تحل هذه الأيام الذكرى الـ18 لتفجيرات 11 سبتمبر(أيلول) المعروفة في أوساط الجهاديين والتنظيمات الإرهابية بـ”غزوة منهاتن”، وما زالت الكثير من الأسرار حول الخلايا النائمة التي تشكلت في مدينة هامبورغ، للتخطيط لتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر(أيلول) 2001، والسبب الحقيقي وراء اختيار 19 إرهابياً من جنسيات مختلفة ليكونوا وقود تلك التفجيرات التي هزت العالم.

فوفقاً لمسؤول التدريب في معسكرات أفغانستان لدى تنظيم القاعدة، أن تعداد الخلية التي خططت ونفذت الهجمات في الحادي عشر من سبتمبر، على برجي التجارة العالمي، ومبنى البنتاغون الأمريكي، كان واحداً وعشرين شخصاً، من جنسيات مختلفة، جميعهم دون خلفيات جهادية سابقة، باستثناء اثنين هما قائدا الخلية الملكفان مباشرة من أسامة بن لادن، وهما خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة.

وأوضح أن الذين نفذوا العمليات فعلياً، كانوا 19 شخصاً، ولم يشارك شيخ محمد ولا رمزي بن الشيبة في العمليات، وكان أمير الـ 19 جهادياً محمد مالك الأمير، أو محمد عطا، المكنى بـ”أبو عبد الرحمن المصري”، طالب دراسات الهندسة العليا في ألمانيا.

ولفت الجهادي السابق، إلى إصرار شيخ محمد، وبن الشيبة على تعداد الـ 19 جهادياً رغم أنه غير قابل للقسمة على ثلاثة، وهو عدد الهجمات الانتحارية بالطائرات، حيث استخدام رسالة من القرآن الكريم مستوحاة من الآيتين الكريمتين رقمي 30 و31 في سورة المدثر: “عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا”.

وأشار إلى أن التنظيمات الإرهابية مولعة بالتسمية واختيار مسميات لها معانٍ، تخاطب بها أتباعها في المقام الأول، فكان اختيار 19 جهادياً فقط لتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لتبعث رسائل إلى اتباعها في العالم الذين يفكرون بنفس الطريقة والمنهج، بأن من نفذوا العملية كانوا تسعة عشر ملاكاً من ملائكة الجحيم أو النار، أوصلوا الكفار النار وأدخلوهم إليها، مشيراً إلى أن قاعدة اختيار الرسائل والرموز لدى الفكر الجهادي موجودة حتى في اختيار أسمائهم الحركية.

وأكد التحقيقات أن العقل المدبر لخلية هامبورغ والشخصية المؤثرة التي كانت تمسك بيدها كافة الخيوط التي تحرك أعضاء الشبكة الآخرين هو بالفعل الطالب المصري محمد عطا (33 عاماً) الذي قاد الطائرة التي ضربت البرج الجنوبي من مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر (أيلول)2001.

وأكد النائب العام الألماني وقتها “كاي نيم” أن خلية هامبورغ “لعبت دوراً قيادياً” في تخطيط وتنفيذ العمليات الانتحارية في الولايات المتحدة.

وتشير المعلومات أن محمد عطا أسس “المجموعة الأصولية” في مطلع التسعينيات بشكل رسمي وكانت عضواً في المنظمة الطلابية الجامعية (الأستا) وممثلة باسم محمد عطا نفسه.

ومعروف أن العضوية في (الأستا) تعني فتح أبواب المنظمة الطلابية أمام ممثلي الجماعة الإسلامية لاستخدام مطبعتها وتليفوناتها.

وأشار عميد الكلية في هامبورغ يورج سيفيرين إلى أن المجموعة كانت هادئة ولم يظهر عليها أي اثر، أو استعداد للعنف والتطرف وهو الأمر الذي اعتبره رجال التحقيق افضل دليل على التغطية الجيدة لنشاط الخلية النائمة.

محمد عطا
وُلد في محافظة كفر الشيخ، ثم انتقل رفقة أسرته إلى العمرانية في الجيزة، عُرف عنه تفوقه في مسيرته التعليمية، حتى التحق بكلية الهندسة قسم العمارة.

في نفس الفترة تعلم اللغة الإنجليزية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم أتبعها بالألمانية في معهد “جوته”، إلى أن تخرج عام 1990، ثم سافر إلى مدينة هامبورغ بألمانيا في 24 يوليو(تموز) 1992.

في هامبورغ التحق بالجامعة الفنية، واشتهر فيها باجتهاده وقلة حديثه وحرصه على الاستماع، والتدقيق في التفاصيل، ودرس التخطيط العمراني للمدن، وما لاحظه زملاؤه وأساتذته هو حرصه على أداء الصلوات، حتى لو وصل به الأمر إلى الاستئذان والخروج من المحاضرة.

استضافته في تلك الفترة أسرة ألمانية في منزلها للعيش، لكنه ضاق بهم، وهو من حرص على تجنب مشاهدة التلفاز، حتى اضطر إلى الانتقال لبيت للطلاب في هامبورغ في يوليو(تموز) 1993.

بالتوازي مع دراسته التحق بإحدى شركات التصميم الهندسي لكسب قوت يومه، ووصل راتبه حينها إلى 1000 دولار شهرياً.

سافر محمد عطا إلى إسطنبول عام 1994، ومنها توجه إلى حلب، لدراسة تخطيط منطقة خارج باب النصر، والتي ألهمته موضوع الماجستير الذي شرع في إجرائه، حتى انتهى منه بعد 5 سنوات. بعدها بعام أدى فريضة الحج وهذب لحيته، وعاد بهيئته الجديدة إلى هامبورغ.

تحركاته من بعد تلك المرحلة أصبحت غريبة إلى حد ما، بدأها بتأجير منزل في هامبورغ، بالشراكة مع رفاقه، وأسموه “دار الأنصار”، وهو ما يشبه في مسماه “بيت الأنصار”، الذي أطلقه أسسه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في مدينة بيشاور الباكستانية.

في الفترة 1997 – 1998 غاب عطا لشهور عدة عن هامبورغ، دون أن يعلم أي من المقربين منه بالسبب، إلا أن رمزي بن الشيبة، منسق هجمات 11 سبتمبر، كشف أنه كان في أفغانستان، وأصبحت كُنيته “أبو عبد الرحمن المصري”.

بحلول 1999 طلب من إدارة الجامعة الفنية تأسيس جماعة إسلامية، وتخصيص غرفة للصلاة، ووافق المسؤولون على الفور، ليتوجه بعدها مع زميله في التنظيم مروان الشحي إلى أفغانستان.

عاد محمد عطا مجدداً إلى هامبورغ بعد زيارته الثانية لأفغانستان، ويدّعي أمام السلطات أنه فقد جواز سفره، ليحصل على واحد جديد، لكن يظهر في الصورة بدون اللحية.

في صيف 2000 رافق الثنائي مروان الشحي وزياد جراح زميلهما محمد عطا إلى فينسيا غربي فلوريدا، في الولايات المتحدة الأمريكية، بغرض الالتحاق بمدرسة “هوفمان” لتعلم قيادة الطائرات.

وبالفعل تمكن “أبو عبد الرحمن” من قيادة الطائرة متعددة المحركات، حتى حصل على رخصة القيادة في 21 ديسمبر(كانون الأول) 2000.

ببداية 2001 ازدادت تحركاته، استعداداً لما عُرف بينه وبين رفاقه بـ”غزوة منهاتن”، فترك الأراضي الأمريكية متوجهاً إلى العاصمة الإسبانية مدريد، ومنها إلى برلين، قبل أن يعود إلى ميامي بعد 6 أيام فقط، إلا أن هدف هذه التنقلات لم يُعرف.

قبل أشهر قليلة من تنفيذ العملية المتفق عليها أصبح محمد عطا هو المسؤول عن 19 رجلاً على الأراضي الأمريكية، متخذاً من السعودي نواف الحازمي نائباً له، وتوجهوا جمعياً إلى الساحل الشرقي لفلوريدا، وخلال توزيع المهام تولى بنفسه قيادة فرقة مكونة من 4 أفراد، واختار تدمير برج التجارة الشمالي.

فك اللغز
فجر يوم الـ29 من أغسطس (آب)2001 اتصل محمد عطا، برمزي بن الشيبة، وقال له نصا: “في واحد صاحبي مدّيني لغز ومش عارف أحله، فا اتصلت بيك عشان تحلهولي”، ورد عليه الأخير: “ده وقت ألغاز يا محمد”.
قول يا محمد: “عصايتين وبينهم شرطة، كعكاية عليها عصاية متدلية، يعني إيه؟”، ليجيبه المنسق: “العصايتين هما 11، والكعكة بعصاية متدلية هي 9″، أي المقصود تاريخ التنفيذ، 11 سبتمبر.

قبل العملية بـ 3 أيام توجه عطا إلى بوسطن برفقة زميله السعودي عبدالعزيز العمري، وقضا ليلتهما في فندق “سويس شاليه”، وفي صباح اليوم التالي، أي قبل التنفيذ بـ24 ساعة، توجه إلى مطار المدينة لمعاينة الأوضاع.

قبل 15 ساعة من التنفيذ توجه محمد عطا، ومعه عبدالعزيز العمري، إلى بورتلاند في ولاية ماين، وطلب المبيت وحيداً في غرفة حملت رقم 232، قبل أن يستيقظ صبيحة يوم الـ11 من سبتمبر، ومعه ملابسه وجواز سفره وسكينه.

وصل محمد عطا ورفاقه إلى مطار “بوسطن لوجان”، مستقلاً طائرة على خطوط “أمريكان إيرلاينس”، في رحلة حملت الرقم 11، على أن تقلع في الساعة الثامنة إلا الربع، قاصدة لوس أنجلوس، حاجزا مقعده رقم d8 الخاص برجال الأعمال.

15 دقيقة من إقلاع الطائرة كانت كافية لـ محمد عطا ورفاقه لاختطاف الطائرة، قبل أن يتولى بنفسه قيادتها مغيّراً مسارها إلى منهاتن، قاصداً برج التجارة الشمالي، حتى أصاب هدفه ونال مراده في الثامنة و44 دقيقة.

وأعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية وقتها، إصدر البنك الألماني الاتحادي، تم تجميد 13 حساباً مصرفياً مشبوهاً يملكها مقربون من أسامة بن لادن.

ويفترض أن تحتوي هذه الحسابات على مبالغ مالية تصل لـ 40 مليون دولار في الأقل، وتعود إلى 27 شخصاً معظمهم من العرب. وبين الأشخاص الذين جمدت حساباتهم السوري مأمون داركازانلي، والمكنى بـ”أبي الياف”، ويعتبر من المقربين من بن لادن.

وكانت الصحافة الألمانية تداولت اسمي السوريين مأمون داركازانلي (43 عاماً) ومحمد حيدر، على أنهما صلة الوصل المالية بين جماعة هامبورغ الأصولية وتنظيم بن لادن.

ويحمل السوري مأمون داركازانلي، حسب “دير شبيغل”، تفويضاً رسمياً يتصرف على أساسه بحرية بحساب مصرفي فتحه سالم في هامبورغ عام 1995 ، ويحتفظ السوري بصلة مباشرة مع وديع الحاج الذي حوكم في نيويورك بتهمة المسؤولية عن انفجاري نيروبي ودار السلام عام 1998 .