامي الكريم السيد علي عبدالله العيسائي الذي قام بأعظم قسط في إعداد الرحلة وفي طبع هذا الكتاب”.
ولا نملك إلا أن ندعو له وللمؤلف بالرحمة والمغفرة، والشكر والثناء للأخ أبى بدر وأخوانه كخير خلف لخير سلف..
 والله الموفق..
أ.د.علي صالح الخلاقي
أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية
جامعة عدن
أخبار ذات صله