fbpx
من الذي زرع الإرهاب في الجنوب؟!

 

من زرع الإرهاب في الجنوب؟! ومن يدعمه ويموله وينظّم خطاه وينشره ويزوده بالطاقات اللوجستية ويقسّمه إلى كتائب ويدرب عناصره ويمنحه الرتب والمراتب ويتستر عليه؟!.. الإجابة عن هذا السؤال هي المساحة الإعلامية الأولى التي لم تأخذ نصيبها الكافي من دوائر جنوبية، لقلة الحيلة وضعف الأداء السياسي ، ولم يقال سوى اليسير الباهت في أمر جلل كهذا، خاصة بعدما تفككت شفرات الغموض بعد تحرير المدن، فاستغل خصومهم الفرصة في هجمة مرتدة للانقضاض على الجنوب بسبب الإجراءات الأمنية ، فكانت حرباً إعلاميةً موجهةً ومنظّمةً وجد الجنوب نفسه مرة أخرى مدافعاً.

هناك مؤشرات بأن المعلومات الأخيرة حول خلفيات الإرهاب في الجنوب وداعميه قد فتحت شهية دوائر الاستخبارات في العالم ، فذهبت تحفر في التفاصيل الدقيقة لركام ظل ملتبساً لسنوات طويلة، ويعتقد مراقبون بأنها ستقود إلى تغييرات جذرية في مواقف إقليمية ودولية لصالح قضية الجنوب ، خاصة بعد أن تكشفت حقائق واضحة من خلال تحرير المدن الساحلية وجوارها، وظهور أدلة مادية واعترافات تشير إلى تاريخ مجموعات أنصار الشريعة وفروعها ومراحل نموها، وأن هناك شراكة لعدة جهات داعمة تبادلت الأدوار فيما بينها مرحلةً بعد مرحلةٍ، ليس هذا فحسب بل أن فكرة “الجنوب شريك استراتيجي محتمل في مكافحة الإرهاب” قد أصبحت محل دراسة الآن.

تلك المسألة الأهم التي لا يجب مغادرتها إعلاميا باعتبارها قضية القضايا الآن، ليس من باب المناكفات السياسية ، فالجنوب لا يتلاعب بورقة الإرهاب كما يفعل الآخرون ، بل يقاتله ويلاحقه إلى مخابئه ويفتش عن خلفياته وخيوط الحاوي الأكبر الذي يدير عرائسه على مسارح العبث الدموي التدميري لأمن المجتمع وأمن العالم.

الجنوب لم يصدِّر إرهاباً لأحد ولم يتسبب في أَذى أحد ولم يأخذ حق أحد ، لم يقصف المدن والقرى ، ولم يعرف كيف يزرع الألغام ، ولم يدَّعِ أن الشمال جزء ملحق به وغنيمة حرب سخرها الله له ، فالجنوب شعب فقير منهك قاوم العدوان عليه بكل ما تبقى من دمه ، ويسعى بمثابرة ليستعيد الأمن للناس والضوء للمدن المنطفئة منذ زمن.

الجنوب ضحية كبرى في هذا التاريخ المعاصر ولا حاجة للسرديات التي تبيّن ما حل به وبأهله، ويكفي أنه بعد استنزاف مادي ومعنوي طويل واجه حرباً تدميريةً علنيةً، ثم خرج منها ليواجه حرباً خفية أكثر خطورة، يواجه فيها القاعدة بتشعباتها وجبروتها وقواها وداعميها وهي حرب ليست هيّنة حتى على دولة عظمى.

أبناء الشمال وأبناء الجنوب إخوة لا تفرقهم الأعراق ولا الأديان، وتعز وعدن مدينتان تجمعهما أواصر روحية ومعنوية وثقافية منذ الأزل وستظل كذلك، ولكم تغنَّى أبناء الجنوب بـ”الشمال الحبيب” وزرعوا الورود في طريق إخوتهم وأهدوهم الحب والشعار والأغاني.

الآن الجنوب جريح جداً ، يحمل القهر العظيم بعد أن تهدم التاريخ والحاضر أمام ناظريه وحمل إلى القبور أغلى رجاله، حتى وقف أمام مدنه المنكوبة، يعيد خياراته لأنه تعلم دروساً رهيبة وباهظة الثمن لم يكن يفهمها أو يتخيلها.

وخيارات الجنوب السياسية لن تجعل منه عنصرياً أو طائفياً كما يروج البعض، فهو يناضل من أجل دولته ويحتفظ بحق القربى والروابط الأخوية، وستبقى في أحسن أحوالها مثلما كانت تاريخياً وستنتهي كل الرواسب البغيضة التي زرعتها الوحدة العنيفة القسرية.

الجنوب لديه من أهلهِ أصحاب “الشهامة السياسية” من يتولى النقد العلني ضد ذاته ، ومن يمارس طقوس “اللطميات” الإعلامية ليدمي جبينه وجبين أهله في الجنوب دون حسابات، بطريقة عفوية أو لموقف ما ولا ضير في ذلك… لكن في المقابل ليتنا نرى بين إخوتنا في الشمال من ينصف الجنوب ولو بكلمة خجولة، ليتنا نرى من يقول كلمة حق دون تعصب، فحتى في زمن الحرب الهمجية وقف الكتاب من إخوتنا في الشمال ينتقون الكلمة بعناية لكي لا ينصفون الجنوب كما يجب، وحتى أولئك الذين يتعاطفون مع الجنوب لا يفعلون إلا وفق شروط ومحددات وتعريفات حذرة وشحيحة ومجتزأة، فتضيع ريح مواقفهم ويحبطونها فتظهر آراؤهم مبتورة وظالمة.

الجنوب يستمر بحملاته الأمنية ضد الإرهاب ولن يتوقف بالتأكيد ولا أحد يعتقد أن هناك ظلم موجه ضد البسطاء ، فالذي يدفع البلاء عن نفسه لا يملك طاقةً ولا هدفاً لإيذاء الآخرين، وربما يلزم على أهل الجنوب أن يتعلموا بأن الإعلام سلاح قوي في هذا العصر، فما يزال الأداء ضعيفاً جداً ، وما تزال رؤوس الأموال ورؤوس الساسة بعيدة عن التحديات الحقيقية.