fbpx
يافع كمثال.. دور القبيلة اليمنية في مواجهة الانقلاب

محمد الصلاحي

القبيلة في اليمن هي التكوين الرئيس الذي يؤثر في الأحداث ولا يتأثر بها. ويصنع الفارق سياسيا، وعسكريا، واجتماعيا، وكذلك اقتصاديا، نتيجة ارتباط الاقتصاد بالعوامل السياسية والعسكرية والاجتماعية، وتحكمها به.

شكلت القبيلة دائما النواة الأولى في صعود أي مشروع تقف معه، أو سقوطه حال معارضتها له. ساندت القبيلة في شمال اليمن حكم الإمامة في بداياته، فتثبت وجوده، ثم قاومته فأسقطته، وأسهمت في إعلان الجمهورية، وكان لها دور في رسم معالم الحكم الجمهوري، وتصدره أيضا، وكذلك كان للقبائل في جنوب اليمن الدور الكبير في إخراج الاحتلال البريطاني.

في 2015 بعد سقوط الدولة في الشمال في أيدي الانقلابيين، وزحفهم إلى الجنوب، وتلاشي وجود الدولة فيه. وفيما قبل انطلاق عاصفة الحزم تشكلت مجاميع مقاومة للمد الحوثي في كل مناطق الجنوب، أخذت بعدا مناطقيا في شكلها، وطنيا في هويتها، ودينيا في رمزيتها، وأخذت تكوينات المجتمع على عاتقها مقاومة هذا المد، والتصدي له، وتعزز وجودها وقوتها بدعم جوي تلقته من طيران التحالف العربي الذي تدخل بقيادة المملكة العربية السعودية في لحظات حاسمة، لم تكن تحتمل التأخير ليوم واحد، ولا لساعات إضافية قليلة.

جسدت قبيلة يافع النموذج الأمثل للقبيلة في كل اليمن، في مواجهة ميليشيات الانقلاب، وقدمت لوحدها أضعاف ما قدمته قبائل أخرى كبيرة، في جوانب عديدة: عسكريا، ولوجستيا، وإغاثيا، ومرد هذا لعوامل عدة، ارتكز بعضها إلى مقومات الحاضر لدى هذه القبيلة، وإلى إرث الماضي، وتاريخها العريق في تزعم مقاومة كل قوة غريبة تريد فرض وجودها وحكمها على المناطق المجاورة لها، وتلك القريبة منها في الإطار القبلي، فقاومت في السابق وجود الأتراك، وقاومت مشروع الإمامة.

برز دور يافع في مقاومة ميليشيات الانقلاب على محاور عدة، أهمها عسكريا في إطار المقاومة، وإغاثيا، ورغم أنها المنطقة والقبيلة الوحيدة التي لم تستطع ميليشيات الحوثي دخول أراضيها من كل المناطق التي استهدفتها الميليشيات، إلا أنها لم تكتف وتتمترس حول نفسها وجغرافيتها، بل كان لها دور فاعل وكبير في مواجهة الانقلاب عسكريا في أكثر من جبهة، في عدن، ولحج، والعند، وأبين، والضالع، وتوزع الآلاف من أبنائها على امتداد هذه الجبهات، كما أسهمت وبشكل فاعل في الشهور الأولى من العاصفة من تزويد كثير من الجبهات بالسلاح اللازم، خاصة جبهة الضالع والعند المجاورة، والجبهات الجبلية البعيدة عن مراكز المدن.

إغاثيا، لعبت يافع دورا بارزا في العمليات الإغاثية، خاصة في المناطق النائية البعيدة عن قدرة لجان الإغاثة في الوصول إليها، فشكلت مجموعات إغاثية تلقت دعمها من تجارها المتواجدين في دول الخليج، وأمريكا، والصين، ومن تبرعات أبنائها في الداخل، قدمت دعمها وبشكل منظم، سواء في مناطق الصراع، أو من خلال استقبال آلاف النازحين إلى يافع، بحكم وقوعها خارج دائرة الأحداث، وتسكينهم في بيوت أبناء القبيلة المهاجرين في الخارج، والتعامل معهم بعيدا عن كونهم نازحين.

ما قدمته يافع في هذه الحرب، وإسناد الجبهات بالمقاتلين، والسلاح، والإغاثة، جعل أبناء مناطق جنوب اليمن يطلقون عليها تسمية (يافع المدد) في رمزية معنوية لجهودها في هذا المضمار.

قدمت قبيلة يافع في هذه الحرب أيضا المئات من أبنائها شهداء، في جبهات خارج جغرافيا يافع، بينهم قادة كبار، لا يمكن تعويضهم أو ملء فراغهم، كان آخرهم قائد لواء الدعم والإسناد العميد منير اليافعي الذي استشهد الخميس الماضي، وقبله بشهور قليلة مدير دائرة الاستخبارات، وقبله قائد الشرطة العسكرية، وقبله نائب رئيس هيئة الأركان الذي قاد ميدانيا أفراد المقاومة في تحرير عدن ولحج وأبين وباب المندب قبل تشكيل الجيش الوطني، واستشهد في جبهة المخاء. أسماء كبيرة تقدمت الصفوف، وسابقت الجنود في لقاء العدو، وكان لها بصمتها الفارقة في مواجهة الميليشيات.

تستطيع القبيلة في الشمال أيضا، بالتحديد القبائل في مناطق سيطرة الميليشيات أن تحدث الفارق، وتصنع ملامح الانتصار، مثلما فعلته أيضا قبائل مأرب التي جسدت كذلك أنموذجا فريدا، هي فقط بحاجة إلى ما يقوي عزيمتها، ويجمع شتات صفها، ويعزز قناعتها في مواجهة ميليشيات الانقلاب، وهذه العوامل تتزايد لديها يوما بعد آخر، خاصة بعد إظهار الميليشيات سوء نواياها تجاه هذه القبائل، وقتل العديد من مشايخها ممن كانوا موالين للانقلاب.

صحيفة مكة