fbpx
تركيا بين الرمزية التاريخية والمعاصرة وصراع المصالح الاقتصادية

ياسين سعيد نعمان

يراقب الاوربيون خطاب الأتراك الموجه هذه الايام نحو أوربا بحذر شديد وبدرجة عالية من الحساسية والاهتمام .. وبعيداً عن الضجيج الاعلامي فإن هذا الخطاب يحظى بتحليل خاص ودقيق من قبل المراكز السياسية المختصة لقراءة ما يحمله من مضامين ، خاصة وأن الاتهام بالنازية والفاشية لأنظمة أوروبية رسمياً قد حرك موجات هائلة من السخط ومن الخوف معاً في المجتمعات الأوربية .
أوربا على ما تتميز به من استقرار وتقدم … تعيش حالة من الخوف الناشئ عن التطورات الداخلية التي يخشى أن تتقلص فيها مساحة التعايش والانفتاح على العالم وخاصة بعد أصبح  العالم من وجهة بعض نخبها المؤثرة مجرد عنوان للهجرة اليها ، أو متآمر عليها ، أو مصدر قلق على أمنها واقتصادها.
يصور اليمين الاوربي المتطرف ومعه قطاعات واسعة من النخب السياسية والثقافية والإعلامية الليبرالية الخطاب التركي بأنه يعبر عن رؤية المسلمين لأوربا مما يدفع من وجهة نظرهم بخطاب أوربي متطرف تجاه الاسلام ، ورغم أن هذه النخب تعبر بالعلن عن قلقها ورفضها لهذا الخطاب الصادر من قلب اوربا المعاصرة ، إلا انهم وفي قرارة انفسهم يرونه خطاباً يليق بالخطاب الرسمي “المتشدد” ، من وجهة نظرهم، القادم من الضفة الاخرى . ويستدلون على ذلك بالإشارات المتكررة للخطاب الرسمي التركي لما يسميه “فوبيا الاسلام” لدى اوربا ، وهو ما يجعل الصراع الجيوسياسي بين الطرفين محشواً بصيغ معقدة من تاريخ الصراع الديني .
هذا الخطاب أنعش خطاب اليمين المتطرف تجاه الاسلام ، وبدأ يكسبه المبررات وسط المجتمع الاوربي على نطاق واسع … الأمر الذي يجعل مسئولية تركيا حاسمة في العودة بالخلاف الى وضعه الطبيعي ، أي إطاره السياسي والاقتصادي ، وعلى النحو الذي يسحب من التطرّف الاوربي أي مبررات لتغذية الصراع على اساس ديني .. وهذا بالطبع لا يعني أن تركيا تتحمل مسئولية ما يجري الان ، ولكن لما تمثله من رمزية تاريخية ومعاصرة للإسلام في اوروبا . تطور تركيا يوقظ هواجس تاريخية في هذه القارة .. ولذلك فإنه لا بد أن يرتبط هذا التطور المعاصر بصيغ سياسية للتعايش والتفاهم ، وبأدوات تدير المصالح المشتركة على نحو يطمئن الجميع .
الصراع السياسي الاقتصادي لا بد أن يبقى في نطاق مفاهيمه المجردة من التنوع والاختلاف الديني والثقافي الذي يثير إشكالات لا يمكن أن تقدم أساساً لحل الخلافات بين الامم إلا باعتبارها معتقداً لكل أمة ..لا يجوز التعدي عليه ..كما لا يجوز حشره في الصراع السياسي والاقتصادي او توظيفه كمظلة للمصالح المادية المتصادمة على الارض ..يجب أن يظل عنواناً للتعايش والتفاهم وتيسير العلاقات الدولية لا تعقيدها.