fbpx
همس اليراع حزب بخمسة رؤوس وربما أكثر*

بقلم/د عيدروس نصر

لست من محبي التشفي والشماتة، لكن بعض الحقائق تظل من الصلادة والعناد بما لا يمكن إخفائها أو تجاهلها، بل وما تقتضي الأمانة والصدق الاعتراف بها مهما كانت مُرَّةً.

كثر المتباكون على حزب المؤتمر الشعبي العام بين من ينعي موته بموت زعيمه، ومن يؤكد على أنه عصي على الموت ، وبين البينين طيف واسع من التصورات والآراء والتمنيات.

المؤتمر حزب ارتبط بزعيمه، وحينما أنشأه الزعيم لم يكن معارضا مسلحا في غابات الأمازون، أو طالبا في كلية الحقوق، يبحث عن طريقة لنصرة المظلومين، ولا حتى معارضا سياسياً يقود المسيرات الاحتجاجية في شوارع العاصمة، بل كان على كرسي الرئاسة يدير السياسة والمال والعسكرة والقبيلة بما لديه من قدرات تعليمية ومهارات مهنية ومزايا شخصية، ليس هذا مجال تقييمها، وحينما عنَّ له تشكيل حزب اتخذ الاجراءات التي يتخذها أي مدير عام لأي شركة لافتتاح فرع جديد أو إنشاء شركة جديدة.

أحزاب الحكام هي أكثر الأحزاب قوةً وأسرعها انتشاراً في البلدان غير الديمقراطية، أو ذات  الديمقراطية الزائفة، التي تحرم الحزبية أو تدَّعي السماح بتعددية تحت سيطرة أجهزة المخابرات

منذ إنشاء المؤتمر، صار الحزب رديفا للسلطة أو أنه هو السلطة، فمالية الحزب هي مالية السلطة، ورئيس الحزب هو رئيس السلطة ورئيس الحكومة هو الأمين العام، ومعظم، إن لم يكن كل وزراء الحكومة هم قيادة الحزب.

ليس هذا هو ما يؤخذ على المؤتمر الشعبي، لو إن له مزية يتميز بها عن الحكومة أو يتفوق بها على سواه من القوى والأحزاب، لكن القضية وملخصها إن الحزب أنشئ بقرار حكومي، من رأس الدولة، رأس الحزب وبقي (الرئيس الذي ظل يتبجح على الأحزاب المعارضة بأنها لم تجدد قياداتها) بقي محتكراً لرئاسة الحزب التي لم تنتزعها منه إلا قذيفة حوثية ذات ليلة من ليالي شتاء عاصمة اليمن صنعاء.

الكثير من المتباكين على المؤتمر هم من ذوي النوايا الحسنة، يقولون أن المؤتمر حزب بلا رأس، . . . .بلا!  لقد ظل له رأس واحد، على مدى أكثر من ثلث قرن، وعندما جرت محاولة اختيار رأس بديل يتواكب معَ ما طرأ من تغيير في الخارطة السياسية اليمنية (قبيل انقلاب الرأس وقاطفيه ) أبى المشاركون في الهيمنة هذا الخيار، ويتذكر الجميع تصريح محمد علي المقدشي بأن الرئيس هادي لا يمتلك الأهلية ولا الحق في أن يكون رئيساً أو حتى نائباً لرئيس المؤتمر، وحينما اتخذ القدر قراره بأخذ هذا الرأس تمزق الجسد وكل مزقة أخذت لها رأسها، فصار هناك رأسان وربما أكثر في الرياض ورأس في أبو ظبي ورأس بين القاهرة والرياض ورأس في صنعاء وستظهر رؤوس في بيروت، وربما تركيا والدوحة وكوالالامبور، لكن كل هذا لن يصنع جسدا حياً متفاعلاً مع الحياة ومتغيراتها، من جسدٍ ظلّ بقاؤه على قيد الحياة مرهونا ببقاء الرأس الذي غادر الحياة مثل كل كائن حي يحيى ويموت.