fbpx
القمة الأميركية ـ الإسلامية وسياسات المبادرة

بقلم/عبدالرحمن الراشد

أتاحت القمة الأميركية – الإسلامية فرصة كبرى للخروج من الرهانات والارتهانات، والذهاب من المراجعة إلى المبادرة. وبين الفرصة والمبادرة بقي للعالم علينا ملفٌ أو رهانٌ كبير هو رهانُ مكافحة الإرهاب. والفرقُ في المسألة بين ما قبل القمة وما بعدها، أنه قبل القمة فقد كنا ومنذ مبادرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز عام 2007 نجهد ونجتهد ونسعى لكي يقبلوا بضمِّنا إلى جبهة مكافحة الإرهاب. أما الآن فنحن نقف في مقدمة تلك الجبهة باعتبار الأمر خيارنا لتحرير حاضرنا ومستقبلنا، وتصحيح علاقاتنا بالنفس والآخر والعالم. في الفترة ما بين العامين 2007 و2014 كان العرب ومعهم معظم المسلمين الكبار في مرمى اللاعبين الكبار والإقليميين. لدى الكبار كنا موضع اتهامٍ أو تشكك. ولدى اللاعبين الإقليميين بلغ من هواننا أنهم أرادوا تحويل بلداننا إلى مناطق نفوذ، بل وتحديد ماهية أنظمة الحكم بعد اندلاع حركات التغيير. الأتراك أرادوا تحكيم الإسلام السياسي في البلدان، والإيرانيون استخدموا متطرفينا لقتل الناس، وتخريب العمران. أما الآن وبفضل صمود العرب الكبار ومبادرتهم؛ فقد عادت علاقاتنا بالدول الكبرى إلى الانتظام، ونحن نتجه من خلال التحالف الإسلامي العسكري إلى منع الإقليميين من شرذمة دواخلنا، واستعادة الاستقرار في البلدان المضطربة مثل اليمن وسوريا وليبيا.
لقد كنا نرفع أيدينا أمام وجوهنا لاتقاء الضربات، وقد تفاقمت الاختراقات. وقد حدَّد البيان الختامي للقمة، ومركز اعتدال لمكافحة التطرف، وإعلان الدول الأربع أخيراً عن مواطن وجهات المراجعة، واستعدادات المبادرة. ومن الواضح أنّ اتجاهات المبادرة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمراجعات، لأنّ المراجعات تعني التصحيح وإعادة التوجيه.
لقد صرنا نتحدث عما بعد «داعش» وما بعد القاعدة، بل وما بعد الإسلام السياسي. وهذه «الما بعد» لها جوانبها الأمنية والعسكرية والدينية والفكرية. وأول الجوانب الأمنية والعسكرية سدّ الاختلال الحاصل في اليمن وليبيا وسوريا واستطراداً العراق ولبنان. ولكل مشكلة من هذه المشاكل خصوصياتها تبعاً للحالة الداخلية في البلد المعني. ففي اليمن وليبيا ينبغي إعطاء المزيد من الدعم للجهات الشرعية الداخلية التي تكافح الإرهاب والفوضى. وفي هذا الصدد فإنّ هناك تقدماً حاصلاً في البلدين بعد تحول جهات العنف والإرهاب إلى مواقع الدفاع. وهناك نوعٌ من الدعم الدولي المتلائم مع الضغط العربي للاستقرار واستعادة الزمام باليمن وليبيا. والوضع ليس كذلك في سوريا، فالجهات الداخلية القائلة بوحدة سوريا وبالانتماء العربي، ومواجهة الطغيان والتقسيم والتدخلات الإقليمية؛ هذه الجهات هي الآن؛ بل ومنذ نحو السنتين في مواقع الدفاع. وقد اجتمع على مقاتلتها الإيرانيون وميليشياتهم، والقاعديون والداعشيون الذين ينسحبون الآن بالتدريج لصالح الميليشيات الإيرانية والمتأيرنة، والتي تريد محاصرة الأردن في جنوب سوريا. ولذلك قد تكون هناك ضرورة لتدخل التحالف الإسلامي العسكري بالتوافق مع الولايات المتحدة في نقطة ما.
والأوضاع في العراق ولبنان على درجة عالية من التعقيد. ففي العراق هناك دمارٌ شبه كامل للعرب السنة، بعد أن تهجر نصفهم (5 ملايين)، وخربت معظم مناطقهم على أيدي الدواعش بالإضافة إلى انتهاكات الحشد الشعبي. لكنّ الجهات العراقية المعارضة لهذا الخراب تضع آمالها في انتخابات العام 2018. ولا يحدُّ من إمكانيات تحقُّق هذه الآمال سطوة الجهات المتأيرنة فقط؛ بل وإصرار الأكراد على الاستفتاء والانفصال، مما يهدد باستقطابات مزيدة. ويكون على الجهات العربية التي تبادر الآن لكسح آثار الماضي القائم القريب، أن تراعي الحساسية الشديدة للأوضاع بالعراق، مع فرصة للتشاور مع الأميركيين والأتراك.
والأمر في لبنان ليس سهلاً أيضاً. فميليشيا «حزب الله» تسيطر على مفاصل الدولة والجيش. ورغم التوتر الحاصل بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب؛ فقد أمكن الاتفاق على قانون جديد للانتخابات يزيد من الاصطفاف، ويعود إلى إبراز مقولة تحالف الأقليات بالمنطقة وسط زيادة حظوظ بشار الأسد بالبقاء، وزيادة النفوذ الإيراني في سوريا أيضاً. وهناك احتمال حدوث توتر كبير في منطقة عرسال على الحدود مع سوريا بحجة أن الجيش سيندفع لطرد المسلحين السوريين من تلك المناطق الجبلية. لقد كانت المملكة دائماً كريمة مع لبنان، وما حاسبت على الإساءات التي تحصل كل يوم. لكنّ المشكلة أنه ما عادت في لبنان جبهة حقيقية للمعارضة السياسية، وإنما هم أفراد وشخصيات. ومع اتجاه العرب للمبادرة وكف النفوذ الإيراني، فينبغي في لبنان التفكير والتدبير بشأن جبهة سياسية لصون الدولة والدستور والخلاص من سيطرة الميليشيات ذات السلاح غير الشرعي، والميليشيات الأخرى السياسية.
وعلى الجانب الفلسطيني، هناك جبهتان: جبهة السلطة الفلسطينية التي سارت مع مبادرة ترمب التي ننتظر ما ستأتي به من ثمار بسبب التطرف الإسرائيلي – وجبهة حماس، والتي تُجددُ ولاءها لإيران التي يزورها إسماعيل هنية هذه الأيام، مدفوعاً (فيما يقول) بإعلان الجهات العربية لحماس تنظيماً إرهابياً. وبذلك يلتقي من جديد الجانبان الإيراني والإسرائيلي في الحيلولة دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة بالحل العادل للقضية الفلسطينية. وقبل أيام قامت جهتان: لبنانية – مسيحية (لقاء سيدة الجبل)، وفلسطينية (جبهة تطوير)، بطرح فكرة للسلام تحولُ دون هجرة مسيحيي فلسطين، بالدعوة لزيارة المسيحيين العرب للقدس. وقد أمّلت الجهتان أن تبادر جهات إسلامية نافذة للدعوة للفكرة نفسها لدى المسلمين، فهاجمت جهات قريبة من الحزب الفكرة بحجة أنها دعوة للتطبيع مع إسرائيل! فلا بد من مبادرة عربية جديدة (قد تكون العاشرة!) لإخراج إيران من الملف الفلسطيني، والذي لم تخرج منه منذ احتلت حماس المتأيرنة غزة عام 2007.
ولنصل إلى المبادرة العربية في الجانبين الديني والفكري لمواجهة التطرف. الإرهاب يقتضي المواجهة الأمنية والعسكرية. أما التطرف فهو مرضٌ داخلي في الدين والمجتمع. وينبغي مواجهتُهُ ومكافحة آثاره على السكينة الدينية، وعلى تهديد الدولة الوطنية. فالتطرف الذي يؤدي إلى العنف، يُحدثُ انشقاقاً في الدين، وعبثاً بنظام الدولة، واستقرار المجتمع. وقد انصبّت الجهود من قبل من جانب المؤسسات الدينية والمثقفين ورجالات الدولة على مكافحة عنف الإرهابيين باسم الدين. وأوصلنا هذا الكفاح إلى استعادة الـMain Stream أو التيار العام أو التوجه الرئيسي في الدين والمجتمع.

* نقلا عن “الشرق الأوسط”