fbpx
زيارة البابا.. المعاني والدلالات
شارك الخبر

ربما تكون دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر استعداداً وتأهُّلاً لاستقبال قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية بين دول العالمين العربي والإسلامي. فالبابا في فترة تولّيه للكرسي الفاتيكاني منذ عام 2013 أثبت بتصريحاته ورسائله وحركته أنه رجل السلام والحوار والعيش المشترك بين الأديان، والصداقة للمسلمين والدفاع عن القضايا العادلة.

أما دولة الإمارات، والتي احتفلت عام 2018 بمئوية مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأعلنت عام 2019 عاماً للتسامح، فيعيش على أرضها، بحريةٍ وسلام، ملايين من أتباع الديانات العالمية، الذين يمارسون عباداتهم في معابدهم التي ساعدتهم قيادة الدولة في إقامتها. وتحتضن الدولة مؤسسات كبرى وعاملة من أجل السلام بين الشعوب، مثل مجلس الحكماء، ومنتدى تعزيز السلم. وفي المجال الإسلامي والعالمي، فإنّ دولة الإمارات هي الأكثر بذلاً وسعياً لمكافحة الفقر والأمراض والأوبئة والفساد البيئي، ومكافحة النزاعات الداخلية في الدول وبين الشعوب، ونشر رسالة الإسلام الوسطي والمستنير.

وعندما يصل البابا رجل السلام والحوار والإيمان السمْح والمنفتح إلى الدولة، فإنه يجد في استقباله شيخ الأزهر رئيس مجلس الحكماء، وكوكبة من علماء الإسلام من سائر أنحاء العالَم الإسلامي. كما يجد في استقباله كبار المسيحيين العرب من مصر وفلسطين ولبنان والأردن. وكبار رجالات الديانات الأخرى في العالم من إنجيليين وأرثوذكس ويهود وبوذيين وهندوس. وكل هؤلاء يحملون رسالةً واحدةً هي رسالة السلام والحوار والعيش المشترك والمواطنة العالمية. لقد صارت رسالة التسامح الإماراتية رسالةً عالميةً. فالفكرةُ بأبعادها التعارفية والمستنيرة شديدة الأهمية والدلالة، لكنها تُصبحُ أكثر أهميةً عندما تتحول أو تتطور إلى سياساتٍ في الدولة وللدولة. فالحكومة الاتحادية الإماراتية فيها وزارةٌ للتسامح، وتعمل في الخطّ ذاته وزارات عدة ومؤسسات وهيئات تنشر الرسالة نفسَها، سواء في مناهجها التربوية والثقافية والدينية، أو في إعلامها المرئي والمكتوب، أو في عمل دبلوماسييها في الخارج.

في العقدين الأخيرين واجه المسلمون والإسلام تحديات عدة. وكان أبزرها وباء التطرف والإرهاب، والذي أحدث اختلالات كبرى داخل المجتمعات والدول، ونشر الرعب في أنحاء العالم، وأعطى صورةً سلبيةً جداً عن الإسلام. وكما تصدت له دولنا بقوةٍ وفعالية، فإنّ العلماء والمثقفين انصرفوا لمكافحة تحريف المفاهيم الدينية، وأعادوا بناء أنفُسهم لمواجهة هذه الموجة العاتية. وكانت دولة الإمارات في مقدمة الدول التي نجحت ليس في المكافحة فقط، بل وفي الوقاية والتجنب قبل ذلك. وكل ما ذكرناه عن سياسات الوسطية والاستنارة في الدولة ما كان ردّة فعلٍ على التطرف والإرهاب، كما في دولٍ أُخرى. فالبيئة المجتمعية الإماراتية في الأصل، وبسبب السياسات المستقرة لرفاهية المواطن، ورعاية الشباب، وإقامة مجتمع الحقوق والواجبات والمواطنة والمشاركة، ما ظهرت على سطحها طفائح التطرف والعنف.

وبسبب هذا الاستقرار المطمئن والمريح والرسالة الهادئة، أقبل العالم العربي والإسلامي والدولي على الإمارات للإفادة من تجربتها الحية والمميزة. لقد شهدت دولة الإمارات في العقد الأخير عشرات المؤتمرات والورش، وليس في السياسات العامة التي تقوم بها الدول عادةً فقط، بل وفي اللقاء بين الأديان والثقافات، وفي إصدار المواثيق والإعلانات، وفي العمل بالشراكات على صنع وتطوير البدائل والخيارات التي تفتح الآفاق على مستقبلٍ آخر للعلاقات بين الأديان.

وإذا تأملنا تجربة البابا فرنسيس في السنوات الخمس الماضية، فسنجد لقاءات كثيرةً وتوافقات مع سياسات دولة الإمارات. فقد أعلن العام 2015 عاماً للتسامح، والعام 2016 عاماً للرحمة، والعام 2017 عاماً للأخوة الإنسانية ومكافحة الفقر. وفي 2018 أصدر رسالته الشهيرة عن حقوق الضيافة والجوار والمهاجرين واللاجئين. وكان خلال كل تلك الأعوام يتحرك إلى مواطن النزاع لإخمادها، وإلى مواطن الفقر لصنع ضمانات للعيش الأفضل. واهتمّ كثيراً بالعلاقات مع المسلمين، ورفض شيطنة الإسلام، واعتبره عام 2016 ديانةً للرحمة والمعروف، فكان بالفعل بين الشخصيات الأكثر تأثيراً لتصحيح الصورة عن الإسلام. وفضلاً عن زياراته للدول الإسلامية، وبينها مصر، فإنه أقام علاقة صداقةٍ ومحبةٍ مع شيخ الأزهر في لقاءاتهما المتكررة، والتعاون الذي قام بين المؤسستين. وما قام به من تعاوُنٍ مع الإمام الأكبر، جهد لإقامة مثائل له مع العلماء والمؤسسات في الدول الإسلامية الأُخرى.

ويأتي البابا فرنسيس إلى الإمارات صديقاً وعارفاً بسياسات الدولة في التسامح والحوار والعمل على الأُخوة الإنسانية. لذلك قلنا إنّ الدولة هي الأكثر استعداداً لاستقبال البابا المتميز برسالة السلام والحوار، وتجاوُز عقبات الحاضر، والتفكير في آفاق التعاوُن والتضامن من أجل الغد الأفضل لبني البشر. فمرحباً ببابا السلام في دولة السلام.

*نقلاً عن صحيفة “الاتحاد

أخبار ذات صله