fbpx
صحيفة.. التقارب بين القاهرة والخرطوم لا يخلو من منغصات متوارثة
شارك الخبر

يافع نيوز – صحف:

تحمل زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى الخرطوم كأول مسؤول عربي رفيع المستوى يطأ أرض السودان بعد تشكيل حكومة عبدالله حمدوك دلالات سياسية مهمة، لعل أبرزها رغبة القاهرة في التأسيس لمرحلة جديدة من التعاون مع البلد الجار.

وأكد وزير الخارجية المصري الاثنين، دعم بلاده الكامل للسودان خلال المرحلة الانتقالية، “بما يُحقق آمال وتطلعات الشعب الشقيق، ويعود بالسودان إلى وضعه الطبيعي في محيطه الإقليمي”.

وأعربت بدورها وزيرة خارجية السودان أسماء عبدالله، عن تقدير الخرطوم لعُمق وخصوصية العلاقات مع مصر، مشيدة بالأجواء الإيجابية التي يشهدها مسار التعاون بين البلدين خلال المرحلة الجديدة، وتطلع الحكومة إلى “الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين والشعبين الشقيقين إلى آفاق أرحب”.

وبدأ شكري زيارة للخرطوم، الأحد، وأجرى مشاورات مهمة مع كبار المسؤولين، وبحث في أفق العلاقات بين البلدين بعد تولي نظام جديد للسلطة، وتصاعد الحديث عن التعديلات المتوقعة لإرساء علاقات متوازنة تطوي صفحة التوتر السياسي الذي طبع عهد الرئيس المعزول عمر حسن البشير.

وأيدت القاهرة تحركات المجلس العسكري الانتقالي، وانفتحت على قوى الحرية والتغيير، واستضافت لقاء بين ممثليها والجبهة الثورية الشهر الماضي، ووعدت بتقديم المساندة الممكنة للسودان خلال المرحلة الدقيقة التي يمر بها، ودعت رئيس الحكومة عبدالله حمدوك إلى زيارتها.

وأكدت أستاذة العلوم السياسية بمعهد الدراسات الأفريقية بالقاهرة، هبة البشبيشي، لـ”العرب” قائلة “إن زيارة شكري تعكس استعداد مصر لتوفير الدعم السياسي اللازم خلال المرحلة الانتقالية”.

واتسمت الخطوات المصرية بالحذر في تأييد المجلس العسكري خلال الفترة الماضية، خوفا من الاتهام بتأييد الجيش السوداني في فرض هيمنته على حساب القوى المدنية.

ولم تخل تعليقات سياسية كثيرة في الخرطوم من العزف على هذا الوتر، والتشكيك في نوايا القاهرة تجاه السلطة الجديدة، والتلميح إلى رغبتها في تعطيل مسيرة الديمقراطية بالسودان.

وحمل كلام عبدالله حمدوك، في أول لقاء صحافي عقب تشكيل حكومته الخميس الماضي، الكثير من الرسائل بشأن السياسة الخارجية للسودان، أهمها إعلاء مصلحة الشعب والبلاد على غيرها من المصالح، وإقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول، وأن هناك تغيرات عمادها الانفتاح من دون ميول عقائدية.

وفسر مراقبون، كلام حمدوك على أنه موجه إلى القاهرة بالأساس، فالتوافق بشأن رفض التنظيمات المتطرفة ومكافحة الإرهاب، لن يؤدي تلقائيا أو بمفرده إلى التوافق في القضايا الخلافية المزمنة.

وفسره آخرون على أنه إشارة قوية لنوع من الاستقلال السياسي الجاد، وتغليب المصالح الوطنية على الأيديولوجية، وعدم الانسياق وراء أي تطلعات إقليمية لفرض الإرادة والهيمنة على السلطة الجديدة.

وسقوط نظام البشير، لا يعني انحسار الاحتقانات المزمنة بين السودان ومصر، خاصة وأنه لدى فئات عريضة من الشعب السوداني حساسية مفرطة تجاه القاهرة، وسط اعتقاد سائد منذ حتى ما قبل انقلاب البشير بأنها من العواصم التي “تضمر نوايا سيئة للسودان”.

ولم يفلح الخطاب المصري في تبديد هذه الهواجس، وأخفقت تحركات حماية مكاسب الانتفاضة على البشير من خلال قنوات الاتحاد الأفريقي، الذي ترأس القاهرة دورته الراهنة، في إعادة الثقة، بل يلاحظ أن المؤسسة العسكرية في السودان نأت نسبيا عن مصر خشية تأثرها بالشحنة السياسية الغاضبة في الخرطوم، وهو ما خلف روافد سلبية تتطلب تصحيح المسارات.

وجاءت زيارة شكري للخرطوم في سياقات سياسية متعددة، توحي بأن العلاقات بين البلدين مقبلة على إعادة ترتيبها بصورة مختلفة، تأخذ في حسبانها وجود سلطة مركزية في السودان تحظى بتأييد قطاعات واسعة من المواطنين، ما يمنحها قدرة على اختراق بعض المحرمات، والبحث عن إيجاد حلول لها كي تتفرغ لدورها التنموي. وقد تكون القاهرة قد ارتاحت مؤقتا لعدم طرح القضايا الخلافية بجدية سابقا، وكل المقاربات التي صدرت في أثناء حكم البشير جرت في إطار ما يعرف بـ”المسكنات السياسية”، وغرضها تجاوز أزمات عاجلة دون الدخول في عمقها واتخاذ الخطوات العملية اللازمة لحلها، لعدم قدرة الطرفين على تحمل تكاليف باهظة.

وقرأ متابعون التطورات الأخيرة وفقا للعبارة الشهيرة “راحت السكرة وجاءت الفكرة”، بمعنى أنه لا مفر من البحث بجدية عن تسويات نهائية في القضايا الخلافية، فطالما بقيت معلقة وغير محسومة سوف تجد العلاقات المشتركة المنغصات الكافية لتعكيرها.

واعتقدت بعض الدوائر المصرية أن رحيل البشير عن السلطة سيجذب السودان مباشرة إلى موقف القاهرة الثابت من سد النهضة، الذي يطالب بترحيل مدة ملء السد إلى سبع سنوات، وإدخال تعديلات هيكلية وفنية تضمن عدم المساس بحصتها.

لكن المعلومات التي رشحت تشير إلى انسجام سياسي بين الخرطوم وأديس أبابا، خاصة بعد الدور الإيجابي الذي لعبته الأخيرة في المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وتمخضت عنها السلطة الانتقالية الحالية، ما يقلل من فكرة الانحياز السوداني دون ضوابط ناحية مصر على حساب إثيوبيا.

Thumbnail

أوضحت البشبيشي لـ”العرب”، أن سامح شكري مهتم بالاتفاق مع نظيرته السودانية على توقيت محدد لاستئناف انعقاد اجتماع التسعة، أي وزراء الخارجية والري ورؤساء أجهزة المخابرات في مصر وإثيوبيا والسودان، بشأن سد النهضة، لأن القاهرة لا تزال تعول على موقف سوداني معتدل.

وبدأ ملف حلايب وشلاتين يعود إلى الأضواء من نافذة أخرى تضر بالبلدين، لأن عدم حسم الموقف من هذا المثلث، بالتحكيم الدولي أو التفاهم الرضائي، أدى إلى بروز مشكلة كامنة لم يلتفت لها كثيرون في البلدين من قبل.

وراج في الأيام الماضية حديث عمّا يسمى بـ”مملكة الجبل الأصفر” التي سوف تعد لاستقبال جميع اللاجئين من أنحاء العالم، وفي مقدمتهم العرب، وهي منطقة تبلغ 2060 كيلومترا مربعا تقع على الحدود بين مصر والسودان، بالقرب من المنطقة المتنازع عليها (حلايب وشلاتين).

ولم تشر مصر إلى ملكيتها، لأن ذلك ينسف منطقها في أن خط حدودها يقف عند خط عرض 22 وبشكل مستقيم، والمملكة المزعومة أسفله، بينما تقول الخرطوم إن خط حدودها متعرج ليشمل منطقتي حلايب وشلاتين، وهو ما يعني أن “الجبل الأصفر” ضمن الحدود المصرية.

ولفتت مصادر إلى أن اللغط الدائر حول أهداف ومن يقفون خلف هذه المملكة المزعومة، يفرض على كل من مصر والسودان حسم الخلاف سريعا حول مثلث حلايب، لإجهاض هذا المشروع الافتراضي، الذي يمكن أن يتحول إلى واقع إذا استمر تنصل القاهرة والخرطوم من تبعية الجبل الأصفر.

وقال هانئ رسلان الخبير في الشؤون الأفريقية، لـ”العرب”، إن ما أثاره فيديو مصور بشأن تأسيس كيان باسم “مملكة الجبل الأصفر” بحاجة إلى تحركات مشتركة في ظل تغيرات الأوضاع الديموغرافية في الدول العربية بشكل متسارع. وأضاف أن الفيديو المتداول لسيدة تدعى نادية ناصيف (أميركية من أصل لبناني) زعمت فيه أنها رئيسة مجلس وزراء الجبل الأصفر، يوحي بالتهديد، ما يتطلب التوافق في التعامل معه، وقد تشكل زيارة شكري للخرطوم بداية للمزيد من التفاهم.

أخبار ذات صله