fbpx
في أربعينية الشهيد د.أحمد محمد الصلاحي: ذكريات مضيئة في محراب العلم !!

علي صالح الخلاقي

نعم…في محراب العلم تعارفنا حيث جمعتنا الدراسة العليا في موسكو..
ثم توطدّت هذه العلاقة في رحاب جامعة عدن حيث جمعنا العمل والزمالة الأكاديمية ضمن الهيئة التدريسية للجامعة.
وقبل ذلك، كان من محاسن الصدف أن جمعت بيننا معلمة اللغة الروسية القديرة “غالينا الكسندروفنا” التي درسّت د.أحمد محمد صالح الصلاحي في السنة التحضيرية حينما التحق بالدراسة الجامعية في موسكو، فكانت هي من تعلَّمت على يديها أيضاً اللغة الروسية في السنة التحضرية عام 1986م، وكانت هذه المعلمة القديرية تتذكر باستمرار أحمد صالح ، وتُورد اسمه غالبا (صالح)، مثلما تسميني صالح أيضاً.. وذِكْرَها له باستمرار ليس لتقارب أسماءنا ..أحمد صالح ..علي صالح..بل وكما قالت لأننا من أذكى الطلاب الذين درستهم خلال مشوارها الطويل في تدريس اللغة الروسية للأجانب، وكان هذا مبعث فخر واعتزاز، وكنت في شوق لمعرفة ذلك الطالب النجيب الذي لم تنساه معلمتنا القديرة، خاصة وأنني لم أكن أعرفه من قبل.
في عام 1989م وفي رحلة البحث عن العلم كان لقاؤنا الأول، في موسكو حينما عاد أدراجه من عدن إلى موسكو لمواصلة دراسته العليا (الدكتوراة ) في معهد بوشكين، القريب من جامعة الصداقة بين الشعوب التي كان قد حصل منها على الماجستير عام 1984م، وهي الجامعة التي كنت أدرس فيها أيضا. وخلال لقاءاتنا المتكررة عرفت منه بالصدفة أنه هو شخصيا مَنْ تتذكَّره مدرسة اللغة الروسية، وتواعد نا أن نقوم معاً بزيارة مفاجئة لها في القسم مع هدية رمزية حضّرناها لها، وكم كانت سعادتها بالغة وهي تلتقينا ونتبادل معها أحاديث الذكريات عن دراستنا في السنة التحضيرية وكيف بدأ كل منا معها رحلة الابحار في محيط اللغة الروسية الواسع وامتلاك ناصيتها، وكانت تقدمنا بفخر لزملائها وزميلاتها الأساتذة في القسم.
ظلت صداقتنا خلال سنوات دراستنا متينة، نلتقي غالبا مع عدد من زملاء الدراسة ونتناقش في الهم العام وهموم الدراسة، خاصة وأن المسافة بين جامعتنا ومعهده متقاربة..وبعد تخرجنا أصبحنا زملاء في جامعة عدن، وكان له دور ملموس لن يُسى في الإعداد والتحضير والمتابعة لتأسيس كلية التربية يافع، حيث كان أحد أعضاء اللجنة التحضرية المشكلة من قبل رئيس جامعة عدن حينها أ.د.صالح علي باصرة لإعداد الدراسة عن تأسيس الكلية برئاسة د.عبد الرحمن الوالي الذي أصبح أول عميد للكلية عند تأسيسها وقد علمت منه، أن الدكتور أحمد محمد صالح الصلاحي قد احتضن لقاءات اللجنة التحضيرية في مكتبه بمعهد اللغات منذ بدء عملها وخصص لها مكاناً لحفظ وثائق اللجنة ولتسهيل عقد اجتماعاتها ولقاءاتها لعدة أشهر قبل أن يحدد رئيس الجامعة مكانا خاصاً بها، كما رتب د.أحمد أول رحلة ناجحة لسفر أعضاء اللجنة إلى يافع للجلوس مع مدير عام مديرية لبعوس حينها صالح عبادي عبدالكريم الذي نسجل هنا للتاريخ تجاوبه وتأييده ودعمه لتأسيس الكلية. وكما أتذكر أن د.أحمد قد سافر إلى الإمارات العربية المتحدة للحصول على دعم المغتربين ورجال الأعمال هناك لتأسيس هذه المنشأة التنويرية ، ولقي تجاوبا منهم، وعلى الأخص الشيخ قاسم عبدالرحمن الشرفي، لولا أن الشيخ الفاضل عمر قاسم العيسائي طيّب الله ثراه قد اختصر الطريق بأن تحمل كافة نفقات التاسيس التي بلغت حينها 72مليون ريال يمني.
وخلال سنوات عمله في جامعة عدن نهض د.أحمد من موقعه الأكاديمي، وعمل بجد وإخلاص في مجال تخصصه وحظي بتقدير رئاسة الجامعة التي تفاعلت مع طرحه لفكرة تأسيس معهد اللغات وكان له شرف تحويل هذه الفكرة إلى واقع وأصبح أول عميد لمعهد اللغات، وقد تحول هذا المعهد حالياً إلى كلية اللغات في جامعة عدن، وظل الراحل بعد تقاعده مستشارا لرئيس الجامعة وعلى صلة بكلية اللغات التي ترك بصماته الواضحة في لبنتها وبنيانها الأكاديمي منذ وقت مبكر.
أعجز أن اقول شيئاً عن زميل وصديق ارتقى إلى أعلى شهادة علمية بجده واجتهاده ومثابرته وعصاميته، حيث جمع منذ سنوات مبكرة بين العمل والتعليم، حيث كان مدرساً يعلم التلاميذ، ثم طالباً منتسباً في الثانوية العامة، ثم واصل مشوار دراسته العليا حتى حصل على الدكتوراة في اللغة والآداب من أرقى معهد في موسكو، هو معهد بوشكين للغة والآداب.
لا أدري ماذا أقول عن رحيل هذا التربوي القدير والأستاذ الجامعي والشخصية الاجتماعية والناشط في عدد من مؤسسات المجتمع المدني وفي الجمعيات الخيرية، خاصة الجمعية اليافعية وجمعية آل بن صلاح ..أنه الأستاذ الدكتور أحمد صالح الصلاحي، الذي أراد أن يلحق ليفوز بجالونات وقود لسيارته فأضحى وقوداً لرصاصات طيش منفلتة لم تخطئه، ممن يفترض أنهم حماة عدن المحررة، التي أحبها وسعى لأن تتحرر من همجية الغزاة وترفل بالأمن والطمأنينة والسلام في ظل مجتمع مدني يسوده النظام والقانون، كان يراه قريبا بعد طرد جحافل الغزاة الحوثعفاشيين ، ولم يكن يتوقع أن يكون ضحية لرصاصات صُوبت نحوه بدم بارد في صباح ذلك اليوم الشتوي البارد!!.
رحمة الله تغشاك يا زميل الدراسة الجامعية والعمل الأكاديمي في رحاب جامعة عدن..ولا يجب السكوت عن هدر دمك بهذه الطريقة اللامسؤلة التي تسترخص حياة البشر.