fbpx
الكويت في يافع.. سَبَّاقة بالعطاء النافع

 

د.علي صالح الخلاقي:
للكويت تاريخ ناصع ومشرف وزاخر بالدعم الأخوي لشقيقاتها الدول العربية، فقد جُبِلَت على العطاء دون مَنٍّ أو مباهاة وبعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة أو الأغراض النفعية، وهذا دَيْدَنها ونهجها الثابت الذي تميزت به الكويت منذ نشأتها وحتى اليوم. ولهذا احتل اسمها مكانة مرموقة في ذاكرة ووجدان وقلوب أبناء شعبنا العربي من أقصاه إلى أقصاه، وكذلك الحال في بلادنا شمالاً وجنوباً، ولكن للكويت مكانتها المميزة بشكل خاص في مناطق يافع الجبلية، حيث لا تنافسها هناك أية دولة أخرى، ولا مبالغة أوغرابة في ذلك، فيكفي أن نعرف أنها أول دولة شقيقة، بل والوحيدة، التي وصلت بمشاريعها الحيوية المتعددة إلى هذه المنطقة الجبلية النائية في جنوب اليمن منذ وقت مبكر. فقبل أكثر من أربعة عقود وصلت كُوَيْت العطاء والخير والنماء سبَّاقة بهديتها الإنسانية في مجال الخدمات الطبية إلى منطقة الحد النائية في أطراف يافع الجبلية التي بدأت حينها تنفض رُكام التخلف وكانت كغيرها من مناطق البلاد تفتقر للكثير من المشاريع الخدماتية الملحة في الصحة والتعليم وغيرها.
وأحسنت الكويت صنعاً، حينما وصلت بخيرها ودعمها الأخوي وعطائها الإنساني في الوقت المناسب الذي كانت هذه المنطقة بأمس الحاجة إليه، فشيَّدت هناك في مطلع السبعينات أول مستشفى حديث على مستوى يافع ، تم استكمال تشييده وتسليمه للسلطة المحلية في عام 1975م، إلا أن افتتاحه وتشغيله تأخر أربع سنوات لاحقة بسبب اهمال المسئولين في وزارة الصحة وفي المحافظة وعدم توفيرهم للمعدات الطبية والكوادر وإيصال الكهرباء والماء، كما ورد في مقال مطول كتبته حينها في صحيفة “14 أكتوبر” الرسمية في عددها الصادر بتاريخ 23مايو 1979، عن مركز الحد، قبل أن يتحول إلى مديرية، وكان يتبع حينها المديرية الغربية من المحافظة الثالثة، وتصدر المقال عنوان “المستشفى يتشقق قبل أن يفتتح” ومما جاء فيه :”أنه ومنذ العام 75م ومواطنو المركز ينتظرون بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي سيتم فيه تدشين العمل في أقسام المستشفى الذي بُني بمساعدة الكويت الشقيق، لأنه فيما إذا تم افتتاحه سيكفيهم عناء التنقل بمرضاهم إلى عاصمة المديرية أو إلى عدن ويخلصهم من صعوبة الطريق المحنوتة بين الجبال والتي قد تؤدي – وقد أدّت فعلا- في بعض الحالات المرضية إلى موت المرضى قبل وصولهم إلى المستشفيات المقصودة خارج المركز..وكذاالتحفيف من النفقات والتكاليف التي يواجهها المريض”..ولاحقا من نفس العام تم افتتاح المستشفى من قبل الرئيس علي ناصر محمد في احتفالات ذكرى عيد الاستقلال في 30نوفمبر1979م.
تتصدر واجهة مستشفى الحد – يافع منذ يوم انجازه لوحة الشرف التذكارية، بعبارتها ذات المعاني والدلالات الكبيرة “هدية الكويت للشعب اليمني الشقيق”، وما تزال هذه اللوحة تزين واجهة المستشفى كشاهد حي على بصمات الكويت الشقيق ودعمها السخي شعباً وحكومة وأميراً لبلادنا، وهو ما تختزله جملة (هدية الكويت) التي تصادفنا في واجهات كثير من المشاريع الطبية والتعليمية وغيرها المنتشرة في أرجاء واصقاع بلادنا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية.
وبهذا تكون الكويت الشقيقة سباقة في وصول دعمها السخي ومشاريعها المثمرة إلى مرتفعات مناطق يافع الجبلية، رغم صعوبة الوصول إليها حينها لانعدام الطرق المعبدة ، بل أن الكويت قد سبقت حتى سلطة الدولة الوطنية بعد الاستقلال الوطني في تشييد هذا المستشفى الأول من نوعه في المنطقة، وما يزال حتى اليوم هو المستشفى الوحيد في مديرية الحد-يافع ويقدم خدماته لأهالي المنطقة ومحيطها المجاور، رغم إهمال دعمه والاعتناء به على مدى السنوات التي أعقبت اجتياح نظام صنعاء للجنوب صيف 94م، الذي ما زلنا نعاني من تبعاته حتى اليوم.
وكم كان رائعاً أن تعود الكويت بخيرها ودعمها المعهود مجدداً، في هذا الظرف العصيب الذي تعيشه بلادنا بعد طرد الغزاة الحوثيون من أرض الجنوب، للاطلاع على أوضاع هذا المستشفى وظروف عمله ومتطلباته ومد يد العون السخية التي عهدناها من الأشقاء في الكويت، إذ زار المستشفى في الثامن من إبريل الجاري وفد كويتي برئاسة الدكتور محمد أحمد الشرهان رئيس جمعية صندوق إعانة المرضى الكويتي، والدكتور جمال الفوزان المدير العام، وأبو إسماعيل القرشي ممثل اللجنة الصحية للإغاثة الكويتية ورافقهما في هذه الزيارة نائب محافظ محافظة لحج عوض الصلاحي ومدير عام مكتب الصحة بمحافظة عدن الدكتور عبد الناصر الوالي وعدد من المسئولين من المحافظة ومديريات يافع، وجرى للوفد استقبال حار من قبل المواطنين والسلطة المحلية في مديرية الحد- يافع عبر عن الحب والتقدير للكويت أميراً وحكومة وشعباً، وهو ما تكرر في بقية المناطق التي زارها.
وبعد أن طاف الوفد في أقسام المستشفى المختلفة وتعرف عياناً على أحواله وأوضاعه ومتطلباته من الأجهزة والمختبرات وحاجته إلى الترميم. توقف الوفد محاطاً بالمرافقين والمستقبلين أمام واجهة لوحة الشرف التذكارية وتحت علم دولة الكويت ودولة الجنوب، وأمام حشد من المواطنين ألقيت كلمات ترحيبة من قبل نائب المحافظ والسلطة المحلية والمواطنين ..ثم جرى تكريم الوفد بشهادات تقديرية، عرفاناً وتقديراً لهذه الزيارة. والقى رئيس الوفد د.محمد أحمد الشرهان كلمة قصيرة معبرة اشار فيها إلى حضور الكويت المبكر إلى هذه المنطقة من خلال هذا المستشفى الذي ما زال يقدم خدماته العلاجية والطبية دون توقف منذُ أكثر من أربعين عاماً.
وكان د.الشرهان قد كتب في سجل الزيارة:”تشرفت بزيارة مستشفى الحد في يافع وقد طفت في نواحي المستشفى واطلعت على أقسامه وأرى أن المستشفى بحاجة إلى تطوير وترميم وتجهيز..نسأل الله أن نستطيع أن نقدم ما ييسر الله بما يخدم الأخوة الأشقاء في مديرية الحد وما جاورها”.
غادر الوفد مديرية الحد متجشماً عناء الطريق الترابية- التي توقف استكمال تعبيدها بالاسفلت في المنتصف-عائداً إلى مديرية لبعوس، وهناك زار الوفد مستوصف السلام في لبعوس واطلع على اقسامه واحتياجاته، ثم عرج لزيارة مبنى كلية التربية يافع، التي تشغل منشآت أول ثانوية في يافع بنتها دولة الكويت مطلع الثمانيات، ورغم تحول منشآتها إلى كلية للتربية ، فأنها لم تشهد أي توسع أو ترميم باستثناء بناء ثلاثة صفوف وكذا الترميم الوحيد الذي تم على نفقة الشيخ الفاضل عمر قاسم العيسائي رحمه الله عند افتتاح الكلية عام 1998م ، وهي بمسيس الحاجة إلى توسعة إضافية وترميم لمنشآتها القائمة ومبانٍ وتجهيزات للمختبرات وللمكتبة حتى تتمكن من استيعاب الأعداد الكبيرة من ابناء وبنات يافع الذين تقف القدرة الاستيعابية للكلية عائقا أمام قبول أعدادهم المتزايدة كل عامً.
ثم اتجه الوفد ومرافقوه إلى مستشفى 144 أكتوبر،الذي شيدته أيضاً دولة الكويت في الثمانينات في منطقة الموسطة ذات الكثافة السكانية العالية واعتمدت له خمسة أطباء حتى اجتياح الكويت من قبل النظام العراقي، وقد آزر شعبنا الجنوبي الكويت الشقيق في محنته تلك. وزار الوفد أيضا مستشفى مديرية المفلحي- يافع، وقبل أن يغادر الوفد ومرافقوه تناولوا وجبة غداء عامرة بصنوف المأكولات المحلية اليافعية في منزل الشيخ علي حسين عامر في مسجد النور. وفي الاستراحة القصيرة بعد الغداء التي تبودلت فيها كلمات الترحيب والشكر، قام رئيس الوفد د.الشرهان بتكريم الناشط احمد عبدالله الوالي منسق المنظمات الدولية في عدن بعد كلمة ثناء وإشادة بجهوده الكبيرة ألقاها أبو اسماعيل القرشي وهي التفاتة طيبة لأحد الرجال المجهولين ممن يعملون بصمت في هذا المجال الإنساني.
بعد ذلك أهديتُ من جانبي الوفدَ الكويتي نسخا من مؤلفاتي عن لهجة يافع وتراثها وأمثالها وفنون عمارتها الحجرية الفريدة كتذكار عن هذه الزيارة، وقد علق د.عبدالناصر الوالي بقوله لرئيس الوفد:” كانت يافع في الماضي تهدي الزائر الجنبية والقات، وها هي الآن تهدي كتباً عن تاريخها وتراثها من تأليف أبنائها”.
غادر الوفد عائداً إلى عدن، وفي طريق عودته زار مستشفى يهر-يافع وكذا مستشفى حبيل جبر- ردفان.. وكان الوفد قد قام بزيارات مماثلة في عدد من المحافظات الجنوبية.. وما ينبغي الإشارة إليه أن الوفد لم يتمكن من زيارة بقية مديريات يافع الجبلية الأخرى مثل (رُصد وسَرار وسبَّاح) لصعوبة طرق الوصول إليها، علما أن الكويت قد وصل خيرها في الثمانينات أيضا إلى منطقة رُصد- يافع إذ شيدت هناك ثانوية مماثلة لثانوية لبعوس (كلية التربية حالياً)، كما أسهمت في انجاح مشروع المياه في لبعوس الذي يغذي بالمياه معظم مناطق هضبة لبعوس- الموسطة -المفلحي، ولها مساهمتها في مشروع الربط الكهربائي الذي تنتظره يافع من عدن عبر الحبلين والذي تعثر العمل به ومشاريع أخرى لا يحضرني ذكرها.
وإجمالاً فقد تركت هذه الزيارات أثراً طيباً وعزَّزت من أواصر العلاقة الأخوية مع دولة الكويت الشقيق التي ما برحت تقدم دعمها السخي من خلال المشاريع الهامة في التربية والتعليم والصحة والمياه والكهرباء وغيرها في عموم مناطق بلادنا . ويقدر المواطنون في بلادنا هذه المواقف المشرفة للكويت ودعمها الذي لم ينقطع مدده، وتجلى مؤخراً بأروع صوره في تنظيم حملة “الكويت إلى جانبكم” لدعم ومساعدة شعبنا، وتوجت هذه الحملة في 2015م بإنشاء الهيئة اليمنية الكويتية للإغاثة في مدينة عدن.
وما زلنا تذكر بكل فخر واعتزاز نشاط “مكتب دولة الكويت” في عدن وكذا “الهيئة العامة للجنوب والخليج العربي” التابعة لوزارة الخارجية الكويتية منذ عهد عميد الدبلوماسية العربية وزير الخارجية – حينها – أمير دولة الكويت الحالي سمو الشيخ صباح الأحمد الصباح، حيث أثمر ذلك النشاط مشاريع كثيرة مفيدة تؤتي أكلها حتى الآن في كثير من مناطق بلادنا وفي مجالات هامة كالمستشفيات والمنشآت التعليمة والمياه وغيرها مما يصعب حصره.
وهكذا تستمر الكويت في نهجها المميز الداعم بسخاء وبصمت في مختلف القضايا الإنسانية، بقيادة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله، مما جعل العالم يُجمع في الأمم المتحدة على اختياره “قائدا إنسانياً” والكويت “مركزا إنسانيا”، وهي شهادة أممية تستحقها الكويت وأميرها بكل جدارة، فالكويت غير..في العطاء وفعل الخير..

عدن
15 ابريل 2017م