fbpx
حتمية الصراع المؤكد بين الشرعيتين

حتمية الصراع المؤكد بين الشرعيتين: (الواقعية) و(القانونية) وهذا هو الحل الأبسط لتجنبه بعد المليونية الجنوبية..!

 

 

 

ياسين الرضوان

 

 

 

دعا بن دغر في، تصريحه الأخير بقالب يرجح فيه قبول اختلاف الآخر، ولكنه قبول للآخر في حدود ضيقة جدا ليست في المشكلة الأصلية بل في أعراضها، حيث أكد على ضرورة القبول بالآخر في زاوية (الاحتجاجات والفعاليات) التي يتبناها أي طرف، وهذه مسلمة للجميع، لكنه في تصريحه الأخير وظفها لصالحه كما لو أنها مكرمة منه، وبأنه يقبل الاختلاف ليس كشخص، بل كرئيس مسؤول عن الحكومة الشرعية وبأنه من حق الحراك الجنوبي أن يدعو للفعاليات يوم غداً، ومن يدعو لفعالية أخرى مضادة لهذه الفعالية أو يتواجد في ساحة أخرى إنما يدعو للفوضى، هذا شيء جميل مقارنة بما أدلى به أمس الأول عن احتمالية حدوث فوضى بعدن، وربما يبدو لنا ذلك شيئاً جميلا وقبول فعلي بالآخر من جانب؛ ومن جانب آخر سيظهر اليوم بجلاء واضح أن الحراك دون غيره ((منقسم)) إذ ستكون هنالك فعاليتين في الوقت ذاته بعدن وهما:

فعالية مؤيدي الانتقالي في المعلا، وفعالية العروض من بعض المتعصبين الذين لا يمثلون إشكالا..، وكلاهما حراكيتان، وإذن فما الفائدة هنا من تصريح بن دغر من الأساس، لقد استبق المجلس الانتقالي – وبكل مسؤولية -فرقعة وتصريح “بن دغر” وقام بتحويل مكان فعاليته انطلاقاً من واقع مسؤوليته تجاه تصرفات البعض غير المفهومة، والتي تحيطها بكثير من التساؤلات..!

 

نعود للأهم الذي هو أن كلا الفعاليتين حراكيتان، وبن دغر قالها عن أي فعالية لطيف غير طيف الحراك، وربما يكون تصريحه تسليط الضوء أكثر على انقسام الطيف الحراكي الواحد، فضلا على أن للرجل حسابات سياسية أخرى، لما بعد المليونية وليس الآن، وليعطينا موعظة وعبرة في فن قبول الآخر، مبدياً لمن يقرأ ذلك، كم أنه يصرح ويدعو للقبول بالآخر، بينما انظروا للآخر (الحراك الجنوبي)، كيف أنهم لا يقبلون بالشرعية المعترف بها دوليا في السيطرة على عدن، وحتى لانكون مجحفين بحق الرجل، سنفسرها – هذه المرة بالذات – بحسن النية الاستثنائية، رغم معرفتنا أن حسن النية لا توجد في السياسة أبدا..

 

الجدير ذكره هنا في أن الإشكالية ليست في المليونية ذاتها إطلاقا كما يفسرها البعض، أو قد يتخوف منها نتيجة الحشد والتجييش، الاعلامي الذي سبقها وكذا بعض المستجدات وتقاطعات المصالح في المنطقة الخليجية ككل، وهل ستمر هذه المليونية من دون صدام أو غير ذلك، المشكلة كل المشكلة لا تكمن في المليونية أبدا، بل بدأت من إقصاء ذلك الطيف الجنوبي المطالب باستعادة وضعيته السابقة، وذلك عبر عزل كل من كانوا يمثلونه ومن أصروا على أن يكونوا إلى جانب إخوانهم في المجلس الانتقالي، وهم الذين انتصروا وقاتلوا وعملوا في الميدان مع إخوانهم ولم يتم عزلهم لأي تقصير، بل لأنهم مع المجلس الانتقالي الجنوبي ولا شيء آخر غير ذلك، وهذا يضعنا أمام مسؤولية حقيقية لتساؤل متوازن وهو: من بدأ بإقصاء الآخر دون إغفال جذور المشكلة الرئيسية (الإقالة غير المبررة) للشركاء، وليس القبول بالآخر في مجرد رأي، أو قول؟!!

 

هكذا بإمكاننا أن نلمس تشخيص الإشكال الذي سيتسبب بتصعيد فعلي أكيد،

نتيجة السلوكيات والقرارات الخاطئة جدا التي اتخذتها الشرعية وحكومتها، ومن هنا ستتم المعالجة لو أردنا العلاج الحقيقي لها، لا أن يستمر الوضع على ما هو الآن عليه وجعل الشرعية الصورية تتحكم بالشرعية الفعلية، التي حققت الانتصارات وحررت الأرض بتضحيات كبرى قدمتها، يجب علينا ألا ننطلق في تشخيصنا للأمور من منظور ضيق لحل هذا الإشكال، لأنه من المؤكد أن هذا التضيق، لن يحل أي إشكال بل سيؤدي إلى انسداد أكيد، وليس فقط محتمل، ليس في المليونية بل ما سيأتي بعدها وهو الأهم، فالأعراض واضحة وما حدث كان أوضح ولا يحتاج لكثير حديث، والتشخيص بات واضحا بعد اصطدام: ( شرعية الواقع المتمثلة بقوى الحراك المسيطرة على الأرض في الجنوب) و(الشرعية القانونية “الصورية” المتمثلة بالرئاسة والحكومة) والحل هو ألا تتحرك الشرعيتان بمعزل عن بعض، بل لابد أن تتحركان بتزامن دون إقصاء فعلي للآخر، ومن يبدأ بالإقصاء فهو يرغب بالاتجاه بالعاصمة عدن صوب طريق العنف والفوضى، ويجب عند تقييمنا للأمر أن نفرق بين من يبدأ بالفعل وبين من يقوم بردة لذلك الفعل، وهكذا تتضح الأمور لنا، إن كنا نسعى لإيجاد حلول عادلة ومنطقية بعد تشخيص المسألة..

 

لقد بدأت الإشكالية عندما ابتدأ زر إقصاء الشركاء في الحرب، والشركاء في هذه الأرض هم رموز المقاومة الجنوبية وليس المقصد، هنا شخص “عيدروس الزبيدي” كما يتم تسطيح هذه المشكلة، من قبل بعض المتفذلكين والمتفلسفين، وهي أن خروج الرجل إنما كان من أجل المسؤولية والمنصب، ولنسلم مثلا التفكير بهذه الفرضية، ولنؤمن أن الزبيدي خرج من أجل المنصب، اذن ماذا يعني تبني خيار المجلس الانتقالي من بقية المسؤولين والمحافظين الجنوبيين الآخرين بذلك الإجماع كله؟!، وحتى عندما تم تخييرهم بين مناصبهم والمجلس اختاروا المجلس ومن دون تفكير كثير، ولم يتم إقصاؤهم إلا بعد، اليأس منهم، وبهذا يتم إقصاء طيف الحراك الجنوبي كليا ومع سبق الإصرار والترصد، وحينها تسقط هذه الفرضية لعدم واقعيتها فليس الزبيدي وحده من تم إقصاؤه وليس الرجل، وحده من تبنى خيار الانتقالي.

 

وبعيدا من التفسيرات غير المنطقية والواهية، فالقضية أكبر من المناصب، ولو كانت مسألة مناصب لكان الزبيدي محافظا لعدن وبن بريك وزيرا للدولة وأحمد بن بريك محافظا لحضرموت والقائمة تطول من أولئك الذين تركوها عازفين عنها ورافضينها بمساومتهم، وكل من سيساوم بعدهم بهذه المناصب سيكون – من وجهة نظر الجنوبيين -ليس إلا مجرد قفاز لئيم، ولن يطول بقاؤه كثيراً في أقرب تسوية سياسية، وحتى نفكر بواقعية أكثر، لن يتم القفز على واقع (الرقم الصعب) الذي مثله ذلك المجلس بقوام مسؤوليه شاء من شأء وأبى من أبى، وهذا ما ستفرزه وتقوله الوقائع السياسية القادمة، ومن يستمر في الكذب على الناس أو الواقع سيكون مجرد مدع كاذب لا تهمه الحلول ولا أي شيء آخر .. وبالله الحول والطول.