fbpx
كان هذا رأيي.. ولا يزال

د. ياسين سعيد نعمان

نشرت هذا الرأي قبل شهر ونصف تقريباً من هذا التاريخ قبل أن تنفجر الأوضاع لتغرق عدن الحبيبة في هذه المأساة.
“لا حل أمام الاطراف التي تمثل “الشرعية” بكافة مكوناتها ، بما فيها المجلس الانتقالي ( كمكون سياسي) ، سوى التحاور ومد حبال التفاهم وإبقاء شعرة معاوية .. وبموجب هذه السياسة التي تأخذ في الاعتبار مهمة إستكمال تحرير اليمن من الانقلاب الذي أورث البلاد هذه الفوضى المليشاوية الضاربة أطنابها في كل زاوية فيه ، ووضعه من ثم على الطريق الذي يعاد فيه الاعتبار للارادة الشعبية لتقرير إختياراته السياسية ، لابد من إدارة العلاقة الداخلية بتوظيف كل الأدوات السياسية المتاحة لتحقيق التقارب ، مع الاعتراف بأن هناك إستحقاقات لا بد من مواصلة بحثها بهدوء وبإرادة سياسية تتفوق على ما عداها من إرادات القوة التي أثبتت الايام والتجارب أنها فاشلة ، وإن حققت قدراً من النجاح في المدى القصير .

 

إن المنظومة الإدارية والسياسية للشرعية لن تستطيع أن تثبت تفوقها على الانقلابيين إلا بتمسكها بقيم الحوار والسلام والشراكة ومد الجسور بدلاً من إقامة الحواجز بين أطرافها المختلفة .

 

يجب أن لا نجعل من المنصب الحكومي وسيلة لتوسيع الفجوة . لنقل أن العمل ضمن الحكومة يحتاج الى إنسجام من نوع ما ، ولنلتمس العذر لأي ترتيبات من هذه الزاوية وخاصة في هذا الظرف الذي يعد فيه المنصب أداة كفاحية ، والايام كفيلة باختبار المكافح من المنافح وفرز الناس حسب ما قرروه لأنفسهم .

 

بإقحام المنصب العام في صراع الإرادات ، هناك من سيعتقد أنه انتصر وهناك من سيرى أنه قمع ، وأعتقد شخصياً أن لا أحد انتصر ولا آخر قمع .. سيأتي إلى المنصب كثيرون وسيذهب كثيرون ، والذين يرفعون أشرعة المواجهة من هذه البوابة ، من الأطراف المختلفة ، يجب أن يدركوا أن المنصب لم يكن في يوم من الايام تعبيراً عن شراكة سياسية طوال سنوات الحكم الطويلة التي كان يتم فيها تكوين مثل هذه الخلطة التي تتوقف آثارها في مكان أبعد ما تكون فيها تعبيراً عن تحالف أو شراكة سياسية .. كانت تعبيراً عن تقدير يتوقف كثيراً أمام الشخصية أكثر من البعد السياسي أو الاجتماعي بمضمونه التشاركي وخاصة في تجارب غير ديمقراطية .

لتذهب المناصب إلى الجحيم !! ولنقف لحظة أمام إستحقاقات هذه المرحلة التي يفترض أنها مرحلة نضال حقيقي من أجل إستعادة الوعي بالقيمة التاريخية للدولة التي أضعناها وأضعنا معها أحلام وتضحيات شعب حولناه إلى مجرد مشاهد لمسرحيات عبثية تنتهي دائماً بحرائق يتحمل بمفرده كوارثها .

لا يجب أن يصل الوضع الى نقطة افتراق يصعب التفاهم بعدها . على الجميع أن يعي ذلك !!
“القوة السياسية “التي تقدم نفسها على أنها المستقبل ، لا بد أن تكون مركز إستقطاب لكل الحالمين بهذاالمستقبل ، بمعنى أن عليها أن تحمل المستقبل بيد وأدوات الوصول اليه بيد أخرى .

 

لن يكون القمع ، ولن تكون الحروب ، ولن يكون العنف ولن يكون الإقصاء أو الاستبعاد أداة من أدوات هذا المستقبل خاصة بعد أن عمل فينا العنف والقمع والحروب والاستبعاد كل هذه الكوارث . ومدمنو العنف هم طينة واحدة ، فإذا رأيت أحداً يدعو إلى العنف أو يستحلبه لتحقيق هدف معين ، وخاصة في صف هذه القوة التي تدعي أنها تعمل من أجل المستقبل ، فاعرف أنك أمام عينة من ركام الماضي الذي يجب أن يكنس من المسار حتى لا يتحول إلى مركز إستقطاب لحروب ومواجهات جديدة.
والسؤال هو من أين نبدأ بعد أن أخذت التجاذبات السياسية والجغرافية والمناطقية والأيديولوجية تنخر هذه “القوة السياسية ” على نحر لا يثير الحيرة فحسب ، ولكنه يطرح أكثر من سؤال حول ما ترفعه من شعارات الحوار والسلام والشراكة !!
لا شك أن هناك قضايا شائكة وعلى درجة كبيرة من التعقيد. والحقيقة أن هذه القضايا ليست شائكة بذاتها ولكنها شائكة بحسابات الأطراف المختلفة منها، وخاصة حينما تجد هذه الاطراف نفسها محاصرة بتصوراتها النخبوية للحل . والاهم من هذا حينما تفشل هذه الأطراف في خلق معادل سياسي متماسك يجسد تحالفها الكفاحي على الارض .

 

كل المآسي التي مر بها اليمن كانت بسبب تصادم الحلول النخبوية بعيداً عن الارادة الشعبية . لم تفكر هذه النخب في يوم من الأيام أن تستجلي إرادة الشعب فيما يخص قضايا الخلاف أو غيرها من القضايا المصيرية ، فأخذت تعتمد صراع الإرادات الفوقي الذي أورد البلد كل هذه الكوارث .. وكان من الطبيعي أن تبنى إستراتيجية المواجهة مع القوى الانقلابية على الالتزام بالقيم السياسية والأخلاقية لمقاربات الحوار الوطني الذي أكد على حق الشعب في تقرير إختياراته السياسية ، وفي إطار هذا المبدأ الاساسي العام تستلهم الطرق والاليات والأدوات المناسبة لمواجهة تعقيدات القضايا السياسية التي تزخر بها البلاد .

المرجعية الوحيدة في إتخاذ القرار هي الشعب ، ويقتصر دور النخب في “تسويق” وجهة نظرها والدفاع عنها أمام الشعب لا فرضها بالقوة .

هذا المبدأ العام هو الوسيلة الوحيدة لإعادة تنظيم الوعي بأهمية القضايا الوطنية الكبرى وكيفية معالجتهالتجنب صناعة الحروب والكوارث .

ولكي يتوقف مسار التدهور عند هذه النقطة لا بد من التذكير بالقضايا التالية ؛
– إن القضية المركزية في الوقت الحاضر هي استكمال تحرير بقية أجزاء البلاد من قبضة الانقلابيين ، وبناء شبكة من التحالفات السياسية الواسعة في الاراضي المحررة ، ولتعبئة الجميع على هذا الطريق أكرر للمرة العشرين أنه لا بد من طمأنة الجنوبيين بأن مستقبل الجنوب سيتقرر بناء على الارادة الشعبية لأهله، وأن أي تفكير آخر سيربك المسار كله . وعلى الجنوبيين أن يعيدوا بناء خيارهم السياسي بدعم استكمال التحرير وترتيب الوضع المستقر الذي سيؤمن تحقيق هذا الخيار سلمياً وشعبياً .

– ليس من مصلحة أي من القوى المصطفة في إطار الشرعية أن تعمل على إضعاف “الدولة” وقيادتها، بل لا بد من العمل على تقوية وتعزيز دورها في قيادة وحماية سلطتها ، فسلطة قوية متماسكة في هذه الظروف سينعكس إيجابياً على أسلوب إدارة المشكلات المختلفة والتهيئة لحلها حلاً عادلاً .

– لا بد لقيادة “الشرعية” وهي تتصدى لعملية تصحيح المسارات التاريخية للحياة السياسية اليمنية أن تدير هذه المسألة بأدوات المشاركة السياسية ، وعلى القوى السياسية أن تتوصل إلى صيغة تفاهمات يكون من أساسياتها نبذ العنف أو فرض الإرادات ، والاعتراف بأن هناك مشكلات يجب العودة فيها للشعب لتقرير خياراته بشأنها ولن ينفع معها العنف أو القوة .
– أن يقوم الرئيس هادي بتشكيل فريق عمل من بين مستشاريه وهيئة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وذلك للتشاور مع المكونات السياسية لإعادة اللحمة وصياغة ميثاق عمل يحدد أولويات العمل خلال المرحلة القادمة ، وضوابط الحوارات والتفاهمات، مع أهمية توضيح الموقف من القضايا المختلفة .

– العمل بكل السبل من أجل الوصول إلى صيغة سياسية مع التحالف العربي بشأن مختلف القضايا التي تشكل عناوين عمل استراتيجي مشترك.

– أي نصر عسكري لا يتحرك من الآن في إطار سياسي واضح سيدفع الأطراف المغامرة الى تدوير فوهات البنادق في الاتجاه الخاطئ ، كما هو الحال حينما لا توجه البندقية سياسة واضحة . النصر أحياناً يلتهم نفسه عندما لا يجد هدفاً كبيراً ينشغل به .

هذه القضايا لا يعني أنها غير حاضرة في وعي الجميع ، والتذكير بها لا يحمل أي دلالة على تفكير إستثنائي ، ولكن الشعور بأن هناك تدافع نحو مسارات غير منضبطة وخطييييرة يدفعنا إلى مجرد التذكير بقضايا بديهية ، وهو ما يجعلنا نبدو ساذجين في نظر البعض .. ومع ذلك خذوا الرأي المحمول بسذاجة فربما تجدون فيه ما ينفع ، فلطالما قادنا الشطار إلى الهاوية ” .