fbpx
الزوامل .. أحد أسلحة الحرب النفسية

علي صالح الخلاقي

 الحرب النفسية سلاح فعال يستهدف اضعاف وتحطيم معنوية الخصم، وخلق حالة من الانشقاق والتذمر بين صفوفه، وتهدف إلى المساعدة في كسب المعارك الحربية وإلحاق الهزيمة بالخصم، وتستخدم فيها مختلف الأساليب والوسائل، كالخطب والأناشيد والأغاني والموسيقى الحماسية، ويدخل فيها الزامل الذي يجمع بين النشيد والموسيقى المصاحبة، وقد مثلت الزوامل في بلادنا عبر مراحل متعددة، خاصة في الماضي القريب،  أهم اسلحة الحرب النفسية والدعائية  المتبعة لرفع معنوية المحاربين ضد خصومهم، من خلال المبالغة في كثرة عدد المحاربين وعتادهم وقوتهم بغية ارعاب الخصوم واحباط معنوياتهم والتقليل من شأنهم، وللرفع من معنوية المحاربين،  ولدينا أمثلة على ذلك من مناطق ومناسبات مختلفة.

زوامل تهديد بكثرة العدد

مما يروى أن العوالق نكفت ذات يوم ضد قبائل أهل فضل أو غيرهم بسبب مشاكل بينهم. وبسبب تأخر تجمع بعض قبائل العوالق أشهر متزملهم الحرب النفسية لإرهاب الخصوم بأن سبب تأخرهم هو كثرة عددهم، وعلى رأسهم شيخ العوالق بن رويس وبقية المشايخ الذين يبلغ عددهم مئتي شيخ (عاقل) كل منهم يقود ثمانمائة مقاتل، كل ذلك بهدف تخويف خصومهم بعد أن عرفوا بتأخير مقدمهم، فقال المتزمل:

ردّوُا عَلَيْ بالسَّيْر للتَّالي يِجِيْ

لمَّا يِجِيْنَا ذِيْ حِلاَلَهْ في دَمَانْ

لمَّا يجينا بِنْ رُوَيْس العولقي

ميتين عاقل كل عاقل في ثمان

وعند تمرد قبيلة آل حميقان على السلطان الرصاص ورفضها تسليم العشير للسلطان، دارت بسبب ذلك حرب بين الجانبين وسقط فيها قتلى وجرحى، منهم صالح بن أحمد شقيق السلطان. عند ذلك لجأ السلطان الرصاص إلى الإمام يحيى طالباً منه توجيه جيشاً لإخضاع آل حميقان، وكان الإمام يترقب مثل هذا الأمر، ويتحين الفرصة للسيطرة على البيضاء وجعلها تحت نفوذه، فاستغل الظرف ووجه جيشاً يقوده محمد عبدالله الشامي، وعند وصولهم كانوا يرددون زاملاً يذكر أن عدد الجيش القادم  سبعة وسبعون ألفاً، وهو رقم مبالغ فيه وجزء من الحرب النفسية لتهديد وإرهاب الخصوم الأشداء،يقول الزامل:

يا دَرْبْ ذي ناعم ويا حَيْدْ السماء

بَتْخَبَّرَكْ كَمْ جَتْ مِنْ القِبْلِهْ زِيُوْدْ

سبعه وسبعين ألف ذي عدَّيت أنا

مِنْ عَسْكَرْ الشامي توطِّي يا الحِيُوْدْ

– ويطلب متزمل من آل الرصاص من درب ذي ناعم القريب من آل حميقان أن يَسْمِعَهُمْ دوي الجيش الآتي وكأنه السيل الجارف الذي جاء لإخضاعهم بسبب ما ألحقوه فيه من أذى شبهه بـ”الموت لّزْوَلْ” أي الموت الزؤام، وامتناعهم عن دفع العشير، يقول زامل الرصاص:

يا دَرْبْ ذي ناعم تِسَمِّعْ

جَيْشْ الحميقاني دَويِّه

ذِيْ جَابْ لِيَّ الموت لَزْوَلْ

والعُشْرْ ما سَلَّمْ وقيِّهْ

وبالمثل عندما أراد الإمام أحمد استرداد السلاح من القبائل التي هاجمت صنعاء عام 1948م  ومنها قبيلة (الحدا) أنفذ إليها جيشا من قبائل (همدان) تردد الزامل التالي ترعبهم فيه من جبروت الإمام أحمد وزحف جيش لا يحصى عدده :

يا حدا يا خيرة الله عليكم

حق بيت المال كلَّن يرده

بارق أحمد با يحوِّم عليكم

جيش لا يحصى ولا حد يعده

كذلك عندما هاجم البطل أحمد ناصر القردعي  مبنى حكومة الإمام في الجوبة مركز مراد وقتل حاكم الإمام وعساكره وقيام انتفاضة كبرى في وادي عبيدة بقيادة الشيخ علي حسن بن معيلي، أرسل الإمام جيشه المتوكلي والجيش البراني والجيوش القبلية لإخماد هذه الانتفاضات، وعند وصول جيوش الإمام إلى وادي الجوبة رددت الزامل التالي بغرض الترهيب:

يا وادي الجوبه توسَّع

للجيش ذِيْ يفجِعْ رعيده

والجيش لوَّل قد تدافع

والْمَامْ من عنده يزيده

والمام هو الإمام.

وزوامل تستخف بقلة العدد

ومقابل المبالغة في العدد هناك أيضا التصغير والاستخفاف بقوة الخصم وتصوير ضعف حيلته وقلّة عدده. ففي منطقة عماقين في شبوة دارت الزوامل التالية تعبيراً عن صراع قبلي في منطقة سعد، بدأ الشاعر أبو محيسن بن فهد هذا الزامل مخاطباً خصومه ومستخفاً بقلة عددهم الذي وصفه بأنه لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، كما يقول:

معنا ثِنَيْن أنفار في حُصن الطرف

وأهل المطارح منهم خمسه نفار

ويا الجماعه كيف با لقي بهم

لا جو لهم هَلْ بُو علي من كل دار

– لكن الرد جاء قوياً على لسان الشاعر السيد البغدادي مؤكداً أن القوة ليست بالكثرة، يقول:

سبعه جماعه كل واحد بأعشره

سبعين رامي دي يشلون السَّبَار

حتى ولا حد قال وإلاَّ حد حسب

با يِوْرِدُون إبليس في جنَّه ونار

من كتابي قيد التجهيز (الزوامل ..لسان الشعب)