fbpx
من يجرؤ على الخجل ؟

أنا المواطن المطحون، الذي يفترض أنني لست سبباً مباشراً أو غير مباشر، وليس لي دخل في كل الأزمات والبلاوي التي تفتك بالبلاد وتهلك العباد، إلا أنني أشعر بالكثير من الخجل مما أراه اليوم يطحن مدينتي عدن، حتى أنني أتمنى أن أجد عذراً مقنعاً أقنع به امرأة مسنة أو رجلاً عجوزاً، بأن هذا الجور الجاثم على حياتهم، بكل تفاصيلها، إنما هو صنع قوى خارقة قادمة من خارج الكوكب وليس من فعل بشر نعرفهم، يعيشون بيننا، ويسرقون أحلامنا، ومع ذلك لا نجرؤ أن نوقفهم عند حدهم، رغم هشاشة تكوينهم وضعف حجتهم ومنطقهم.

فبرغم أنني لست بالرئيس ولا رئيس الحكومة ولا المحافظ ولا وزير النفط ولا مدير المصافي ولا شركة النفط، ولست أنا بالتأكيد شهبندر التجار والحكام جميعاً، أحمد العيسي، لكنني أشعر بقدر كبير من الخجل، لو وزعته بالتساوي على مسؤولي بلد الألف وزير ومليون وكيل لكفاهم، ليشعروا بفداحة الجرم الذي يقترفونه بحق هذه المدينة. وفوق الخجل فإنني أحزن وأتألم وأنا أنظر في كل لحظة إلى تقاسيم وجوه الناس المتعبة، التي بلغت معاناتها حداً لا يطاق، ومن المعيب أن يستمر.

 

ولعل أكثر ما يثير استغرابي ويؤلمني ويقيضني معاً في لحظة خجلي، هو أن كل سلطات الشرعية، والشرعية الجنوبية الملحقة بها، والتي أيدناها بقلوبنا وأعمالنا وأيدينا وأقلامنا، والتي صفقت ونافقت، لا تشعر بذرة خجل، ولا ينتابها أي إحساس بالوجع مما يجري للناس، الذين يفترض أن في أيديها الكثير مما يمكن فعله لتجاوز هذا المستنقع الآسن الذي وضعوا الناس فيه.

 

ما يعانيه الناس في عدن من أزمات متتالية لا تتوقف منذ عام ونصف العام على تحريرها، مرده فشل كل سلطات الشرعية في إدارة مهامها، وتراخيها وكأن الأمر لا يعنيها.
لقد انشغل الشرعيون جميعاً باللهاث خلف “وسخ الدنيا”، فسقط الناس بسببهم في وحل الضياع، وتلطخت حياتهم بالوجع والمعاناة، اللذين أوصلا أهالي عدن إلى مرحلة السير وهم يهذون في الطرقات وكأنهم مساطيل يكلمون أنفسهم، وهم ليسوا بمساطيل.

 

ما يجري في عدن من امتهان لمصالح الناس وحقوقهم، ليس من معايير السلوك الأخلاقي ولا الفعل السياسي، وليس فيه شيء من ضوابط التنافس التجاري المشروع، بل هي ممارسات فجة تقوم على العبث والاستهتار، لم تشهد عدن مثيلاً لها حتى في أسوأ حقباتها وهو ما ينبغي أن يتوقف.

 

ووفق منطق الأشياء، فإنه إذا كنا نحن الذين ليس لنا باع ولا ذراع في ما تقاسيه عدن إلا بمقدار صمتنا وتراخينا، نشعر بالألم والحياء لما نحن فيه ونعانيه ويعانيه كل أهلنا، فقد كان الأولى بأولي الأمر والممسكين بالقرار وصناع الأزمات ذاتهم أن يستشعروا خجلاً أكثر وأكبر، وأن يدركوا أنهم هم الظالمون، وأنهم قد جاوزوا المدى وتعدوا الخطوط الحمراء، فمتى عساهم يفعلون أو على أقل تقدير يجرأون مثلنا على الخجل؟