fbpx
رحل الشاعر والفنان والإنسان.. صالح سعيد العُمَري
شارك الخبر

يافع نيوز – كتب – د.علي صالح الخلاقي.
أنا حزين لرحيل صديقي الشاعر الفنان والإنسان صالح سعيد العُمَرَي الرُّشيدي، الذي غادرنا يوم أمس 25 ابريل 2018م على إثر مرض مفاجئ ألم به، ولكن لا اعتراض على إرادة الله وقدره، ولا نملك إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، فكلنا عابرون في هذه الدنيا، وتبقى الذكرى الطيبة والعمل الصالح بعد رحيلنا عنها. وفقدينا الراحل ترك سمعة طيبة وسيرة حسنة، حيث كان من الشخصيات الاجتماعية المعروفة في محيط واسع من يافع  وخارجها وأسهم في حل الكثير من المشاكل وإصلاح ذات البين حيث كان يحظى باحترام وتقدير كبيرين، وعُرف بعلاقاته الواسعة التي نسجها مع الكثيرين، فضلا عن كونه شاعر وفنان ومهتم بالتراث الشعبي وهو ما جعل من حضوره في أي لقاء أو مناسبة فرصة للاستماع بشعره أو بفنه، واتذكر لقاءات عديدة جمعتنا به اتحفنا خلالها ببعض من أشعاره وأغانيه. وظل موقفه ثابتاً مع قضية شعبنا وحريته واستقلاله وهو ما عبر عنه منذ حرب اجتياح واحتلال الجنوب عام 94م، وتجلى ذلك بكل وضوح في موقفه أثناء  الحرب الأخيرة عام 2015م  حيث كان من المحرضين لمواجهة الغزاة الحوثيين عندما وصلوا إلى عدن، وله تسجيل صوتي في هذا الصدد يحض الشباب على التحرك من يافع إلى عدن للالتحاق بصفوف المقاومة الجنوبية لطرد جحافل الغزاة من عدن وكل تراب الجنوب..
ربطتني بالفقيد علاقة صداقة وتواصل بين حين وآخر منذ أن تعرفت عليه عند تأسيس كلية التربية – يافع عام 1998م،  وتطورت هذه العلاقة مع اهتمامي بتدوين الموروث الشعبي والتاريخي، حيث كان أحد المهتمين ممن جلست معهم واستفدت منهم. وقد سجلت منه بعض زوامله التي خصني بها لكتابي قيد التجهيز (الزوامل..لسان الشعب) وله أشعار كثيرة مدونة ويحتفظ بها في أرشيفه الخاص .. وسأقدم هنا نماذج من زوامله تبين وتستجلي مواقف الفقيد الوطنية ومن قضايا وهموم الشعب  التي كرس لها معظم اشعاره..
لقد اتخذ الشاعر الراحل موقفا واضحا من الإخفاقات واختلالات التي أصابت الوحدة المغدورة منذ أيامها الأولى وحذر من عواقبها. فخلال المرحلة الانتقالية التي عُرفت بـ(الانتقامية) وما شهدته من خلاف بين حكومة الائتلاف وتصفيات لشركاء الوحدة الجنوبيين قال الزامل التالي يصف فيه الوضع الحرج الذي أوقع الجنوبيين في يد من أسماهم (الهمج) وكان محقا في توصيفه المبكر، وما زلنا ندفع الثمن حتى الآن:
أقسمت ما مخرج، على يد الهَمَجْ
 ما يقتلب منهج، ولا منه خروج
لا البحر يتماوج، ذَهَبْ قالوا نَتَجْ
 بَنَّهْ زَلَجْ، عند العمارد والشروج
– وهو صاحب الزامل الشهير الذي عبر فيه عن حيرة عقله وقلبه في الموقف مع وضد (الوحدة الضيزى) يقول فيه:
عقلي مع الوحده ،وقلبي ضدها
 مَنْ ذي يوفق بين عقلي والضمير
خوفي على الوحده وخوفي منها
 والعالم الله كيف تالية المصير
كما ظل الفقيد صالح سعيد العُمري في كل مواقفه وفي أحاديثه ولقاءاته يدعو إلى تكاتف ووحدة صف الجنوبيين واختيار قيادة موحدة تكون واجهة لهم منذ بداية حراكهم السلمي، ودعا إلى ذلك أيضاً  في شعره مستغلا مناسبات الزواج أو أفراح الأعياد حيث تكون تجمعات الناس كبيرة ،يقول في هذا الصدد:
قال المصنف يا الرِّجال اتكاتفوا
 ضَمّ المخُوِّه خير من فكفاكها
صِحّ الجسد بالرأ س قاله هاجسي
 والعِيْس بِيْشِلْ الثقل جَمَّالها
وله في الدعوة لتعاضد وتلاحم الجنوبيين والاتعاظ من دروس الماضي وعدم تكرار مآسيها:
سلام يتقدم، بمعيار الحَكَمْ
 يدعي لشور الضم، والرأي السليم
شد العضد باللَّم، يكفي ذي قدم
 والجِيْد لا يندم ولا يجلس عَدِيْم
ولأن الشاعر من الشخصيات والوجاهات الاجتماعية فقد كان له حضوره ورأيه في معالجة وحل الكثير من المشاكل التي تحدث هنا وهناك، ومن ذلك قضية قُتل شخص من السوادية بمحافظة البيضاء يُدعى البوبكي عن طريق الخطأ من قبل شخص من المصنعة – بالموسطة في  يافع، فذهب موكب من حوالي 200 شخص من الموسطة- يافع إلى السوادية للمخارجة على رأسهم شيخ الموسطة، نقيب يافع، الشيخ عبدالرب أحمد النقيب، وعند الوصول قال الشاعر صالح سعيد العمري الزامل التالي:
سلام من ذي حل في قمة جبل
 مِقدار والأقدار جابتنا عليه
اسْبلْ بوجه الحق في مَدّ الثَّقَلْ
 ولا بيدهَمْ سَوْم له والاَّ عليه
ماشي من المقدور حيله لا نزل
 هذا مقدر ما حَدَا ناوي عليه
جينا بشَرْعْ القبيله ما حَدْ فَسَلْ
 كَيْل الشَّرف معروف با رسِّي عليه
وبعد الوقع الطيب الذي تركته كلمة الشيخ عبدالرب أحمد النقيب  وكذا تأثير زوامل الشاعر المعبرة، تم السماح من قبل أولياء الدم وأهل السوادية جميعهم، بمشائخهم الثلاثة، ثم استضافوا أهل يافع بكرم بالغ، وفي اليوم التالي وعند المغادرة ردد موكب يافع زاملاً للشاعر صالح سعيد العُمري تعبيراً عن الشكر والتقدير  للموقف الذي قوبلوا به من أهل القتيل:
مقامكم يُكرم، وشرَّف مَنْ حَكَمْ
 أزهِر وحَنْحِنْ بالرَّوايح يا نسيم
بالشكر نتقدم، لكم مجمُول عَمّ
 تقدير يافع من كلد لمَّا القويم
–  وله في مناسبة زواج بداية فتنة الرداما وأهل داوود في مديرية الحد-يافع، بحضور مشايخ وأعيان من يافع يدعو لتدارك وحل تلك الفتنة التي شبهها بالبرق الذي قد يزحف ويخسف بما حوله من سقوف:
يا مَنْ حَضَرْ لي شَفّ، قُوله بالمَزَف
 بالحد رفرف برق بيزفه زفوف
يا للأسف وين العوائد والسلف
 بي خوف لا يزحف، وخلاَّها خسوف
– ومن زوامله في مناسبات مختلفة، أقتطف المختارات التالية :
قال المصنف حان، والوقت امتحان
 معيار للإنسان، كُلاً يوزنه
من صان نفسه صان، ما يلفاه شأن
 ومَنْ عثر يهتان، كلاً يفطنه
– وله أيضاً:
لي هاجس اتبندق، يشق الحيد شق
 بالصدق يتنطَّق، وفي قوله وثيق
الحق ما يُغلق، بيتمهَّل ودَقّ
 والباطلي يحرق، ويغرق بالمضيق
– ومن زوامله في إصلاح ذات البين:
الحكم شورى بيننا في شأننا
 بإصلاح ذات البَيْن بالكفو استعين
وأعُوذ بك يا رب من كلمة أنا
 من زُمرة الشيطان وإبليس اللعين
ونختتم هذه المقتطفات من زوامله، بهذا الزامل التي قاله قبل سنوات وكأنه يتوقع فيه ما تدور من أحداث في صنعاء عصفت وتعصف بطغاة الشر والفساد:
رعنا برأ الساحه بها جرجر وجر
 جاهم بيتلملم على صنعاء خطير
لا حن راعدها مَعَا يخرج نفر
 يا كُّل متجبر الى اين المسير
– وقد عقّب عليه شاعر حوثري لا يحضرني اسمه بقوله:
ونا برأ الحاير قده وصط الوصر
 عينه في الناقه وعينه ع البعير
وعادك آتبصر حجر تكسر حجر
 والمنكري با يدفنونه قعر بير
أخبار ذات صله