fbpx
أين أجهزة القضاء والنيابة؟*

بقلم /د. عيدروس نصر ناصر

كنت قد تناولت في منشور سابق على صفحتي على فيس بوك قضية اعتقال أجهزة الأمن في عدن للطبيب الجراح الدكتور الخضر منصور الوليدي المدير السابق للخدمات الطبية بمحافظة أبين، والمعروف بمهارته المهنية وعلاقاته الطيبة مع كل من يعرفه من أبناء أبين وطالبت بأهمية أن تكون عملية الاحتجاز قد تمت وفقا للقانون وبأمر من النيالبة العامة وبقرار قضائي وأن يبلغ أهله بمكان وجوده وبالتهمة الموجهة إليه، فجاءت الكثير من التعليقات لتقول لي أنه لا يوجد قضاء ولا توجد نيابة عامة ولا توجد محاكم، وأن الأوضاع الأمنية المقلقة تستدعي بعضا من الإجراءات الاستثنائية بما في ذلك الاعتقال خارج القانون وبلا أمر من النيابة وفي أي وقت ليلا أو نهارا مساءً أو فجرا.

الحقيقة ان تبرير الاعتقال خارج القانون بأنه بسبب عدم وجود جهاز النيابة العامة والمحاكم، هو عذر أقبح من الذنب نفسه، فالمواطن المتهم “الذي يفترض أنه بريء حتى تثبت إدانته” غير مسؤول عن تعطيل جهاز القضاء الذي يفترض أن يحتل من الأولوية ما يحتلها الغذاء والماء والدواء، والمواطن حتى لو كان مجرما لا يعنيه أن كانت السلطة (الشرعية) عاجزة عن تشغيل المحاكم وممثليات النيابة العامة، لأن هذه قضية تخص السلطة ولا يمكن للمواطن أن يدفع من حريته أو كرامته ثمن تقصير السلطة.
إننا نقول أن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته” فمن ذا الذي سيثبت إدانته او براءته إذا كان من يقوم بالاحتجاز هو من يقوم بالتحقيق وهو من يحدد إن كان بريئا أو مدانا؟

من المعروف أن للعدالة ثلاثة أركان رئيسية تتمثل في: المدعي (وهو هنا النيابة العامة) والمحامي (وكيل المتهم) حتى لو كانت تهمته القتل أو قلب النظام السياسي أو الخيانة الوطنية وليس فقط مجرد الالتباس أو الاشتباه، والركن الثالث هو القاضي الذي يدرس معطيات الاتهام وأركان الجريمة وأقوال المتهم ومحاميه وعلى ضوئها يصدر حكمة بالإدانة أو بالبراءة، لكن كيف سنقيم العدالة إذا غابت هذه الأركان الثلاثة وبقي طرف واحد هو الشاهد والحاكم والآمر والناهي.

لا يمكنني التشكيك في نزاهة وصدق ونقاوة الرجال القائمين على العديد من الأجهزة الأمنية التي أتت بها المقاومة الرافضة للغزو والاحتلال، لكن هؤلاء ليسو ملائكة مبرأين من الخطأ والزلل، ومن المفيد لأجهزة إقامة العدالة أن تكون إجراءاتها قانونية تبعد عنها الاتهام والمزايدة وتحميها من المزاجية والعشوائية وتحترم كرامة المتهم وحريته وحقه في الدفاع عن نفسه وتبرير تصرفاته.
إننا لا نتحدث عن الدكتور الخضر الوليدي ونجله المهندس منصور لأنهما ليسا سوى عينة من حالات كثيرة ربما تكون حصلت أو ستحصل، وحتى لو كانا مذنبين، لكننا نتحدث عن مبدأ أساسي من مبادئ إحلال العدالة واحترام حق الناس وتقدير آدميتهم والتعامل معهم بروح القانون ومن منطلق الدولة المدنية التي نسعى إلى غرس بذورها الأولى وسيكون القضاء أحد أركان نمو واتساع مساحة حضور هذه البذور التي نتمنى أن تتحول إلى حالة كلية ودائمة تغطي شتلاتها كل الزمان والمكان الوطنيين، وسيكون من المعيب أن يغيب القضاء والنيابة العامة في ظل ثورة أتت لتزيل الظلم والاستبداد والقمع، بينما ظل هذان الجهازان يمارسان أعمالهما في خدمة الحكام الطغاة قبل الثورة الجنوبية ودحر الغزاة.

مرة أخرى ما يزال السؤال قائما وهو موجه إلى رئيس الحكومة وإلى وزير العدل وقبلهما إلى رئيس الجمهورية: أين الجهاز القضائي وجهاز النيابة العامة؟ لماذا لا يفعل هذان الجهازان ولو بالوسائل البدائية والرمزية لتسود العدالة ويشعر الناس بالأمان والطمأنينة بأنهم سيعيشون مكرمين في أرضهم وديارهم وفي ظل دولة تحميهم وتعبر عنهم ولا تمارس معهم القمع والتمييز؟
ملاحظة أخيرة: كل ما قيل أعلاه لا يمنعنا من توجيه التحية والتقدير لجهود الجهاز الأمني في استئصال منابع الإرهاب وعصابات التخريب، هذا الجهد الذي يجب أن يكلل بمحاكمات علنية لعناصر الخلايا الإرهابية ليعرف الجمهور ثمرة ذلك الجهد الذي ما انفكت أجهزة الأمن تبذله آناء الليل وأطراف النهار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*   من صفحة الكاتب على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك.