fbpx
فتاح صالح مسعود شاهد وشهيد أعظم درس في الإيثار والتضحية

د. قاسم المحبشي

الإيثار من القيم الأخلاقية السامية في الحياة الإنسانية وهو صفة لتصرف قام به شخص لا يعود بالفائدة عليه بل على غيره.وهو يقع على الطرف النقيض من الأنانية ومحبة الذات بما هي غريزة وفطرة متأصلة في الطبيعة الإنسانية إذ أن الإنسان أناني بطبعه بحسب قانون مقاومة الموت والدفاع عن البقاء. ويختلف معنى الإيثار عن الولاء أو الواجب. مفهوم الإيثار يتمركز حول الدوافع التي تقود لعمل الخير للآخرين دون مقابل، بينما يتمركز مفهوم الواجب حول الإلتزام الأخلاقي تجاه شخص ما أو منظمة أو مفهوم مجرد (كالواجب الوطني). قد يشعر البعض بمزيج من الإيثار والواجب، بينما قد لايدمج آخرون بين الإثنين. الشعور بالإيثار المجرد هو عبارة عن العطاء دون مقابل أو جائزة أومنافع أخرى. ويتصل الإيثار بسلسة من القيم الإخلاقية النبيلة ومنها: المُرٌوءه والكرم والشجاعة والشهامة والنجدة والجسارة والتضحية..الخ وهناك أنواع ومستويات من الإيثار؛ والتضحية بالنفس هي أعظمها وأرفعها شأن في كل زمان ومكان ولا يجترحها الإ ما ندر من الأشخاص العظام! ويعد الشاب الثلاثيني فتاح صالح مسعود اليهري نموذجاً حياً لهذا النمط من الرجال الأبطال رجال التضحية والفداء الأحرار الذين قل أن يجود بهم الزمان ويتكرر في مجتمعاتنا العربية الإسلامية المعاصرة التي تشيع فيها قيم الغرائز الأنانية والشهوات الذاتية الجشعة الى ما هو أدنى من الفطرة الحيوانية. فما الذي فعله هذا الشاب حتى يحظى بهذه المكانة الرفيعة بالبطولة والتضحية الإيثارية العسيرة المنال؟
الشاب فتاح صالح مسعود من شباب المقاومة الجنوبية البواسل الذين هبوا منذ اليوم الأول للحرب الغاشمة للدفاع عن حياض وطنهم وكرامة شعبهم وخاض المعارك في مختلف جبهات القتال في مقدمة الصفوف التي تتشوق لنيل الشهادة بفرح وقناعة وبعد تحرير عدن والمحافظات الجنوبية كان هذا الشاب النحيل الجسور في مقدمة الشباب الذين لبوا نداء أخوانهم في تعز المجاورة وهبوا الى نجدتها من بطش الانقلابيين العفاشيين والحوثيين وفي المخا سطر أروع البطولات في البسالة والإقدام في أقتحام مواقع الحوافيش حتى تطهيرها منهم وأتذكر أن الأخبار الأتية من المخا كانت قبل أشهر قد حملت نبأ أستشهاده وتم تداول هذا الخبر في مختلف الوسائط الإعلامية والاجتماعية وحينها توالت برقيات التعازي والمواساة لوالده الصديق العزيز والمقاوم الصلب صالح مسعود ثابت مدير مديرة يهر الباسلة وأسرته الكريمة وقد أخبرني الدكتور عوض الشعبي القريب للعائلة كيف وقع عليهم الخبر وقع الصاعقة! وكيف أن والد فتاح كلفه بنقل الخبر لخالته أم الشهيد التي كانت حينها في عدن ؟ قال “ذهبت اليها وأنا في غاية الحزن والاسى ولا أعرف كيف أنقل اليها هذا النبأ ؟ وقلت لها الحمد لله على كل حال وأنتي مؤمنة بالقضاء والقدر والله أكرمك بإن منحك مكانة عالية فصرتي من اليوم أم الشهيد” قال: نظرت ألي باستغراب وهي تبتسم وقالت : ونعم بالله العالي القدير يابني من أين أتيت بهذا الخبر؟ أجابها الخبر مؤكد وتداولته كل المواقع الإخبارية ، فكان ردها أني قلبي يقول لي أن أبني لم يستشهد وأنه حياً يرزق قالت هذه العبارة بثقة عالية وكأنما كانت ترأه أمامها الأن فما أعظم الأمهات! وفي اليوم التالي أتصلت بي وقالت : يا عوض تعال تكلم مع فتاح أتصل من المخا فذهبت بسرعة البرق اليها غير مصدقا بما زعمت فاعطتني التلفون وقالت هاك كلمه. فتكلمت معه وحمدت الله على سلامته! بعدها عاد فتاح من المخا بطقم عسكري جديد الى عدن وظل يعمل بين عدن والمخا .
وقبل يومين ذهب مع بعض أصدقائه للتنزه في ساحل جولدمور كان الوقت عصراً فإذا بهم يشاهدون طفلا يغرق في البحر وكان والده يحاول إنقاذه ولكنه كاد يموت غرقاً فعاد يجر قدميه من البحر خائب الرجاء مسلماً أمره لله!
هذا المشهد التراجيدي الحدي هو الذي سلب لب فتاح ووجده وكيانه، فإذا به يمتشق ذاته من بين زملاءه الجالسين فوق الطقم العسكري كالسيف ويغوص كلمح البصر باتجاه الطفل الغريق وفي بضع ثواني أمسك به في لجة البحر وأندفع به بسرعة باتجاه والده الواقف على الشاطىء الرملي يرقب المشهد في حالة من العجز الحزين، حاول فتاح بذل أقصى ما كان يمتلكه من قوة الروح والجسد في سبيل إنقاذ الطفل أبن الثمان سنوات رغم بعد المسافة وقوة الأمواج الإ إنه تمكن من إيصال الصغير الى حضن والده المفجوع محمد البارق وما أن سلمه إياها حتى سقط جثة هامدة على شاطىء البحر الهائج الامواج من شدت الإعياء والانهاك إذ بذل كل ما كل يختزنه جسده النحيل من طاقة الحياة حتى الرمق الأخير !
وهكذا مات البطل فتاح في موقف مشهدي درامتيكي تراجيدي ليس له نظير! وهل هناك ما هو أعظم وأنبل وأسمى من هذه الفعل الإيثاري الفريد من نوعه؟!
أن يمتلك المرء تلك الطاقة الدافعة من جموح الروح ونقاوة الضمير وقوة الإيثار والشجاعة الطائشة بما يدفعه الى التضحية باغلى ما يمتلكه أي حياته كلها في سبيل إنقاذ شخص أخر لا يعرفه؟!
ذلك هو فتاح صالح مسعود اليهري الذي جسد بحياته كلها نموذج نادر للإيثار والتضحية الغالية الثمن التي يستحيل تجريبها ابداً! في زمن يتفخار فيه الكثير من الناس بتضحيات زائفة ويتدافعون في سبيل استحقاقاتها الباهضة الثمن من حقوق الأخرين المساكين!
الف رحمة ونور تغشاك فتاح فأنت وحدك من نلت المكانة التي يعجز الأخرون عن الفوز بها!وتلك هي القيم والمواقف الجديرة بإن يحتفى بها بوصفها قيماً ومواقفا بطولية حقيقية لاشك فيها. وهكذا شهدنا في اسبوع واحد فقط نموذجان للإيثار والتضحية أحدهم أروع وأعظم من الأخر؛ كان الأول: هو النموذج الإيثاري الذي جسده الصديق العزيز عبدالله سالم النقيب مدير فرع البنك الأهلي بالمنصورة حينما قاوم عصابة السطو المسلحة ببطولة وبسالة قل نظيرها وهو بذلك آثر المصلحة العامة على حياته بل وضحى بحياته من أجل شرف المهنة والوظيفة العامة!
الف رحمة ونور تغشاه ولا نامت أعين القتلة والجبناء والمتخاذلين!
والنموذج الثاني هو ما اجترحه البطل فتاح صالح مسعود بفعله البطولي المتمثل بإنقاذ الطفل وموته الفوري المشهدي بعد أن أنجز المهمة بينما كان غيره من الرجال يشاهدون الطفل يغرق دون أن يحركوا ساكنا في محاولة إنقاذه! فتاح وحده هو الذي ثأرت نخوته الإنسانية فغامر بحياته من أجل إنقاذه. فإنقذه ومات في الحال وتلك هي حكمة الاقدار رحمه الله ولا حول ولا قوة الإ بالله !

تجدر الإشارة الى أن الشهيدين فتاح مسعود وعبدالله النقيب ينحدران من ذات الوادي الحميّري الخصيب وادي يهر المعطاء الذي قدم قوافل من الشهداء الأبرار في كل ساحات المقاومة والتضحية والإيثار يرحمهم الرحمن الرحيم
#في الصور يظهر الدكتور عوض الشعبي واولاده مع أبن خاله الشهيد فتاح مسعود وصورة الطفل الذي إنقذه وأسمه أحمد علي محمد الباري .
وصور الشهيد في جبهات القتال وفِي لحظة مفارقته للحياة بعد عملية الإنقاذ الأسطورية