fbpx
انتخاب (النّفتَة)

بقلم : د . علي صالح الخلاقي
ولمن لا يعرف معنى “النفتة” فهي الديزل في اللهجة الدارجة ولعلها مشتقة من كلمة نفط(naphte).
رحم العم سالم أحمد جنبل، تذكرت قوله الوارد أعلاه وهو يصرخ به بأعلى صوته وسط لقاء حاشد لأحد المرشحين في انتخابات مجلس الشعب الأعلى في السبعينات من القرن الماضي، التي تم فيها اختار مسئول كبير ومعروف على مستوى البلاد فيما رُشح إلى جانبه شخص من الموظفين المحليين، وذلك بغرض إضفاء الشرعية على (الديمقراطية المركزية)..
ولمن لا يعرف العم سالم جُنبل،رحمه الله، فهو شخصية اجتماعية معروفة وفلاّح اصيل وحكيم وصريح لا يعرف اللف ولا الدوران، يصدع بقول الصدق بصوتٍ عالٍ، ولا تأخذه لَوْمَةُ لائمٍ في الحق، عاش طوال حياته مزارعاً مرتبط أشد الارتباط بالأرض التي هام بها عشقاً وأخلص لها حباً وبادلها معزوفات عشقه جُهداً وعملا مثمراً.. يحرث ويزرع ويحصد ثمرة جهده المضمَّخ بقطرات عرقه، وكأي فلاح كان كل همه وتفكيره في إطار دائرة أرضه وحرثها وبذرها وتعهد مزروعاتها بالرعاية والسقي..الخ. وقد جاء موعد تلك الانتخابات في أواخر السبعينات في ظل أزمة خانقة انقطع خلالها وصول الديزل “النفتة” التي كان يعتمد عليها الفلاحون كثيراً في تشغيل مكائنهم واهتمامهم بسبل توفيرها والحصول عليها أكثر من اهتمامهم بالدعايات الانتخاببية أو انتخاب فلتان أو زعطان.
كان العم “سالم” ممن حضروا المهرجان الخاص بأحد المرشحين على أمل أن يسمع ما يسر عن انفراج أزمة “النفتة” أو الحصوص على بصيص أمل أو وعد بحلها قريباً، فالأرض عطشى والمزروعات تكاد تذوي من الظمأ وتنتظر شربة هنية..لكن شيئاً لم يحدث، ولهذا لم يعجبه كثيراً ذلك الحديث الذي لم يلامس شغاف قلبه ولم يقترب من معاناته وأمثاله من الفلاحين ممن يبحثون مثله عن الديزل لتشغيل مضخاتهم لسقي مزروعاتهم، إذ اقتصر الحديث بكامله عن السياسة ومصطلحاتها المصحوبة بالوعود العرقوبية التي لا يرغب في سماعها وضاق نَفَسَه من طول وتكرار الحديث السياسي الممل للمرشح ونفد صبره وهو يسمع طلاسم وشعارات سياسية لا صلة له بها وعصية على أمثاله..ولم يتمالك أعصابه فصرخ بأعلى صوته وهو يرد على سؤال المرشح بقوله: با ننتخب “نفته…نفته..نفته”..فصفَّق الناس له وكأنه عبر عن لسان حالهم، وساد هرج ومرج وانهى العم سالم بقوله الفصل اللقاء الانتخابي فمرشحه ومرشح المزارعين المطلوب هو (النّفتة)..وظل صدى صوته يتردد “نفتة..نفتة..نفتة” طاغيا على كل الشعارات والدعايات الانتخابية المزيفة ..