fbpx
قضية خاشقجي وإدارة الحرب الإعلامية

امين اليافعي

جاء إعلان السلطات السعودية رسمياً عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية باسطنبول ومسئولية 18 موظفاً حكوميا، معظهم في السلك الأمني السعودي، عن الجريمة تحت إلحاح ثلاثة أهداف رئيسية:
– قطع الطريق على أن تكون المعلومات حول الجريمة بيد السلطات التركية، والتي تعاملت مع الأمر بذكاء شديد، من حيث أنها قامت بتسريب المعلومات بالقطّارة حتى تُبْقى وسائل إعلامها في مركز الاهتمام العالمي كالمصدر الأول للمعلومة، ومن خلال ذلك: تسليط الضوء على ولي العهد السعودي باعتباره المشتبه الرئيسي، وكذلك تصدير روايات مُرعبة عن طريقة القتل لرفع مستوى الاستياء والغضب. وسنُلاحظ أنه بعد الاعتراف السعودي بالجريمة، قل الاهتمام الإعلامي العالمي بالمصادر التركية، وتركز على معلومات من داخل السعودية نفسها، وبالأخص من داخل الأسرة الحاكمة.
– ضغط إدارة ترامب الشديدة على القيادة السعودية بضرورة إخراج رواية يمكن عن طريقها إسكات الإعلام، ولملمة القضية، وهذا ما بدا واضحاً من تعليقات ترامب الأولى حول القضية.


– تشتيت التركيز حول ولي العهد محمد بن سلمان باعتباره المتهم الرئيسي، وإحالة الجريمة على مسئوليين ثانويين.
ولأن الرواية التي أخرجتها السلطات السعودي كانت ساذجة إلى ابعد حد، ومن المستحيل تصديقها، فقد كان رد فعل العالم – إعلامياً وسياسياً – رافضاً لها على نحوٍ قاطع.


وفي كل الأحوال تبقى الكرة في الملعب الأمريكي، التي تحولت القضية فيها إلى قضية الرأي العام رقم واحد، وذلك لعدة أسباب: حظ الصحفي أنه كتب في الأيام الأخيرة بمؤسسة صحفية أمريكية كبيرة جدا كالواشنطن بوست وقد لعبت دور كبير في إثارة القضية، صراع وسائل الإعلام والمؤسسات الأمريكية مع إدارة الرئيس ترامب مما جعل القضية فرصة مناسبة لإدانة الإدارة الأمريكية في ظل علاقتها الوثيقة مع بن سلمان، صراع اللوبيات المختلفة.


على إن ترامب الذي لا يتعاطع مع الأمور والقضايا إلا من منظور “بزنس مان”، في أضيق صوره، لم يُفكر سوى بالـ 110 مليار دولار، ولم يكن يتوقع أن تنفجر هذه القضية بهذا الشكل الذي يصعُب السيطرة عليه، وهو كشخص طارئ على المؤسسة الأمريكية لم يكن يعطي أي أهمية لدور وسائل الإعلام التي كانت محور رئيسي لتغريداته الساخرة على تويتر، ولهذا كانت تعليقاته على تطورات القضية تنتقل من النقيض إلى النقيض في غضون ساعات قليلة.


في هذه الأجواء المرتبكة والمضطربة، وفي ظل محاولة الإمساك بدفة الحرب الإعلامية، وبعد إجراء اتصالات مع ترامب، الذي تحوّل من صف الداعمين للرواية السعودية إلى صف المشككين في غضون زمنٍ قصيرٍ، واتصالات مع ورؤساء آخرين، أعلن الرئيس التركي بأنه سيُقدم الرواية التركية الرسمية حول جريمة قتل الصحفي خاشقجي أخيراً بعد الاكتفاء بالتسريبات الإعلامية لمدة أسبوعين، ومن المتوقع أن تكون مختلفة، في محاولة لإعادة الانظار صوب تركيا باعتبارها مصدر المعلومات المهمة، من ناحية، ومن ناحية ثانية قد تتضمن هذه الرواية تحميل مسئولية الجريمة ولي العهد السعودي، والذي بدوره أعلن عن إجراء مقابلة اليوم، استباقية للرواية التركية، للكشف عن ملابسات الجريمة، وكما أعلنت وسائل الإعلام التابعة له.