fbpx
المؤسسات الدينية واستقبال الجديد

بقلم/عبدالرحمن الراشد

في الشهور الأخيرة عادت الحملة على المؤسسات الدينية باعتبار تقصيرها وعجزها إلى التصاعُد. وقد حدث ذلك على وقْع الأحداث الإرهابية الفظيعة ببعض البلدان. والطريف أنه في الفترة ذاتها تسارعت خطوات وندوات ومؤتمرات المؤسسات الدينية، والشخصيات الدينية في مكافحة التطرف والإرهاب، ومهاجمة المتطرفين واعتبارهم مجرمين وقَتَلة، وضرورات التعاوُن مع السلطات من أجل مواجهتهم بكل سبيل، وقد أساؤوا إلى الدين والمجتمعات، وتسببوا في تسليط قوى العالم على ديارنا بحجة صَون أمن العالم من شرور الإرهاب الإسلامي.

تتحدث السلطات، ويتحدث المثقفون والإعلاميون عن أمرين على المؤسسات الدينية القيام بهما: تجديد الخطاب الديني، وتطوير المناهج التربوية. وقد تغيرت المناهج التربوية أو المواد الدينية فيها بالفعل، وما تزال عُرضةً للتغيير. لكنّ المثقفين لا يعرفون ولا يهتمون ولا يعرضون المناهج التي يعتبرونها كفيلةً بالتخليص من الإرهاب. وقِدْماً أتى الرئيس التونسي ابن علي بمحمد الغنوشي لتطوير المناهج ولبرلتها ففعل كلَّ ما بوُسعه لكي لا يُذكر الإسلام كلّه إلاّ مراتٍ قليلة في المناهج، ومع ذلك فإنّ التطرف بين الفتيان في تونس صار ظاهرةً بارزة. أما تجديد الخطاب الديني، فالمقصود به خطابات الأئمة في المساجد، وكلام الدُعاة في التلفزيونات. وقد تغيَّرت أيضاً كثيراً، وصار الحرص أكبر والحذر أشدّ. لكن في وجه استمرار الهجمات على الهيئات الدينية، يمكن القول إنّ متغيرات المساجد، ومناهج التدريس ليست مهمةً لدى المتطرفين والإرهابيين. فهم جميعاً من خارج المؤسسات الدينية، ولا يكادون يعرفون مسجداً. وهناك شواهد على ذلك كثيرة من التحقيق معهم: فأكثرهم ما ذهب أيضاً إلى المدارس، ولم يتعلم فيها، وفي البرامج التعليمية الرسمية، كما في المعاهد والمؤسسات التي يشرف عليها الخبراء الدينيون المحترفون. فمعظم الانتحاريين والمقاتلين هم من الأُميين، أو حصلوا على شهاداتٍ شرعيةٍ من معاهد خاصة مجانية تُدارُ بأيدي المتطرفين. ولدى بعضهم شهادات متوسطة، اتبعوا بعدها طريقاً مهنياً لكي يجدوا عملاً. وقد جرى تجنيد كثيرين وهم يبحثون عن عمل! وما أقصدُهُ من وراء ذلك، أنّ هؤلاء لا يمكن التأثير فيهم من جانب المؤسسة الدينية، لأنّ المؤسسات لا تعرفهم ولا هم يعرفونها!

بيد أنّ نفي القدرة على التأثير على هذه الفئة، لا يعني نفْيَ المسؤولية. فالمؤسسات الدينية لديها دائماً أربع مهمات: الحفاظ على وحدة العقيدة والعبادة، والتعليم الديني، والفتوى، والإرشاد العام. وفي الحقّ أنّ مؤسساتنا الدينية ما تمكّنتْ من الحفاظ على الوحدة في المساجد في معظم البلدان، وما تمكنت بمساعدة السلطات من الانفراد بالتعليم والتربية الدينية. وتأتي أخيراً العلاقات بالعالم والتي تزداد سوءاً، والمسؤولُ عنها ليس الأزهر بالتحديد أو المؤسسات الدينية المشابهة، بل الجميع وبينهم السلطات والمثقفون والإعلاميون.

لذلك أودُّ التركيز على واجبات المؤسسات الدينية بمقتضى الاحتراف، ومقتضى المهمات، وأولاً وأخيراً بمقتضى كونها الأكثر مسؤوليةً عن الدين سلامةً وسكينةً واستتباباً. وهكذا فينبغي الخروج من العقلية الوظيفية إلى الرسالة وعقلية المهمات، بحيث تتغير الذهنية، وتتغير أخلاق العمل. إنما كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ بالإحساس بالضرورة للدين وللمجتمعات والدول. ومن يعجز عن ذلك يكون عليه ترك الأمر، وسيكسب أكثر في الأعمال الأُخرى.

ولندخل في الشرط الثاني وهو شرطُ التأهُّل للقيام بالمهمات. فالعالم تغير كثيراً، ولا يكفي تعلم العلم الشرعي العادي، بل لابد من معرفة كيف يفكر الصحويون وغير الصحويين، ووسائل التصدي والإقدام.

أما الشرط الثالث فهو شرطُ التأهيل. بمعنى أنّ لدينا مهمات يكون علينا لأدائها الحماس والإيمان والتأهل. أما وقد تأهلْنا فعلينا الاتجاه لتأهيل الآخرين بشتى الوسائل، وليس في الدراسة أو من على المنابر وحسْب.

لقد كانت العقبات في العمل كثيرة، ولأسبابٍ متعددة. بيد أنّ الحاجات هائلة الآن، والتضامن والعمل معاً مطلوب. وفي المدة الأخيرة، كثيراً ما استشهد بحديث السفينة للنبي صلى الله عليه وسلم، والذي جاء فيه أنّ قوماً ركبوا سفينةً ذات طبقتين، فأصاب بعضهم أسفلها، فكانوا إذا أرادوا أن يستقوا من الماء مروا على مَنْ فوقهم فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذٍ مَنْ فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً. نحن أهل السفينة الواحدة والمركب الواحد. والوقت ليس وقت تلاومٍ ومنافرات، فلنعمل معاً لننجو جميعاً.
*نقلا عن “الإتحاد”