fbpx
أزمةالشرعية ومأزق التحالف العربي!*

د. عيدروس نصر

الأزمة اليمنية التي تسبب بها الانقلاب على الحكومة الشرعية في العام 2014م على يد ىالتحالف الانقلابي (الذي ضم حينها الرئيس علي عبد الله صالح وأنصاره وجماعة الحوثي) وأدى إلى احتجاز رئيس الجمهورية وحكومته ورئيسها، ثم القيام بعملية غزو توسعي شمل أكثر من نصف مساحة الجمهورية اليمنية، وبالتحديد كل الشمال، وحوالي نصف الجنوب، وبقاء النصف الآخر (من الجنوب) تحت سيطرة الجماعات الإرهابية (داعش والقاعدة وأخواتهما)، أقول هذه ألأزمة لم تتزحزح قيد أنملة، ولم يطرأ أي تغيير على خارطة الوضع الميداني غير تحرير محافظات الجنوب على يد المقاومة الجنوبية، دون إهمال أو نكران لدور التحالف العربي في دعم هذه المقاومة، ودحر الجماعتين الإرهابيتين: الحوثي وأنصاره ، والقاعدة وداعش وأتباعهما، أما بقية الجبهات الشمالية، فكل التغيير الذي طرأ يقتصر على تبادل السيطرة على منطقتي صرواح في مأرب وميدي في حجة، بينما حرر أبناء مأرب معظم مناطقهم، وإن أشيع أن القاعدة وداعش تحتفظان ببقايا خلايا نائمة يمكن أن تستأنف عملها عند الحاجة إليها.

*       *       *

كان قرار استدعاء التحالف العربي الذي تقوده الشقيقة السعودية ومعها دولة الإمارات العربية المتحدة، من قبل الرئيس هادي قراراً حكيماً وحتمياً، فرض حتميته ما جرى خلال أسابيع من فتح أجواء وشواطئ وأراضي اليمن للطائرات والسفن والمخابرات الإيرانية تسرح وتمرح فيها كيف شاءت ، وقد قيل أنه وخلال أسبوع واحد فقط كانت تهبط في مطار صنعاء 14 طائرة إيرانية، أي بمعدل طائرتين في اليوم الواحد، ومن الطبيعي أن الطائرات الإيرانية لم تكن تحمل وروداً أو قطعاً من الحلوى لليمنيين أو حتى أدويةً وعقاقيرَ، ولم تكن تأخذ منهم البن والعسل، بل كانت تحمل الخبراء والمتفجرات وعشرات الآلاف من الألغام وقطع الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة (التي يقوم الخبراء الإيرانيون بإعادة تركيبها في صنعاء)، ويقال أن آلاف الخبراء العسكريين من الإيرانيين وأعضاء حزب اللاه اللبناني قد وصلوا إلى صنعاء خلال فترة ما قبل عاصفة الحزم في مارس 2015م.

عندما انطلقت عاصفة الحزم توقع كثيرون بما في ذلك خبراء من دول التحالف العربي ومقربون من صناع القرار فيها، توقعوا أن الحرب لن تدوم أكثر من أشهر، بافتراض أن طيران دول التحالف سيتولى تدمير القدرات الدفاعية والهجومية (الطيران والصواريخ والدفاع الجوي) للجماعة الانقلابية وقد فعل ذلك في الأيام الأولى للعاصفة، بينما سيقوم (الجيش) المفترض أنه موالي للشرعية بالزحف على الأراضي التي سيخليها الانقلابيون وتقليص مساحة نفوذهم وإنهاكم، وحرمانهم من مقومات المواجهة، بل ومن مقومات الحياة نفسها، ومن ثم سيسقط الانقلاب والانقلابيون في أشهر معدودة إن لم يكن في أسابيع.

لم يحصل شيءٌ من هذا، بل تطاول زمن الحرب كما يعرف الجميع التي دخلت منذ شهرين عامها الخامس، وأقصى نقطة وصل إليها (جيش الشرعية) هي فرضة نهم التي لا تبعد عن صنعاء أكثر من 30 كيلو متراً، وتوقف هناك منذ نحو أربع سنوات، وعندما اقتربت المقاومة التهامية وألوية العمالقة الجنوبية من مدينة الحديدة جرى الاستنجاد بمبعوث الأمم المتحدة للحيلولة دون استرجاع مدينة الحديدة وتنفس بعض أنصار الشرعية الصعداء بينما حمد الحوثيون الله على هذا الانفراج الذي لم يكونوا يتوقعونه، وفي هذه اللحظة بدأ الإحساس المشترك بين الحوثيين وبعض الشرعيين بأهمية التقارب والشراكة في مواجهة الوقائع الجديدة التي ستودي بهما معاً إلى قارعة التاريخ.

*        *        *

أزمة الشرعية لا تمكن في التحالف العربي ولا في مبعوثي الأمم المتحدة بل في الشرعية نفسها ، ذلك إن داخلها شرعيات متعددة تبدأ بمن يجد نفسه أقرب إلى الحوثيين منه إلى الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، بل ومنهم من وقف في صف الحوثيين وصفق لهم وهم يسقطون المحافظات واحدة تلو أخرى والبعض شاركهم العدوان على المحافظات التي قاومتهم، ومنها محافظات الجنوب، وآخرون لديهم أجنداتهم الخاصة المتمثلة بقيام دولتهم الأيديولوجية من خلال الاتكاء على شرعية الرئيس هادي والإحاطة بها كإحاطة السوار بالمعصم، والتظاهر بتأييد الرئيس كوسيلة لتحقيق هذه الغاية وسيستغنون عن الرئيس بمجرد الوصول إليها، والتجارب في ذلك كثيرة، وشرعية ثالثة أجندتها تقوم على الاستثمار في الحرب واستغلال الكرم الذي تحظى به الشرعية من قبل دول التحالف العربي لتحقيق المزيد من الأرباح والعوائد المالية التي لم يستطيعوا تحقيقها حتى في ذروة انغماسهم في فساد مرحلة الرئيس علي عبد الله صالح التي قال فيها أحد أركانها: من لم يغتن في عهد علي عبد الله صالح فلن يغتني أبداً.

هذه الأزمة هي التي حالت دون إحراز أي تقدم يذكر في مواجهة المشروع الانقلابي، وليس صحيحا القول أن التحالف العربي هو الذي منع التقدم باتجاه إسقاط الجماعة الانقلابية واستعادة العاصمة صنعاء من أيدي الانقلابيين، لأن مصلحة التحالف العربي تكمن في إسقاط الانقلاب لا في استمرار الحرب التي تنستنزف دول التحالف وتكبدها المليارات، مهما كانت مقدراتها.

وهكذا أدت أزمة الشرعية إلى وقوع التحالف في مأزق ورطته فيه بفشلها وعجزها عن الاستفادة من النجاحات التي تحققت في الجنوب والساحل الغربي وحتى مأرب، والبرهان على قدرتها على تقديم نموذج للدولة التي يتطلع إليها المواطنون وانشغال أجنحتها المتناقضة في تنفيذ أجنداتها الخفية التي لا تخدم ما يسعى إليه التحالف العربي، بل وتعمل ضد مساعي هذا التحالف وتضمر من الشر والغدر تجاه التحالف أكثر مما تضمر للجماعة الانقلابية.

وهكذا فإن مأزق التحالف لا يكمن في سوء أداء أطرافه ولا في عجزهم عن مواجهة المدِّ الإيراني وإجهاض المخطط الانقلابي لفرعه (الحوثي) في اليمن، بل يمكن في اعتماده على كوكتيل تحالفي غير منسجم ولا يجمع أطرافه سوى الاستثمار في إطالة أمد الحرب والاستفادة من الدعم المادي واللوجستي الذي تقدمه دول التحالف لتحقيق مزيد من الثراء، على حساب آلام ومعاناة اليمنيين واستمرار انهيار ما تبقى من مقومات الدولة في اليمن والتهرب من الحسم العسكري لما يؤدي إليه من انقطاع تلك العوائد المالية واللوجستية المهولة التي يحققها لهم استمرار الحرب، . . . إنها الأطراف التي أقل ما يمكن وصفها به أنها أقرب إلى المشروع الانقلابي منها إلى مشروع التحالف العربي، ومعه “الشرعية المفترضة” للرئيس عبد ربه منصور هادي.

*        *        *

لا يمكن أن نتناول هذه القضية المعقدة دون الإشارة إلى أن ثبات الجماعة الانقلابية واستبسالها في مواجهة قوات دول التحالف المؤيد للشرعية، لا يعود إلى تقصير من قبل قوات التحالف العربي ولا إلى تفوق الجماعة الانقلابية، لا سياسياً ولا عملياتياً ولا أخلاقياً ولا حتى مادياً ولكن السبب الرئيسي لهذا الثبات والتفوق وذلك الاستبسال والصمود يعود إلى سوء أداء التحالف المؤيد للشرعية من السياسيين والعسكريين اليمنيين الذين أصابهم الترهل والخمول والشيخوخة الذهنية والجسدية، فأصبحوا مجرد عبئٍ ثقيلٍ على الشعب اليمني وعلى لتحالف العربي في آنٍ واحد، فبعد كل هذه السنوات من القصف والقتال والدمار والخسائر التي ألحقت بالطرف الانقلابي أولاً وبالشعب اليمني ثانيا وبدول التحالف ثالثاً، بينما الطرف الوحيد الذي لم يخسر شيئا هو تحالف الشرعية الذي يحيط بالرئيس كإحاطة السوار بالمعصم لم تستطع القوات الشرعية تحقيق أي تقدم باتجاه استعادة العاصمة، أو على الأقل إنهاك الجماعة الانقلابية وإجبارها على تقديم التنازلات التي تحقق أهداف التحالف العربي.

ومن هنا يمكن التوقع أن دول التحالف العربي قد تعلمت الدرس الأهم في هذه المعركة الجدية والملتبسة، وهو أن رهانها على الفاشلين والمتلونين والمتسترين وتجار الحرب وعديمي المسؤولية ممن يدعون أنهم يناصرون الشرعية والتحالف العربي، هو السبب في توقف الـ”جيش الشرعي” عند فرضة نهم، وعجزه عن التقدم عشرة أمتار باتجاه صنعاء، وهو يمتلك مئات الآلاف من العسكريين ومعهم ملايين المتطوعين القبليين الماهرين في استخدام السلاح وخوض المعارك، ويمتلكون عتادا عسكريا يكفي عشرات الجيوش، بينما حرر الجنوبيون أكثر من ثلاثمائة ألف كيلو متراً مربعاً في ثلاثة أشهر اعتمد في معاركها أغلب المقاومين على السلاح الشخصي الخفيف، وهو أمرٌ لا يقلل من دعم دول التحالف الشقيقة التي تقدم للجيش الشرعي منذ خمس سنوات أضعاف ما قدمته للمقاومة الجنوبية، كل هذا يقتضي التخلص من هذا العبء الثقيل الذي لا خفف من نفقات المواجهة ولا ساهم في هزيمة المشروع الإيراني ولا ترك الرئيس الشرعي يتخذ القرارات الحاسمة التي تنسجم مع أهداف عاصفة الحزم وإعادة الأمل، ولا توقف أنصاره وأشياعه عن التحريض ضد التحالف العربي وتهييج الشارع اليمني ضد جهوده ومساعيه.

وإذا ما تذكرنا أن عدداً من الأخطاء التي جرت في بعض عمليات قوات التحالف (مثل حادثة صالة العزاء الشهيرة في الثامن من أكتوبر العام 2016م) قد جاءت نتيجة لتزويد قوات التحالف بإحداثيات مغلوطة من قبل قيادات الجيش “الشرعي “، لأدركنا حجم المأزق الذي تتسبب به تلك القوى المحسوبة على الشرعية للأشقاء في دول التحالف.

*       *       *

منذ أيام وبعد تداول نص الرسالة بين جماعات من أعضاء مجلس النواب المؤيدين للشرعية وجه رئيس المجلس سلطان البركاني رسالة للحكومة يطالب فيها بعدم التعامل مع المبعوث الأممي مارتين جريفيت لأسباب عديدة منها انحيازه إلى الحوثيين وتعامله معهم كند للحكومة الشرعية، وانتقلت الرسالة إلى الرئيس هادي الذي ورطه مستشاروه ومؤيدوه برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تضمنت تلك المطالب التي يشكو فيها من محاباة المبعوث الأممي للجماعة الحوثية مع ما تضمنته الرسالة من نقاط يعرفها الجميع.

بعض المعلقين قال أن الحكومة الشرعية تريد من السيد جريفيت أن يحل محلها ويقاتل الحوثيين حتى يخرجهم أو يطرحهم أرضا ثم يسلم الأرض للحكومة الشرعية، وبعضهم قال أن الحكومات الشرعية أشبه بربة البيت الفاشلة العاجزة عديمة الكفاءة التي لا تربي أولادها ولا تنظف منزلها ولا تشبع أفراد أسرتها طعاما ولا تدر دخلا على بيتها، ثم تتهم جاراتها بأنهن يكتبن لها سحرا يجعلها غير محبوبة عن أفراد أسرتها.

لا أتصور أن تهريب الأسلحة إلى الجماعة الحوثية عبر المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني، أمر لا تدركه مخابرات دول التحالف العربي، والأدهى من هذا ما تردد أن أسلحة ثقيلة ومتوسطة من تلك التي قدمها الأشقاء السعوديون عثر عليها لدى الأسرى الحوثيين أو في المواقع التي أخلوها في مناطق المواجهة وهذا الأمر لا يمكن أن يكون خافيا على الأشقاء في التحالف.

*           *         *

في ضوء الفشل المتواصل للشرعية والتحالف السياسي اليمني المهيمن على قرارها، فإنه لم يعد أمام التحالف العربي الكثير من الخيارات، للخروج من هذا المأزق والسير باتجاه الوصول إلى أهداف عاصفة الحزم وإعادة الأمل، خصوصا بعد اتساع دائرة من يضمرون الشر لدول التحالف بين أدعياء أنصار الشرعية بوصول المئات من السياسيين ومعهم آلاف الأتباع والأنصار، إلى الرياض ممن حاربوا في صفوف الحوثيين ووقفوا سياسيا ضد الشرعية وضد التحالف العربي في السرِّ والعلن.

لم يعد من المجدي الرهان على تحالف الشرعية الذي أثبت فشله في أكثر التحديات بديهية وأكبرها سهولةً وهو خيار إسقاط الانقلاب ومواجهته، فمع الاحتفاظ بدعم شرعية الرئيس هادي كرمز للشرعية فإن البدائل التي يمكن الرهان عليها يجب أن لا تشمل تلك القوى التي تورطت تاريخيا في مفاسد النظام السابق وجرائمه، وإذا كان الشعب الجنوبي قد أثبت أهليته لمواجهة الانقلاب وإلحاق الهزيمة بأساطينة مرتين، في العام 2015م والعام 2019م فإن الأولى للتحالف العربي أن يتعامل مع الشعب الجنوبي كشريك حقيقي وفاعل وصادق ووفي في مواجهة الانقلاب، ولا شك أن في الشمال بدائل قادرة على إسقاط الانقلاب غير تلك القوى التي أكلت منها الشيخوخة والفشل السياسيين مأكلهما، لكن تلك البدائل لم يبحث عنها أحد ولم يفكر التحالف في البحث عنها بعد أن تورط في الاعتماد على تحالف الشرعية الهش، الذي لا يختلف عن الجماعة الحوثية إلا بالتدليس والنفاق.

أزمة الشرعية تتشعب، بعد أن دخلت في مواجهة مباشرة مع المنظمة الدولية ورفضت التعامل مع مبعوثها الأقوى والأوفر حظاً في دعم القوى المؤثرة على صناعة القرار الدولي، بينما ينال التحالف العربي نصيبه من هذه الأزمة من خلال فشل قوات الشرعية في إحراز أي تقدم في أي من الملفات الجادة والساخنة في حين يتربص بهذا التحالف (العربي) الكثيرون ومنهم بعض أركان هذه الشرعية الذين لن يتورعوا عن القيام بدور الشهود ضد التحالف إذا ما تكالب عليه الفاعلون الدوليون بأي تهمة من التهم التي يروجها أعداء التحالف وما أكثرهم.

والله ولي الهداية والتوفيق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*   نشرت هذه المادة على صفحة الكاتب على خدمة التواصل الاجتماعي فيس بوك على خمس حلقات فب الفترة بين (25 ـ 28 مايو 2019م).