fbpx
عبد الرحمن الراشد والقراءة بعين واحدة (2)

عبد الرحمن الراشد والقراءة بعين واحدة (2)
د. عيدروس نصر
يقول عبد الرحمن الراشد “ويروّج دعاة الانفصال لاستخدام القوة العسكرية، بناء على تظلمات من الوضع الحالي في بلد يعاني من حرب شرسة. ومما لا شك فيه أن الهجوم المسلح على مقر رئاسة الوزراء تجاوز حدود الخلاف السياسي، وصارت هذه الجماعة المسلحة، التي ترفع عناوين تدغدغ عواطف اليمنيين الجنوبيين، متساوية مع الحوثيين في جريمة رفع السلاح على الدولة”.
وعن رغبة الجنوبيين في استعادة دولتهم يقول الراشد “هذه مسألة تعود لليمنيين مجتمعين؛ إن اتفقوا مستقبلاً على الانفصال فالأمر لهم، وإن لم يتفقوا يستطيع الفريق الداعي للانفصال أن يرفع مطالبه ويحتكم للمنظمات الدولية المتخصصة”.
من الواضح أن السيد الراشد قد قرر سلفا دونما تدقيق ولا تحرٍ يأن من أسماهم دعاة الانفصال هم من استخدم السلاح في وجه دولة وديعة ناعمة مؤدبة لم تستخدم السلاح قط، ويستدل باقتحام الأمانة العامة لمجلس الوزراء وما رافقها من نتائج مؤسفة.
سنناقش مع السيد الراشد بعض العناوين أهمها: ما هي أسباب الاضطراب الأخير في عدن؟ من بدأ باستخدام السلاح؟ وأخيرا حول وجهة نظره لحل القضية الجنوبية.
أسباب المشكلة:
وللأمانة والدقة نقر مع الراشد أن من يسميهم دعاة الانفصال يحملون السلاح منذ العام 2015 عندما تعرض الجنوب للغزو من قبل الحوثيين متحالفين مع صديقه السابق (عفاش) وبهذا السلاح ألحقوا الهزيمة النكراء بأسوأ وأبشع تحالف عرفته الصراعات اليمنية، ولم يفكروا قط باستخدامه ضد أحد إلا من فكر بغزو بلادهم، بل على العكس لقد فعلوا كل هذا دفاعاً عن الشرعية وانتصاراً لها عندما كانت عشرات الألوية الرابضة في صحاري حضرموت والمهرة وشبوة تعلن الولاء للشرعية يوما والولاء لقائدها الحقيقي (عفاش ) تارة أخرى، وكما قلنا لو كان الجنوبيون يرغبون في اغتصاب السلطة لما كانوا بحاجة لاستدعاء الرئيس عبدربه منصور هادي وتسليمه عدن وبقية مدن الجنوب طوعا ورغبةً.
لقد أخذ الراشد المواجهة المسلحة الأخيرة بمعزل عن الأسباب التي أوصلت إليها وتعمد إخفاء مجموعة من الحقائق التي تتصل ببدايات المشكلة، وأهمها دعوة المجلس الانتقالي وخلفه ملايين الجنوبيين إلى إقالة حكومة الدكتور بن دغر التي استطاعت أن تحتل المركز الأول في مستوى الفشل والفساد وسوء استخدام السلطة إلى مستوى تعجز كل الحكومات المشهورة بفسادها عن مجاراتها، حدد المجلس الانتقالي يوم 28 يناير لتدشين فعالية احتجاجية سلمية تستهدف الضغط على الرئيس هادي لإقالة الحكومة لما ألحقته بالشعب في المحافظات التي تحكمها وكان قبل ذلك قد أصدر بياناً دعى فيه الرئيس هادي إلى الإقدام على هذه الخطوة، لكن رد الحكومة جاء عبر بيان وزارة الداخلية سيء الصيت الذي تضمن حضر أي فعاليات سلمية والتلويح بمواجهة أي خرق لمضمون البيان بالمواجهة المسلحة وهو ما لا يجيزه لها القانون اليمني مهما كانت ملاحظات الجنوبيين عليه وتلك هي الحقيقة الثانية التي تجاهلها السيد الراشد، أما الحقيقة الثالثة التي أخفاها الراشد فهي تلك المتعلقة بإغلاق المدينة ونشر مئات النقاط الأمنية والشروع في إطلاق الرصاص على كل من ينوي التوجه إلى ساحة العروض في خور مكسر عندما كان الخيار السلمي ما يزال هو الغالب على بقية الخيارات عند المجلس الانتقالي وجماهيريه الجنوبية.
وتأكيدا لحقهم في الاحتجاج السلمي الذي يكفله لهم القانون السلمي انطلق المواطنون الجنوبيون للتجمع في ساحة العروض بخور مكسر لبدء الفعالية السلمية، لكنهم فوجئوا بمئات النقاط الأمنية التي تطلق النار على مواطنين عزل ذاهبين ليحتجوا سلميا وتقتل العشرات منهم، فما كان من الوحدات المؤيدة للمواطنين من قوات الحزام الأمني المشكلة بقرارات جمهورية موقعة من الرئيس هادي إلا إن هبت للدفاع عن المواطنين والتصدي لمن اعتدى عليهم وتمكينهم من الوصول إلى موقع الاعتصام المحدد سلفا، وفي وضعية كهذه سيكون من السخف على كاتب يدعي الرصانة أن يطلب من أحد الأطراف المتواجهة أن بسلوك منضبط ومنطقي في حين الطرف الآخر يقتل ويسفك الدم ويزهق الأرواح بلا أدنى مراعاة لمسؤوليته الأخلاقية والقانونية على أرواح الناس لمجرد أن المعتدي والقاتل يمارس جرائمه باسم السلطة الشرعية.
عبد الرحمن الراشد لا يذكر من كل هذه الحقائق المفزعة والمخيفة والتي تدين حكومة بن دغر إدانةً واضحةً لا لبس فيها ولا غموض، ولا يرى من كل هذا إلا اقتحام الحزام الأمني لمقر مجلس الوزراء الذي تركه رئيس الوزراء وكل الوزراء بلا حراسة أو إن حراسته هربوا عندما رأوا رئيس الوزراء يولي هارباً، وتجاهل طلبات الشعب استبدال هذه الحكومة، والبيان الناري لوزارة الداخلية وأنها أول من أطلق النار على المواطنين العزل من السلاح.
حول حل القضية الجنوبية؟
لا أدري إن كانت هذه هي المرة الأولى التي يقر فيها الراشد بأن هناك توجه للمطالبة باستعادة الدولة الجنوبية بحدود العام 1990، لكنني شخصيا أقرأ رأيه هذا في من يسميهم “دعاة الانفصال”، ولأن كتاباته تأتي على طريقة خدمة “الديليفري” فلم يكلف نفسه الحديث عن فعالية واحدة من فعاليات المطالبة السلمية بتقرير مصير الجنوب، لكن الأدهى من ذلك إنه يترك الحل “بيد اليمنيين مجتمعين” أي أن الشعب في الشمال والشعب في الجنوب معاُ ومجتمعين سيقررون مصير الجنوب، تماما كما لو قلت أنه لحل القضية الفلسطينية يجب أن يشترك في حلها الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني مجتمعين.
كلام عبد الرحمن الراشد لا يعتد به ونحن لا نناقشه لأنه سيكون المقرر في حل القضية الجنوبية، لكننا نناقش التذاكي الأجوف عن حكاية “اليمنيين مجتمعين” وهذا ليس ازدراءً ولا انتقاصاً لأشقائنا في الجمهورية العربية اليمنية وهم الشعب الذي عانى الأمرين من حكامهم على مدى عقود ومن حقهم أن ينعتقوا من ظلم الظالمين وطغيان الطغاة الشرعيين والانقلابيين على حدٍ سواء، لكنهم يعلمون أن القضية الجنوبية لا تعني إلا شعبها الجنوبي الذي أشعل ثورتها وقدم قوافل الشهداء في سبيل انتصارها ويأتي عبد الرحمن الراشد ليغشش تحالف 1994م بـ”عُكَّارة” يعتقد أنه هو من اخترعها ليضعها عصاً في دولاب العملية السياسية التي يمكن أن تكون مدخلاً لحل القضية الجنوبية وهو تذاكي أحمق لا ينطلي حتى على من لم يبلغ سن المراهقة من الصبية المتدربين على متابعة السياسية فليحتفظ بنصيحته إلى أن يطلبها منه ذوي الاحتياجات السياسية الخاصة.
وللحديث بقية.

مَن وراء مسلحي عدن؟
قبل 1 يوم, 7 ساعة
وسعت الأطراف الإقليمية المعادية، مثل قطر، إلى تأجيج الوضع برفع وتيرة التحريض الدعائية للميليشيات الانفصالية الجنوبية ضد الحكومة. وهو حراك سياسي موجود من قبل، لكنه الآن يتناغم مع الحوثيين، يسعى لفتح جبهة تعوضهم عن خسارتهم معسكر صالح، بمحاصرة الحكومة في عدن.
قوات الحكومة التي كانت تعتقد أنها ستستعيد صنعاء وجدت نفسها معرضة لخسارة عدن. تطور سياسي وعسكري سيئ، ويثبت المخاوف القديمة من أن القوى الجنوبية الميالة للانفصال مخترقة من قبل القوى نفسها التي تريد إطالة أمد الحرب في اليمن، وتحديداً إيران وقطر. وهذا الطرح يناقض التفسيرات التي تروّج لها قطر، مدعية وجود خلافات داخل التحالف الداعم للشرعية ومتهمة كالعادة الإمارات العربية المتحدة، الأسطوانة المشروخة نفسها التي تعتقد الدوحة أنها لو نجحت فيها لاستطاعت تفكيك تحالف الدول المقاطعة لها.
ولا ينفي هذا التحليل وجود رغبة الانفصال والتنظيم الداعم له في داخل اليمن، إنما يُبين علاقة الأحداث التي قتل فيها أكثر من عشرين شخصاً في مواجهات غير مبررة.
ويروّج دعاة الانفصال لاستخدام القوة العسكرية، بناء على تظلمات من الوضع الحالي في بلد يعاني من حرب شرسة. ومما لا شك فيه أن الهجوم المسلح على مقر رئاسة الوزراء تجاوز حدود الخلاف السياسي، وصارت هذه الجماعة المسلحة، التي ترفع عناوين تدغدغ عواطف اليمنيين الجنوبيين، متساوية مع الحوثيين في جريمة رفع السلاح على الدولة.
ماذا عن رغبتهم في يمن منفصل بدولة مستقلة؟ ، بحجة «أن اليمن كان من بلدين مستقلين، والوقت حان للانفصال بعد فشل الوحدة». قد تؤيد الأمم المتحدة، من خلال المحكمة الدولية أو غيرها، هذا الطلب وينتهي الخلاف بطريقة حضارية وقانونية وآمنة، وقد ترفضه وينهي الجدل. لقد جرب أكراد العراق حظهم، ولديهم دوافع وتاريخ طويل يؤيد هذا الحق، لكن الدول لا تدار برغبات سياسيين ودعاة الانفصال، بل وفق القانون الذي ينظم علاقات الشعوب.
وفي الجنوب تيار واسع يلقي اللوم على الوحدة اليمنية بأنها هي التي أفقرته وتسببت في القمع والظلم الذي لحق به. ولا شك أن حكم الرئيس الراحل صالح دمر اليمن كله، ومسؤول كثيراً عن الفشل الذي أصاب الدولة. الحرب الحالية تشن من أجل القضاء على جيوب التمرد والاستيلاء على السلطة بطرق غير شرعية، مع إعادة الدولة إلى كيانها وفق مشروع الأمم المتحدة لليمن الديمقراطي، وبدعم من المبادرة الخليجية، وهي حكومة انتقالية مؤقتة ثم كتابة الدستور أيضاً بإشراف أممي، وإجراء انتخابات برلمانية ومنها انتخاب رئاسي وتشكيل الحكومة. اليمنيون يقررون ويختارون قياداتهم بإشراف دولي وليست السعودية أو الإمارات أو إيران أو قطر من يقرر لهم. لكن الإيرانيين من خلال الحوثيين يصارعون للاحتفاظ بما استولوا عليه فترة الانقلاب ومنع المشروع الدولي. طلاب الانفصال من الجنوبيين يستطيعون الانتظار وتقديم طلبهم بطريقة قانونية وحضارية بدل أن يخربوا بلدهم بأيديهم، وحتى لا ينساقوا وراء دعوات الدول التي تخطط للفوضى مستهدفة على الأرجح ضرب دول التحالف على حساب الدم اليمني وأمن شعبه واستقراره