fbpx
لا، لم تسقط عدن – كتب: علي الصراف
شارك الخبر

إذ أنها لأهلها، فلن تسقط أبدا. عادت عدن من محاولة اختطاف جديدة. وهي لن تني تعود. أصبح الأمر قدرا إلى حد بعيد. حتى عندما حاول مشروع أيديولوجي ما أن يختطفها، فإنها أفلتت من يديه. هكذا كان الأمر دائما. شيء ما من نبض الحرية والتفرد، هو الذي يجعلها تفلت. هو الذي يجعلها تتمرّد.

ولئن ذُبحت لأكثر من 15 عاما بعد تمرّد أسقط دولة التوتاليتاريا (لا البروليتاريا)، فإن نزعة التمرد صارت هي النبض ذاته. لا علي عبدالله صالح تمكن منها، ولا كل آل الأحمر. وعندما اجتاحها آل الأخضر، من سادة الحوثي، فإنها لم تلبث حتى نبذتهم.

إنها عدن العصيّة. عدن الشقيّة أيضا. وبعض شقائها أنها لم تُفهم. فظلت تتمرد. حتى ليجوز القول إنها العاصمة الوحيدة التي كان يتعيّن أن تُعصم من كل قوة تسعى إلى قهرها، أو تملي عليها ما لا تستطيع العيش فيه.

فكيف إذا عاملوها كهمج؟ وكيف إذا طغوا عليها واستعبدوها وكأنها سبية؟

بعض الإعلام أسقطها، حتى لكأنه كان يشتهي أن تسقط. ولكنها، كما في كل مرة، تعود لتنهض. المسألة لا تكمن في موقف مسبق يتخذه ذلك الإعلام الذي يخشى رؤية الحق (دع عنك قوله)، ولكنها في حقيقة أن البوصلة تضيع أحيانا.

من هم أولئك الذين دافعوا عن عدن؟ إنهم أهلها. لا توجد حقيقة أبسط من تلك. ثم من هم الذين حاولوا اجتياحها؟ إنهم أهل مشروع دخيل. وهم قبيلة إخوان دخيلة. ليسوا بالضرورة أهل “شمال” أصلا. فالإخوان لا شمال لهم ولا جنوب. إنهم أهل لا وطن. وهم إذ يمتطون أوطانهم امتطاء البغل، فلأجل غاية أخرى أبعد من أن تكون لها حدود. تلك هي طبيعتهم. وذلك هو وجودهم أصلا. وإخوان اليمن، مثلهم مثل أي إخوان آخرين، بلا أرض ولا وطن، لأنهم بلا انتماء. انتماؤهم إلى الشرع، كما قد يزعمون. ولكن ليس لأنه شرع “رب العالمين”، بل لأنهم يحتكروه، ولأنه ربهم وحدهم. من هنا تبدأ المعضلة عادة ودائما.

الإعلام الذي أسقط عدن بيد هذه الحفنة الضالة من “قبائل” الأيديولوجيات الشمولية، ظل ينظر إلى الجنوب على أنه وريث ماضيه الأيديولوجي المضاد. فكرهوه، حتى وإن لم يكره أحدا. وهذا ظلم آخر.

عانى جنوب اليمن من الأحقاد والمظالم ما لا حصر له. وإذ عومل أهل الجنوب، وكأنه تراب فائض عن الحاجة، فقد تحول إلى جحيم.

الإخوان والأحمريون والمؤتمريون معا، لم يتركوا سبيلا لأي قول آخر: فالجنوب الذي جاءهم مهزوما بمذبحة صنعها “الاشتراكيون” لأنفسهم، عومل كغنيمة، وتم اجتياحه ليُنهب، وكأن من سلّم للشمال المفاتيح كان يملك كل شيء في الجنوب، وهو لم يملك بالأحرى شيئا.

لم تكن تلك الوحدة، وحدة أبدا. كانت احتلالا فحسب. ولم يحُسن إخوان الشمال، ولا كان بوسعهم أن يحسنوا، صنع بلد أصلا.

اليوم، يهرب حزب الإخوان من الجنوب، كما يهرب اللصوص إذا طلع الفجر. جاؤوا تحت غطاء الشرعية، وأقنعوا أنفسهم، بأن الطريق إلى صنعاء لا يمرّ إلا من عدن. وكان ذلك أول ضياع البوصلة، لهم ولإعلام نظر إلى تمددهم على أنه تمدد للشرعية.

الشرعية الوحيدة التي يمكن لعدن أن تقبل بها، هي شرعية الحرية والمساواة في يمن حرّ من كل أشكال الطغيان والتعسف والتوتاليتارية الدينية أو الأيديولوجية على حد سواء.

ولئن ظل بعض الإعلام عاجزا عن رؤية الحق، وقبل أن تنطلي عليه الخدعة، (خدعة أن الشرعية تبدأ من أجندة إخوانية تهيمن على كل شيء) فلأنه لم يكن يريد أن يقول ما يعرفه الجميع. وهو أن الجنوب الذي تحرر بأيدي أبنائه، لم يعد بحاجة إلى أن يُطغى عليه من أي أحد.

الذين يريدون أن يحرروا اليمن انطلاقا من الهيمنة على عدن، ها هم يكتشفون الآن أن الطريق الذي سلكوه كان طريقا للضلالة فحسب. صنعاء، لا عدن، هي ما يجب أن يكون الهدف. الحوثي وليس فقراء هذا الجنوب الذين لم يجدوا، ساعة القهر، إلا القليل من يقف في صفهم.

بعض الوضوح يغيب أحيانا عن البصيرة، من دون أن يغيب عن البصر:

ـ جنوب اليمن ليس هو المشكلة. المشكلة في شماله.

– عاصفة الحزم اندلعت لرد اعتبار اليمن من انقلاب الحوثي على الشرعية، لا من انقلاب الجنوب على أي أحد.

– الجنوبيون لا ينطلقون من مشروع أيديولوجي. مشروعهم وطني محض، تنموي محض، لا يحتكر شيئا ولا يملي على أحد تصورا.

– إخوان اليمن، هم كغيرهم. إخوان السوء ذاته الذي يحارب اليمن والسعودية، كما يحارب مصر وتونس وسوريا. ويريد لهذه البلدان أن تغرق في حروب أهلية لا تنتهي. ويريد لدولها الوطنية أن تسقط.

ـ حزب الإصلاح الأحمري، أشقاء أصلاء للحوثي.

– مشروع الإسلام السياسي يشبه بعضه. حوثي أو قاعدة. حزب الله أو داعش. حزب إصلاح أو حزب دعوة. لا فرق. (هكذا قالت قمّة الرياض أصلا. ولم يخطئ من صدّق).

ـ الطريق إلى صنعاء لا يمر من عدن. إنه يمر من تعز والحديدة وحجة.

– الجنوبيون أدّوا المهمة التي حارب من أجلها التحالف العربي، وحققوا أهدافها في أسابيع. ووفروا للشرعية أرضا، تكفي لتزعم لنفسها ما تزعم. فلماذا الطغيان عليها؟

ـ الجنوب لأهله، كما الشمال لأهله. كما تعز لأهلها. وصنعاء للجميع. تلك هي اللامركزية التي توافقت عليها مخرجات الحوار. ألم يكن ذلك كذلك؟

– ما من أحد خدم التحالف العربي، أكثر من الجنوبيين. بقي أن يؤدي الآخرون قسطهم. فليذهبوا إلى حيث يجب أن يكونوا. المعركة الأصل، هناك، في الشمال، لا في عدن. فلماذا الطغيان على عدن؟ لماذا الردة عليها بينما الحوثي يسرح ويمرح؟

عندما لا ينظر بعض الإعلام إلى هذه الحقائق، فليس لأنه عاجز عن قولها، بل لأنه لا يريد رؤية الحق.

حتى ولو عاد أحمر الشمال وأخضره ليحاول “تحرير” عدن من أهلها، فإنها سوف تتمرّد. التمرد جزء من طبيعتها أصلا.

أما التحالف العربي، فإنه حرّ بنفسه. يمكنه أن يختار ما يختار من الطرق. والقبول بقيادته أمر لا نقاش فيه. وعدن لن تسقط في فخ أي قول آخر. لأنها تحتاجه بشدة. تحتاج عطفه وتضامنه. كما يحتاجها هو كقوة بناء وطنية عاقلة. سوى أنها لا تريد أحمر ولا أخضر يُملى عليها. لا تريد إسلاما إخوانيا ولا إسلاما شيوعيا. وهذا ليس بكثير على من حرّر نفسه وامتثل وشكر.

لهذا السبب، لا يحق لإعلام يمتلك القدرة على رؤية الحق، ألا يقوله.

 

*علي الصراف – كاتب عراقي.

أخبار ذات صله